شرح الأربعين النووية | حلقة 8 | حديث 7 | أ.د علي جمعة | English Subtitle

شرح الأربعين النووية | حلقة 8 | حديث 7 | أ.د علي جمعة | English Subtitle - الأربعين النووية, حديث
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. في مجلس الحديث النبوي الشريف ومع الحديث السابع من الأحاديث النبوية الشريفة التي ذكرها الإمام النووي في أربعينه. يقول عن أبي رقية تميم
بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه. وسلم قال: "الدين النصيحة". قلنا: "لمن؟" قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". رواه مسلم. حديث يرى الإمام النووي أنه ركن من أركان تكوين العقل المسلم عند العلماء وعند عامة المسلمين، أساس من أسس الدين. حديث جامع من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث يصلح أن نقول فيه. إنه من الأحاديث المفاتيح، فهو مفتاح يمكن أن نفتح به كثيراً جداً من أحكام الشريعة، وكثيراً جداً من خطوات الطريق
إلى الله سبحانه وتعالى. وهذه هي ميزة هذه الأربعين التي جمعها الإمام النووي. "الدين النصيحة" كلمة تشعر بأهمية النصيحة، وكأنها هي حقيقة الدين، وكأنه لا يمكن للدين أن يكون إلا بالنصيحة فإذا فقدت النصيحة فقد فُقِد الدين، وإذا لم توجد النصيحة فلا وجود للدين. كان الأمر كذلك على هذا التركيب اللغوي "الدين النصيحة". رأيناه عندما يقول: "الحج عرفة" مثل "الدين النصيحة". "الحج عرفة"، فإذا
لم يقف الإنسان منا في حجه في عرفات وفاته هذا الموقف الجليل وفاتته وقفة عرفات فلا... حجة الحج باطلة بدون عرفات، فالوقوف فيها ركن من أركان الحج، فالحج عرفة، ولا يجوز حج بغير عرفة. لا وجود لدين بغير النصيحة، فهذا التركيب معناه الأهمية، ومعناه ركنية هذا الشيء في ذاك، ومعناه أنه عند انتفاء هذا الشيء وهو عرفة أو النصيحة ينتفي الدين أو تنتفي عرفة أو ينتفي عندما أراد بعض المسلمين
أن يقلد هذا الحديث في قاعدة تعبر عن حقيقة موجودة في آيات كثيرة وفي أحاديث كثيرة ولكن ليست بهذا التركيب فقالوا الدين المعاملة. كلمة "الدين المعاملة" ليست آية وليست حديثاً ولم يرد حتى عن السلف أنهم صاغوها هكذا. هذا كلام حديث ولكن الدين فعلاً هو معاملة. الدين معاملة بين العبد وربه، وهو معاملة بين العبد ونفسه، وهو معاملة بين العبد والكون، وهو معاملة بين العبد والخلق. فصحيح أن الدين معاملة، والدين أيضاً هو مجموعة الأخلاق والأوامر
والنواهي والأحكام التي تجعل الإنسان يعامل الخلق بالصدق، ويعامل الخلق بالوضوح وبالرحمة. "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. الدين كله يبين أن الدين المعاملة. ليس بحديث طبعاً، ليس بحديث وليس بآية، لكنه قاعدة صيغت على نحو هذه القاعدة: "الدين النصيحة". قلنا: لمن يا رسول الله النصيحة؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". وهذا معناه أن المسلم ينبغي أن
لوجه الله، وهناك فارق بين النصيحة والفضيحة. النصيحة تكون مخلصة، والإخلاص من أجل أن تكون النصيحة مخلصة ينبغي أن تكون في السر، وينبغي أن تكون هادئة، وينبغي أن تكون متمنية لتحقيق النتيجة، وينبغي أن تكون مبنية على العلم، وينبغي ألا يكون فيها أي نوع من أنواع التكبر ولا أي نوع. من أنواع الشماتة إذا لم يُخلص الإنسان قلبه في النصيحة أنه يجد آذاناً وقلوباً منفتحة. أما إذا كانت النصيحة تخرج لغرض من الأغراض فإنه يجد أمامه الطريق مغلقاً، آذاناً مغلقة وقلوباً مغلقة، لأن هناك فارقاً
بين النصيحة والفضيحة. والنصيحة لكتاب الله، نصح المسلمون لكتاب الله، نصحوا عندما نقّضوا المصحف، نصحوا إلى أجزاء ثلاثين وكل جزء إلى حزبين وكل حزب إلى أربعة أرباع. نَصَحوا عندما جاءت دور المطابع فطُبِع المصحف وصُحِّح. نَصَحوا عندما حافظوا على الأسانيد المتعلقة بالكتاب. نَصَحوا عندما ألَّفوا في علوم القرآن الكريم، في كل علوم القرآن الكريم، في رسمه وفي ضبطه وفي نقله وفي تفسيره وفي تجويده وتلاوته. وفي استنباط أحكامه وفيما يحيط به حتى فيما كُتب عليه من
تاريخ المصاحف وكذلك إلى آخره، نصحوا ولا زالوا ينصحون لكتاب الله. عندما أصبح كتاب الله على الأسطوانات وعلى شرائط الكاسيت وعلى الأقراص وعلى الأقراص المدمجة وعلى الإنترنت وعلى غير ذلك إلى آخره، نصحوا له فصححوه وضبطوه وشكّلوه وحافظوا عليه. عليه حفاظاً كبيراً، وعندما فُتحت الكتاتيب، وعندما صنعوا المسابقات الدولية لتلاوته، وكذا إلى آخره، فهم ينصحون لكتاب الله، وينصحون أبداً كذلك لرسول الله حياً، ولرسول الله في سنته بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى. نعم، هؤلاء
حافظوا على السنة، فدوَّنوا الدواوين، وحافظوا على الأسانيد، وصححوا وضعَّفوا، ودافعوا عن سنة رسول الله. صلى الله عليه وسلم لأن الله أيده ولأن الله هو الذي جعله يقول: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وعترة أهل بيتي"، وفي رواية أحمد: "كتاب الله وسنتي". فحافظ على الكتاب وحافظ على أهل البيت وحافظ على السنة النبوية المشرفة. هذا نصح، وفقك الله. الأمة لنصح الرسول في صورة سنته، كذلك أئمة المسلمين، والنصح لهم دائم في النظم السياسية والاجتماعية، وفي الحكم، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في التذكرة والموعظة
والعبرة التي لا يزال أئمة المسلمين ينصحون بها أئمتهم وحكامهم وأمراءهم، كذلك العموم، ولذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتناصح. وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقبل النصيحة، ننصح من جهة ونقبل النصيحة من جهة أخرى. وكان عمر يقول: "رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوب نفسي". السلام عليكم ورحمة
الله وبركاته.