صلح الحديبية | المبشرات | حـ 23 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. حلقة جديدة من حلقات برنامج المبشرات مع فضيلة الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. أهلاً ومرحباً بك، أهلاً وسهلاً بك، أهلاً. بكَ يا مولانا، لدينا يا مولانا حوالي اثنين وعشرين حلقة مع فضيلتك، استمتعنا بعلم فضيلتك، زادك الله علماً. نريد أن نتحدث في الحلقات المتبقية عن المبشرات، عن الغزوات وعن المبشرات والبشائر في هذه الغزوات، ولنبدأ مثلاً بغزوة الحديبية أو بصلح الحديبية. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام. على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. نحن إذا أردنا أن نتكلم في هذه الحلقات عما حدث من مبشرات وأيضاً دروس مستفادة من السيرة النبوية
التي تبشرنا بالأسوة الحسنة وتبشرنا بالمنهج المستقيم وتبشرنا بأن هذا الرسول في حياته وسيرته وهديه صالح لكل زمان ومكان وأنه فعلاً هو الخاتم عليه الصلاة والسلام لأن مشكلات العالم كانت تختلف فكان النبي يُرسل إلى قومه خاصة، فلما أصبح العالم في اتجاه القرية الواحدة التي نراها الآن بأعيننا، نعم، بعد الاتصالات والمواصلات والتقنيات الحديثة أصبحنا نعيش في قرية واحدة، أصبح من المناسب أن يُرسل إلى هذا العالم شخصٌ واحد. عليه الصلاة والسلام، ولذلك فرسول الله صلى الله عليه وسلم في سيرته ومواقفه وعلاقاته وهديه ومنهجه كان مثالاً صالحاً لكل
زمان ومكان يأتي بعده، وكان فعلاً قد أُرسل كما قال تعالى: "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً"، وفعلاً أُرسل رحمة للعالمين. كل هذه من المبشرات أن يُرسل للكافة، أن وللعالمين وإلى أن تقوم الساعة وإلى أن تقوم الساعة وأيضاً وفي الساعة نفسها يعني في نفس القيامة ستحدث شفاعة للرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم هذه بشرى لم تأتِ بعد بشرى ليست في حياتنا إنما بعد انتقالنا إلى الله سبحانه وتعالى وبعد وفاتنا وبعد بعثتنا عنده سبحانه وتعالى يأتي الخلق لأنبيائهم فكل يعتذر بعذر ويُحال الأمر في النهاية إلى سيدنا محمد فيذهب فيسجد تحت العرش للشفاعة الكبرى التي ينال من أثرها كل أحد من لدن آدم يعني حتى السابقين عنه من المؤمنين وغير
المؤمنين واللاحقين به ممن صدقوه أو كذبوه فهو فعلاً رحمة للعالمين ورحمة للعالمين تتأتى بالشفاعة حيث أن هذه الشفاعة سوف تنال جميع البشرية من لدن آدم إلى نهاية الكون ونهاية العالم وإلى يوم الدين، وبذلك يذهب فيسجد تحت العرش ويلهمه الله بمحامد كثيرة لم يلهمها لأحد من قبله، ثم يقول له: "يا محمد ارفع رأسك واشفع تُشفّع وقل تُسمع"، فيشفع فيهم فينهي الله سبحانه وتعالى نصف لأن هذا اليوم يعادل ألف سنة، فيمكثون خمسمائة سنة يُحقَّق معهم ويُسألون. إن في أهوال يوم القيامة وحدها ما يكفي لأن يستقيم الإنسان
على الصلاة، فالمستقيم سيكون في ظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله، أو في ظل عرش الرحمن سبحانه وتعالى. إذاً فرسول الله كما أُرسل رحمة للعالمين. كانت سيرته رحمة للمؤمنين وهداية للمتقين ومنهاجًا صالحًا للتطبيق إلى يوم الدين. فعندما نذهب إلى موقف مثل الذي حدث في الحديبية، نجد أن الحديبية هذه فيها دروس سياسية، وفيها دروس أدبية، وفيها دروس في المفاوضات، وفيها دروس في التخطيط العسكري والتخطيط السياسي، وفيها دروس عجيبة غريبة، وفيها تعليم للعقل. المسلم والحقيقة العقل البشري كله ليس المسلم فقط،
كيف تخطط وكيف تنفذ وكيف تتابع وكيف تفاوض. جميل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهب وأسلحته في قرابها ويذهب معتمراً، يبقى إذا أنا أتيتكم ليس محارباً. الله، هذه حكاية أنه يأتي بصحابته، وصحابته هؤلاء من هم؟ الذين قاتلوا فانتصروا في أنهم انتصروا في أحد كنتيجة نهائية، وأقول إنهم انتصروا في الخندق، وأقول إنهم صدوا الهجمات وثبتوا أمام كل العواصف. إذا كنت تأتيني بمجموعة من المقاتلين، فهل تريد أن تخدعني؟ لا أعرف. السلاح موجود وإن كان في غمده.
