شرح الأربعين النووية | حلقة 25 | حديث 30 - 31 | أ.د علي جمعة | English Subtitle

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع الحديث الثلاثين من الأربعين النووية، عن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن الله عز
وجل فرض فرائض فلا تضيعوها". وضع حدوداً فلا تتجاوزوها، وحرَّم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمةً لكم غير نسيان، فلا تبحثوا عنها. حديث حسن رواه الدارقطني في سننه. هذا حديث عظيم عن أبي ثعلبة الخشني، وخشينة قبيلة معروفة من قبائل العرب. وكان اسم أبي ثعلبة جرثوم بن ناشر، وفي اسمه وفي اسم أبيه. وفي اسم أبيه بالذات اختلاف كثير. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أن الله عز وجل فرض فرائض
فلا تضيعوها. هذه الدائرة الأولى وهي الفرائض، والفرائض مهمة لأن الله سبحانه وتعالى جعل على تركها ذنباً وإثماً، فلا بد أنه أرادنا أن نتمسك بها ومن. أهم الأشياء لبقاء هوية الإسلام في الإنسان الفرائض: الصلاة، الصيام، الحج، الزكاة. وهذه الفرائض مهمة لأنها تجمع بين المسلمين وتجعل ثقافتهم وأعمالهم واحدة، وهي أمور مهمة لبقاء الأمة ولقوتها وللشعور بالانتماء إليها. وحدَّ
حدوداً فلا تعتدوها، ولذلك فإن الله جعل هناك حداً للسرقة، وجعل هناك حداً للزنا، وجعل هناك حداً. للخمر لشرب الخمر وجعل هناك حداً للردة عن الإسلام ومخالفة الجماعة والخروج على جماعة المسلمين وتقويت دولتهم، وحدد لنا حداً على النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق في صورة القصاص بنظامه المتكامل في شريعة الإسلام. حدود موجودة في الإسلام فلا تعتدوها، وكذلك الحدود أُطلقت على المعالم. ربنا سبحانه وتعالى.
أُمِرنا ألّا نقرب النساء في الاعتكاف فهذا حدٌ من حدود الله، وأُمِرنا ألّا نعضل النساء في الأسرة فهذا حدٌ من حدود الله، وأُمِرنا ألّا نتجاوز ما وضعه من نظام الميراث فهذا حدٌ من حدود الله، ولا بد علينا ألّا نعتدي على حدود الله فيما سمّاه الله بالحدود وحرّم أشياء فلا تنتهكوها. حرّم علينا الكذب وشهادة الزور والاغتصاب والاختلاس وخيانة الأمانة والغدر بالعهد، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ماذا؟ المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر. وأضاف لها
رابعة في حديث آخر: وإذا خاصم فجر. هذه المحرمات أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم انتهاكها والأمر. المهم في الحديث وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبْدَ لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تُبْدَ لكم عفا الله عنها" هذا القدر من الآية يبين لنا نظام السؤال في الإسلام، ولذلك أمرنا رسول الله أن نَتْرُكَهُ مَا تَرَكْنَاهُ، اتْرُكُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِكَثْرَةِ رُجُوعِهِمْ إِلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَعَلَّمَنَا اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي سُورَةِ البَقَرَةِ وَسَمَّاهَا
بِهَذَا الاسْمِ حَتَّى نَلْتَفِتَ إِلَى هَذَا المَعْنَى فِي قِصَّةِ البَقَرَةِ، فَلَوْ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ذَبَحُوا أَيَّ بَقَرَةٍ وَامْتَثَلُوا الأَمْرَ فَوْراً لَمَا شَدَّدَ اللهُ عَلَيْهِمْ، وَكُلَّمَا سَأَلَ الإِنْسَانُ كلما فَحَصَ وفتَّشَ فإن هذا الفحص والتفتيش ليس من سبيل التقوى وإنما هو من سبيل التنطُّع، والنبي يقول: "إن هذا الدين متين فأوغِل فيه برفق"، وهو صلى الله عليه وسلم يأمرنا: "هلك المتنطعون"، يعني يأمرنا بعدم التنطع في الدين، في الحديث الحادي والثلاثين عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي. رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللهِ، دُلَّنِي
عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللهُ وَأَحَبَّنِي النَّاسُ". قَالَ: "ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللهُ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبَّكَ النَّاسُ". حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةَ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ. هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ أَمْرٌ بِالزُّهْدِ. في الدنيا والزهد في الدنيا سبب من أسباب حب الله لك، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس. يعني القسم الأول وهو الزهد في الدنيا يلزم منه أن تكون الدنيا في يدك، لأن الزاهد في الدنيا هو من امتلكها ولم تدخل قلبه، أما من لم
يمتلك الدنيا فإن طبائع الأشياء تجعله. بعيداً عنها، إذا لا بد أن لا تدخل الدنيا القلوب، ولذلك كان من دعاء الصالحين: "اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا". هذه قمة الزهد؛ أن تكون الدنيا في يدك ثم لا تدخل قلبك. ومعنى أنها لا تدخل قلبك أنك لا تفرح بالموجود ولا تحزن على المفقود، فهي أداة أنظر فعل الله فيها، فإن دامت لك فواجب ذلك الشكر، وواجب ذلك أن تؤدي ما عليك تجاه الآخرين في هذا المال، وأن يسلطك الله على هذا المال لإنفاقه في وجوه الخير والحق والصدقات ومعونة
الناس. القسم الثاني: وازهد فيما في أيدي الناس، لا تنظر إلى الناس ولا إلى ما. في أيديهم ولا تلتفت إليهم ولا تطلبه منهم، ولذلك كان أهل الله يقولون: نحن كالملوك لا نطلب ولا نرفض. والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سؤال الناس فقال: "وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله". ولذلك فإن الإنسان ينبغي عليه أن يزهد فيما عند الناس حتى يحبه الناس. الزهد هو الذي يسبب حب الله لك وحب الناس لك. ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما
عند الناس يحبك الناس. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.