صحة البداية إنجاح للنهاية | الحكم العطائية | حـ 26 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات الحِكَم العطائية. اليوم نرى الشيخ ابن عطاء الله السكندري وهو يحدثنا عن الطريق إلى الله بعدما وصفه لنا ووصف السالك فيه وبيّن أن الله هو مقصود الكل وأنه ينبغي علينا أن نواصل السير أبداً وأن لا نمل من استمرار العمل وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان عمله
ديمة وأنه كان يقول لأصحابه لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل ثم تركه وأنه صلى الله عليه وسلم ما ازداد فتح الله له وما ازداد من مغفرة الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر إلا أن يكون عبداً شكوراً، قام بالليل حتى تورمت قدماه، ودلنا على أن الطريق إلى الله ينبغي أن لا نلتفت فيه، فإن ملتفتاً لا يصل استمراراً من سيدي. ابن عطاء في حِكَمِهِ التي غاصَ فيها في النفس البشرية، والتي أبرزَ فيها هذه المعاني القوية، والتي رسمَ لنا فيها طريقَ الله سبحانه وتعالى، والتي نبَّهَ على كثيرٍ من دقائق معالم ذلك الطريق، يقول:
"مِن علاماتِ النجاح في النهايات الرجوعُ إلى الله في البدايات"، إذا أردت أن ترى النجاح وقد على النهاية وأن ترى أثر هذا النجاح في حياتك فلا بد من أن تصحح بدايتك، ولذلك قالوا هذا عندما كبُر أحدهم في السن ولكنه كان سليم الحواس، حفظ الله سبحانه وتعالى عينيه وسمعه ونطقه وصحته وسائر حواسه، فكانوا
يقولون في مثل هذا: "هذه حواس قد حفظناها". في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر، في البدايات التزم بأمر الله والتزم بتوجيهات الشرع الشريف، وفي النهايات حُوفظ عليه. ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعلها الوارث منا"، يعني: يا رب عندما أكبر في السن فإن هذه الحواس تُبقيها عليه.
كِبَر السن يصيب الإنسان بضعف في سمعه، وإن الثمانين التي بلغتها قد أحوجت سمعي إلى ترجمان. يعني هذا أن الرجل بلغ ثمانين سنة وبدأ سمعه يضعف، وأصبح لا يسمع من حوله، ويحتاج إلى شخص يرفع صوته بجواره، فهو دخل في مرحلة يحتاج فيها إلى ذلك، ولكنه يدعو لقارئ هذا البيت، وبلغتها أي أنك وصلتَ إلى الثمانين، وهو كأنه يدعو له بطول العمر والعمل الصالح. قد أحوجتُ سمعي إلى ترجماني، لكن من حفظ هذه الحواس في الصِغَر حفظها الله عليه في الكِبَر. هناك
فكاهة تُحكى، وهذه الفكاهة فيها هذا المعنى، وهو الرجوع إلى الله في البدايات وقضية الحفظ، ونحن ما زلنا في حفظ الحواس الظاهرة ولا نتحدث في الإشراقات التي سوف يتحدث عنها سيدي ابن عطاء الله السكندري في حكمة أخرى. يقولون أن أحدهم دخل بيتاً للمسلمين وسأل أحد النزلاء: كم يبلغ عمرك؟ فقال: إن عمري يبلغ مائة وثلاثة سنوات، ولكنه قال له: أنا أراك بقوتك. قال: لأنني أبداً ما شربت.
الخمر أبداً لم أنحرف وأسير سيراً باطلاً مع الحرام والفاحشة والزنا وما إلى ذلك. أبداً لم آكل الميتة ولا الخنزير ولم أفعل معصية أبداً. كنت أحافظ على صحتي وأبتعد عن التدخين وأنام بعد العشاء، والنبي نهى عن السمر بعد العشاء، وأقوم في الفجر وأتوضأ وما إلى ذلك. ولذلك تجدني وأنا في سن فوق المائة إلا أنني ما زلت أسمع وأرى وأتحرك والحمد لله رب العالمين، فسألوا شخصاً آخر قال: "لا، يعني أنا الحمد لله كذلك مثل هذا السابق، لكنني عندي الآن خمسة وتسعون سنة"، وسألوا الثالث
ووجدوه في حالة من التعب، فقال لنا: "على عكس هؤلاء فأنا أشرب الخمر وأنا..." منحرف وأنا لا أصلي وأنا آكل الحرام وأنا أفعل كل شيء هم لم يفعلوه، ولكنني أتيتُ هنا لأنني متعب قليلاً وأحتاج إلى مساعدة في دار المسنين. فقالوا له: وكم عمرك؟ هذا فعل كل شيء! قال: ستة وثلاثون سنة. فهو عنده ستة وثلاثون سنة وهو مع من هم في التسعين والخامسة سنة والمائة سنة لأنه هذا وهو في ثورة شبابه إلا أنه ينحرف ولم يحفظ شيئاً
من شريعة الله سبحانه وتعالى في نفسه. القضية هي أن الطريق إلى الله، هذا الطريق إلى الله، إما أن يكون مستقيماً، والمسلم يسأل الطريق المستقيم من الله كل يوم سبعة عشر مرة "اهدنا الصراط المستقيم". صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. إذاً، فهناك صراطان: صراط مستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم، وصراط منحرف، طريق منحرف عن الجادة لا يوصل إلى الهدف. إذا أردت أن تذهب إلى الإسكندرية من القاهرة إلى الإسكندرية،
فإنك تسلك طريق الإسكندرية، فإذا سلكت طريقاً آخر كطريق الصعيد فإنك تصل إلى الإسكندرية، هذا كلام عقلاء وكلام مسلم ومشاهَد وليس فيه أي نقاش. من علامات النجاح في النهايات أنك تصل إلى الإسكندرية وهي مرادك، الرجوع إلى الله في البداية، وأنك تلتزم بطريق الإسكندرية وليس بطريق آخر، وكذلك طريق الله سبحانه وتعالى. طريق الله سبحانه وتعالى لا يجوز لك فيه. أن تنحرف وأنت تعلم الحق فتكون مغضوباً عليك، أو وأنت لا تعلم الحق فتكون ضالاً. لا تنحرف عن طريق الله سبحانه وتعالى حتى تحقق النتيجة. يجب أن ترجع في البداية إلى الله. البداية هي
في الشباب، ولذلك هذه الحكمة يُخاطَب بها الشباب. لكن بالرغم من مخاطبة هذه الحكمة للشباب إلا... إنها تظل لكل أحدٍ يريد أن يتوب وأن يعود مهما كان سنه، فرجلٌ كبيرٌ في السن لكنه يريد أن يتوب، إذاً فليبدأ الآن وليرجع الآن، لعل الله سبحانه وتعالى أن يكرمه، وكما قالوا: قد تسبق العرجاء، فالله سبحانه وتعالى عندما يرى هذا الشخص مع شيبه وكبر سنه قد بدأ ورجع. إلى الله يعد هذا أول الطريق فيوفر له ويكرمه ويخرج له من كرامة الطاعة ما يستطيع به أن يستمر وأن يصل إلى النهايات. القضية
منطقية وشرعية وروحية وتجريبية، وهي أنه من صحت بدايته صحت نهايته، ومن لم تصح بدايته لا تصح نهايته. وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة السلام عليكم