هل تريد أن تذهب فعلاً إلى غار حراء؟ لا أعرف ماذا تقصد بذلك. أي أنني كسرت نفسي. فهو بهذه الزيارة المفاجئة، هذه الزيارة التي فيها مبادرة، يعلمنا المبادرات. لا ننتظر حتى يتلاعب بنا، بل لا بد علينا أن نخطط وأن نبادر وأن نعرض. فهذه المبادرة يمكننا القول أنها أربكت العدو، أربكت صفوفه. إنهم لا يعرفون كيف يتخذون القرار وهم يرتدون ملابس الإحرام. والسلاح في الغمد يُوارى، آتين في وقت أصبح مستقراً عندهم أنهم خدم للبيت، وأنهم سدنة للبيت، وأنهم لا يردون عنه أحداً، وأنهم مهما كان، مهما كان من عداوة بينه وبينهم، فإنهم في
الأشهر الحُرُم، وكذلك لديهم سمعة عند العرب، وهذه السمعة مبنية عليها مصالح مادية، ومبنية عليها تجارات، ومبنية... عليها كينونة يعني هذا هو قريش وهي في رحلة الشتاء والصيف تسير بين العرب باعتبارها أنها حامية للبيت وحامية لمن حج إليه وحامية لمن لاذ به وبالتالي يحمل لها تجارتها ولا أحد يتعرض لها، وبذلك فهم عند العرب في حالة من المهابة والقدسية إن صح التعبير. هذه المهابة والقدسية سيفقدونها معتمرين محرمين قاصدين للبيت الحرام، هذا ارتباك. والارتباك آتٍ من أين؟ من فكرة المبادرة. إذاً، رسول الله يعلمنا في بشارتنا وفيما يبشرنا به بأن نبادر،
ولكن المبادرة تأتي عن ذهن وتخطيط وتنظيم ومعلومات. حسناً، ما الذي حدث في الحديبية؟ الحديبية هي مكان بعيد عن مكة وقبل مكة بمسافة، يعني حوالي. لها ثلاثين أو أربعين كيلومتراً، حسناً، وبعد ذلك، هذه المسافة ما بين الحديبية وما بين مكة، نجد أن ترسل قريش من يتفاوض مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل الدخول، الذي سوف يذل نفوسهم، أو على احتمال الخطر والاستيلاء على مكة، أو على احتمال... لا أعرف... نعم،
إذاً فحكاية اتخاذ القرارات والإستراتيجيات والسياسات هذا أمر مهم، وقضية الجاسوسية هذه أمر مقوض للنظام العام، ولذلك استحق الجاسوس دائماً الإعدام واستحق الجاسوس دائماً المهانة، ودائماً أهل الجاسوس يتبرؤون منه، وفي كثير من الأحيان هو يتبرأ من نفسه من شدة جرمه، وكل هذا للحفاظ على سرية الدولة. يأتي عروة بن مسعود يخرج. ويكلم النبي صلى الله عليه وسلم ويتفاهم معه ويتحدث وما إلى ذلك، وعروة بن مسعود يرى النبي وأصحابه
أمامه بأنهم ليس كما سأقول لك أنهم جماعة واحدة، ولا أنهم حكومة واحدة، ولا دولة واحدة، بل إنهم جسد واحد، جميل إلى هذه الدرجة. يشعر عروة بن مسعود أنهم كالجسد الواحد، فهو يقول عندما رجع إلى المشركين: "والله دخلت على كسرى وعلى قيصر، ما وجدت مثل أصحاب محمد مع محمد عليه الصلاة والسلام، فما التفت التفاتة إلا رأيتهم يبتدرون." قال: "ماذا يريد؟ ما هذا؟" يعني عندما يقوم الشخص هكذا من على الكرسي، يستجيب له جسمه، نعم هذا جسد. واحد ما شاء الله الإنسان عندما يريد أن يتناول شيئاً يمد يده فتستجيب له، يعني ما دام الجسم سليم. نعم. طيب، لنخرج
