شرح الأربعين النووية | حلقة 3 | حديث 2 | د. علي جمعة | English Subtitle

شرح الأربعين النووية | حلقة 3 | حديث 2 | د. علي جمعة | English Subtitle - الأربعين النووية, حديث
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. نحن مع الحديث الثاني من الأحاديث النووية التي جمعها الإمام النووي، أربعين حديثاً وأكثر.
وهذا الحديث الذي معنا يبين مراتب الإسلام، ولقد أخرجه مسلم في صدر صحيحه، وهو أيضاً كما في حديث النية مروي سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يُرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه. إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال: "يا محمد، أخبرني عن الإسلام".
إذًا فالصحابة لا يعرفون هذا الرجل، وما دام أنهم لا يعرفونه فمن المفترض أنه قد أتى من خارج المدينة، ومن المفترض أنه مسافر. المسافر تكون عليه هيئة السفر في تلك الأيام من الغبار، ومن شعث الشعر، ومن اتساخ شديدُ بياضِ الثيابِ شديدُ سوادِ الشعرِ ولا يعرفهُ أحدٌ منا وليس عليه أثرُ السفرِ. كيف هذا؟ هذا أولُ ما لفتَ نظرَ سيدنا عمرَ بنِ الخطابِ، ثم جاءَ هذا الغريبُ فجلسَ جلسةَ المتأدبِ، فوضعَ ركبتيهِ، جلسَ على ركبتيهِ بإزاءِ وفي مقابلةِ ركبتي سيدنا رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ووضعَ
يديهِ. على فخذيه يعني على فخذي نفسه هكذا على هيئة الطالب بين يدي أستاذه، إذًا هذا الإنسان يعرف قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الإنسان مؤدب، وهذا الإنسان جاء متعلمًا. كل هذا في الظاهر، لأننا فيما بعد سنعرف أن هذا هو سيدنا جبريل، وكان يأتيهم في صورة تشبه أحدهم. الصحابة الكرام وهو دحية الكلبي الذي كان يرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وإلى الحكام حتى يبلغهم بالإسلام، دخل هذا الرجل وجلس جلسة المتأدب المتعلم الموقر لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الصحابة يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم أسئلة قليلة
جداً حتى أن يقول ابن عباس: ما سألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة عشر سؤالاً، كلها في القرآن: "يسألونك عن المحيض"، "يسألونك ماذا ينفقون"، "يسألونك عن الخمر والميسر"، وهكذا "يسألونك عن الشهر الحرام". كانوا يحبون الأعرابي العاقل يأتي فيسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يستفيدوا. كان ذلك. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لهم: "اتركوني ما تركتكم، لقد أهلك الذين من قبلكم كثرة ترددهم على أنبيائهم"، كان ذلك امتثالاً لقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم". بقية الحديث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإسلام
أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً. إذن فالإسلام أمور محددة واضحة، لم يدعُ النبي صلى الله عليه وسلم إلى شيء ضبابي أو إلى شيء هلامي، بل دعا إلى أمور محددة: شهادتين، إقامة الصلاة، إيتاء الزكاة. صيام رمضان وحج البيت، وهذه تسمى بأركان الإسلام. فقال: صدقت. هنا يأتي العجب، فعجبنا له، يسأله ويصدقه! "صدقت" يعني أنت تعرف قبل أن تتعلم، ولذلك في نهاية الحديث قال: "أتدرون من هذا؟" قالوا: لا يا رسول الله. قال: "هذا جبريل أتاكم ليعلمكم أمر دينكم".
قال: "فأخبرني عن الإيمان"، السؤال. الثاني عن الإيمان، الأول عن الإسلام، والإسلام هو الإناء، والإسلام هو الظاهر، والإسلام هو الشيء المنضبط الذي يمكن قياسه ويمكن المحاكمة إليه من صلاة وزكاة وشهادة مسموعة ملفوظة يعرفها كل أحد. قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. ستة أركان للإيمان، والإسلام خمسة أركان. ستة أركان: الله، والملائكة، والكتاب، والرسل، واليوم الآخر، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره. كلام محفوظ وواضح،
وهذا هو الإيمان. فالذي يتشكك أو يلحد بالله ليس بمؤمن، ولا بالرسول ليس بمؤمن، وكذلك إذا أنكر اليوم الآخر أو الملائكة أو الكتب أو أنكر أحداً من رسل الله سبحانه وتعالى أو كفر بالقدر. قال: "صدقت". قال: "فأخبرني عن الإحسان". المرتبة الثالثة من مراتب الإسلام الدين الإحسان. قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك". إذاً هناك في هذه المرتبة قسمان: قسم هو أن تصل إلى أن تعبد الله كأنك تراه، كُشِفَت عنك الحُجُب، ولذلك من يعبد الله كأنه... يراه لا يعصاه وهو في حالة جلال وجمال، في حالة رجاء وهيبة،
فهو لا يفعل المعصية ولا يتأخر عن الطاعات ويسارع فيها. كل هذه المعاني تتأتى عندما يعبد الإنسان ربه كأنه يراه، فإذا لم يصل الإنسان إلى هذه الدرجة انتقل إلى القسم الأقل الثاني "فإن لم تكن تراه فهو يراك". وحينئذٍ فالإنسان هنا ينتقل من روحه إلى عقله، وفي العقل يعلم أن الحكيم خصيم نفسه، وأن العاقل لا بد له أن يحاسب نفسه قبل أن يُحاسَب. قال: فأخبرني عن الساعة. قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، مخفية لا يعلمها أحد. قال: فأخبرني عن أماراتها، يعني شيئاً يدل على أنها... اقتربت على أنه متى تكون هذه الساعة التي يُدمر فيها الكون ويفنى
ولا يبقى إلا وجه الله سبحانه وتعالى، "ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام". قال: "أن تلد الأمة ربتها"، أي الأمة تلد السيدة الخاصة بها. قالوا: هذا معناه أنه ليس هناك بر للأم، يعني شيوع العقوق، وأن ترى الحفاة رُعاةُ الشاءِ يتطاولون في البُنيان. قال الإمامُ النوويّ: هذه علامةٌ وليست حراماً، ولكنَّ الحاصلَ أنَّ ترتيبَ الأولوياتِ اختلَّ، ولذلك فهم يتطاولون في البُنيان. ولو كان التطاولُ في البُنيانِ جائزاً، ثم انطلقَ فلبثتُ ملياً، ثم قال: يا عمر، أتدري مَن السائل؟ قلتُ: اللهُ ورسولُهُ أعلم. قال:
فإنَّه جبريلُ أتاكم يُعلِّمُكُم دينَكُم. رواه مسلم. افتقدنا نحن في عصرنا هذا قضية الأخلاق وقضية الإحسان، وبالهجوم على التصوف ذلك الهجوم القاسي المستمر غير المبرر، بدأ الناس يفقدون كثيراً من المعاني الطيبة التي في هذا التصوف الصحيح الموصل إلى الإحسان الذي هو غاية الدين، فإن الإسلام والإيمان لا بد فيهما من الإحسان. يقول رسول الله. صلى الله عليه وسلم: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق". فتنبهوا فإن الأمر خطير. والسلام عليكم ورحمة
الله وبركاته.