إلى الفاصل يا مولانا. نعم، ونستكمل قصة عروة بن مسعود. حسناً، ماذا رأى من المسلمين؟ فاصل ونعود إليكم، فابقوا معنا. السلام عليكم ورحمة الله. عدنا إليكم من الفاصل، حلقة اليوم من برنامج المبشرات مع فضيلة الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. وصلنا مع مولانا إلى عُروة بن مسعود وهو قادم من عند المشركين ليتفاوض مع المسلمين، وشَهِدَ المسلمين كالجسد الواحد. تفضل يا مولانا، عُروة بن مسعود وهو يرى أن المسلمين كالجسد الواحد، يجب علينا أثناء... التفاوض أن نظهر أمام العالم بأننا جسد واحد، أي بالرغم من أن بيننا مداولات وبين بعضنا، بعد ذلك سنجد سيدنا عمر وسيقول عندما نقبل الدنية في ديننا، وبعد ذلك سنجد اعتراضات ومناقشات وأمورًا، ويذهب إلى أبي بكر، كل هذا الكلام في المطبخ من الداخل، لكن أمام المشركين لا نفعل ذلك. المشركين نحن كالجسد الواحد حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم ما بصق بصقة ولا
التفت التفاتة إلا ابتدروها فأخذوها ومسحوا بها وجوههم وإذا توضأ أخذوا فضل وضوئه وتبركوا به. إمامهم هذا فيه عملية، يعني هذه مسألة، هذا الرجل ارتعب، حقاً، لم يرَ كسرى ولا قيصر. ولا أحد من العظماء الذين يخاف الناس بطشهم يفعلون هذا، لماذا؟ لأن هذا حب، نعم، إذاً هو يعلمنا درساً آخر وهو أن الحب يفعل الأفاعيل، جميل، الحب يفعل الأفاعيل، والله إنه صحيح، لو أننا أحببنا بعضنا سنفعل أشياء عجيبة الشكل وخارجة عن نطاق كل ما هو مدروس، ولذلك الحب... ولأنه يفعل الأفاعيل، أعداء الإسلام دائماً يحاولون أن يقدحوا في الحب فيما بيننا، نعم، يضعون الأسافين ويوجدون مبدأ "فرِّق
تَسُد". هذا ملخص الحكاية، أنه إذا استطعت أن تدخل فتُفرِّق فسوف تسود. يعني هذا الدرس هو درس حياتي، إنه درس قوي جداً. وبعد ذلك يذهب عروة ولا يوجد اتفاق وما إلى ويأتي في النهاية بعد ما ذهب عثمان وجاء وكذلك عمرو بن سهيل، نعم، فهذا يعلمنا أننا لا نستسلم هكذا في المفاوضات دفعة واحدة، نعم. ويعلمنا أن هذه المفاوضات لا بد أن يكون لها غاية، فإذا لم تحقق الغاية فقد فشلت، لكن لا بد أن تتحقق هذه الغاية وعلى... ذلك يعلمنا كيف نتفاوض وهذه نقطة مهمة جداً، إذا كان المفوض الخاص بي نسيها أو لم يلتفت إليها فسنجد أن كم التفريط الذي يقع
فيه يبيع القضايا مجاناً بالفعل، في حين أنه كان من الممكن أن هذا النوع من أنواع التفاوض والتمسك يأخذ شيئاً فنأخذ في مقابله شيئاً، هو هذا. التفاوض السليم الذي لا نُسلِّم فيه بمنتهى البساطة بأن نقبل شروط الطرف الآخر من مجرد أول اتفاقية أو أول [مقابلة] مثلاً، أو عند وجود ضغط علينا وما إلى ذلك. عمرو بن سهيل بعد عناء مع المسلمين يأتي ويكتب كتاباً: "بسم الله الرحمن الرحيم"، والذي يكتبه سيدنا علي، فقال: "ما الرحمن الرحيم قل بسمك اللهم فيقول رسول الله احذف يا علي واكتب بسمك اللهم. هذا يعلمنا أن الشكليات يمكن أن نتهاون
فيها على طاولة المفاوضات. طاولة المفاوضات يمكن أن نتعامل مع هذه القضايا. حسناً، أعطني لقد تركت لك قضية. هذا ما عهد عليه محمد بن عبد رسول الله. قال لو... علِمنا أنكَ رسولُ اللهِ لاتَّبَعناكَ. قالَ لهُ: "امسَحْ يا عليُّ واكتبْ: هذا ما على محمدِ بنِ عبدِ اللهِ". سُهَيلُ بنُ عَمرو للمرَّةِ الثانيةِ: "أنِ امحِ، امحِ". قالَ رسولُ اللهِ، فقالَ عليٌّ: "واللهِ لا أمحوها أبداً، واللهِ لا أمحوها أبداً". يَبقى إذاً تعلَّمنا مِنها درساً ثانياً وهو تقديمُ الأدبِ على... شيءٌ من الاتباع جميل، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحاها واستغلها أيضاً في إيقاع الرعب في قلب سهيل بن عمرو، نعم هو، وأزال هذه العملية وكتب محمد بن
عبد، أو جعل علياً يكتب محمد بن عبد الله لأنه لم يكن يكتب. وأحدهم يقول لي: كيف يعرف؟ هذه هي (رسول الله) فأينما كانت مكتوبة على خاتمه، فمعرفته لشكلها هذا ليس معناه أنه قارئ، بل هو يعرف هذا الشكل. ثانياً، أن آخر كلمة هي آخر كلمة الكتاب، وكان فطناً، والأنبياء لديهم فطنة وذكاء، فهذا لا يدل على ما ذهب إليه بعض الناس من أنه... كان يعلم القراءة والكتابة أو أنه تعلم القراءة والكتابة أبداً. هو لم يتعلم لا القراءة ولا الكتابة لأن الأمية في حقه معجزة عليه الصلاة والسلام. الحاصل أنه بعدما كتبوا الكتاب وأن إذا أحد من المشركين جاءنا مسلماً نرده إليهم، وإذا أحد من المسلمين لحق بالمشركين وارتد نتركه لهم احتفظ بشره. ذهب، وماذا سنفعل به؟ جاء أبو جندل ابن سهيل بن عمرو مسلماً فقال
له: "يا محمد"، فقال له: "مهلاً، نحن لم نوقّع بعد". إنه يفاوض حتى آخر لحظة، نعم. قال له: "والله لن أنساها لك يا محمد أبداً، يجب أن تعطيني الولد طبقاً للاتفاقية". فمضى الأمر، وهنا نتعلم أن... قد أضحي بشيء من المصالح الخاصة في سبيل المصلحة العامة، نعم، والمصلحة العامة مقدمة على المصالح الشخصية. اذهب يا أبا جندل، معك الله. أنت بهذا سلمت مسلماً لكافر؟ نعم، سلمت مسلماً لكافر لأعلمكم، كيف تتفاوضون، كيف تقيّمون المصالح، كيف تقدمونها وترتبونها لكي نحقق في النهاية هدف الأمة. وهذا يغيب عن كثير جداً من الناس حيث
تعيش في جزئية وتقوقع نفسها فيها ولا ترى إطلاقاً ما المآل لهذا الفعل وما الذي يمكن أن نحصّله من منافع، ولا قضية توزيع الأدوار، ليس لدينا الآن توزيع أدوار في حين أن توزيع الأدوار من أهم الدروس المستفادة من الحديبية على فكرة. أبو جندل ذهب مع أبيه فهرب منه والتحق بأبي بصير في جدة، التي نسميها جدة الآن، جدة البحر أي شاطئ البحر. وجلس أبو بصير وجماعته ومنهم أبو جندل يغيرون على قوافل قريش ويخيفونهم حتى ذهبوا إلى النبي وقالوا له: "الله يحفظك، خذ هؤلاء الأولاد إليك، نحن لا" نريدهم نحن لا نريدهم، الله، فأصبح كلام
النبي هذا ينظر إلى المستقبل وإلى المآلات وإلى الأهداف والاستراتيجيات ولا ينظر إلى ما تحت قدميه فقط. بشرى لنا أن يكون لنا هذا النبي الذكي الفطن الذي يعلمنا كيف نعيش الحياة وكيف نتعامل مع العدو ومع الصديق، ويتفقوا اتفاقاً هو أصبح أساساً. الحديبية وهدفها، نعم، ما هو؟ الله، قصة الحديبية هذه كلها لماذا؟ هل كان فعلاً يريد أن يذهب ليعتمر هكذا؟ ولو كان يريد أن يعتمر كان سيدخل بالقوة أو شيء من هذا القبيل، أم ما الحكاية؟ قال لك: لا، هذا لإخبار المشركين واتفاقهم، وخيبر فيها اليهود، خيبر شمال المدينة بمسافة مائة وهذه جنوب
المدينة بمقدار ثلاثمائة وخمسين كيلومتراً. اتفقوا أنهم سيزحفون على المدينة، هذا من الشمال وهذا من الجنوب، ويطبقون عليها ويكسرونها. يسمونها كماشة، فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يفك الكماشة، فنزل لكي يؤدي هذه العمرة، فيجعل المشركين يعترضون ولا يسمحون له بدخول العمرة، ويعملون هذه منعُ المشركين من حرب المدينة، نعم، يبقى أنه فَكَّها لمدة عشر سنوات تقريباً. الكماشة من الأسفل، نعم فكَّها من الأسفل، في سبيل أن قبيلة غطفان وغيرها ممن هم تابعون لنا لا نقترب منهم، وأنتم الذين تتبعونكم مثل فلان وفلان لا نقترب منهم، ونعقد هدنة. جميل، وما فائدة هذه الهدنة؟ فكُّ صحيح أن الله قد حسم الأمر. هم متصورون من جانبهم
أننا قد ربحنا. فالذي يأتي من المسلمين إلينا مرتداً نحتفظ به، والذي يأتي من عندنا إليهم يُرجعونه لنا. ويأتي في السنة القادمة ليؤدي العمرة، فالعمرة لا تفيد ولا تضر، يعني أمور لا تفيد ولا تضر، لكننا خدعناهم بها كما يقولون، لم نضحك على أحد، هم الذين ضحكوا على أنفسهم، هم الذين ضحكوا على أنفسهم. لكن الفطنة التي يتمتع بها المفاوض المسلم، والتي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحقيقة أنها بينت أن العقل المنير الذي ينظر إلى الأمور بطريقة استراتيجية وبطريقة أهداف وبطريقة تخطيط وبطريقة تنظيم وبطريقة متابعة العقل الضيق الذي يعيش في ذاته ولا يرى أسفل قدميه ولا يرى إلا الكبرياء والتفاخر، اِبقَ كما أنت هكذا في تباهيك وكذبك، وفي كل حين تلف الحبل
البعيد حول رقبتك حتى تخنق نفسك. ولذلك فك رسول الله الكماشة من الأسفل، وبعد ذلك سنتحدث عن كيفية الفك. الذي فوق الذي فوق في بعد الحديبية، نعم على في خيبر وكيف أدت الحديبية فيما بعد إلى فتح مكة. جميل، هذه سنجعلها في الحلقة القادمة إن شاء الله. فانتهى بذلك الكماشة، نعم وحققت الحديبية بدروسها التي لا تتناهى. إننا هنا اختصرنا الكلام اختصاراً، أي الحديبية هذه نقطة يؤلف فيها. مجلدات جميلة عن الدروس المستفادة من الحديبية. من الحديث نستكمل الحوار مع فضيلتكم إن شاء الله في الحلقة القادمة. إلى ذلك الحين نستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.