طريقنا إلى الله | حـ 10 | الفكر | أ.د علي جمعة

طريقنا إلى الله | حـ 10 | الفكر | أ.د علي جمعة - تصوف, طريقنا إلى الله
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. في طريقنا إلى الله عرفنا قضية الذكر بالتفصيل وأشرنا إلى الفكر، والفكر قد يكون تدبراً في كون الله المنظور فيما خلق الله من حولنا في السماوات والأرض، ولو تأملنا في هذا العالم لتوصلنا إلى... حقيقة توحيد الله سبحانه وتعالى وأن هذا العالم بهذا الإتقان لا يمكن أن يكون نتيجة قوانين عشوائية لا رابط لها، بل لا بد من أن حكيماً وراء هذه الصناعة. أحد
الملحدين كنت أناقشه فقال لي: "أريد أن أعرف الحكمة من وراء ما يلي: كنا في مستنقعات الأمازون وكنا نعمل..." بحثاً عن الخلايا الأميبية وحيدة الخلية، الخلايا البسيطة، فنأخذ عينة من المستنقع في الصباح ونراها تحت المجهر ونسجلها في الحاسب، ثم إذا ما جنّ الليل أخذنا عينة أخرى، فإذا بكل الأنواع التي قد تصل إلى عشرة آلاف نوع قد ذهبت
وجاءت عشرة آلاف نوع مرة أخرى في مستنقعات لا يعيش أحد فهل قلت لي ما الحكمة من خالقكم هذا أن يخلق عشرة آلاف نوع ثم يُعدمها ثم يخلق غير عشرة آلاف نوع ما بين الليل والنهار لمدة خمسة عشر يوماً ونحن نرى هذه الظاهرة فإن الحقيقة حدثت لي هزة في جسدي وقلت له سبحان الله كل يوم هو في شأن ما زال خالقًا يعني هو يخلق بطريقة لا يمكن معها أن أفكر في مشاركته في شيء، هو واحد أحد فرد صمد. هذا أنت تعتقد أنه لا
منفعة لك فيه، ولكن هذا يدل المؤمنين على قدرة الله التي لا تتناهى وعلى قوة الله التي تجعلنا نحبه ونخاف منه ونطمع في... رضاه ونخاف من عقابه أو من غضبه، فقال: "أنتم معاشر المؤمنين لكم حجة في كل شيء" ولم يستطع الرد. كان الرد غريباً عليه، هو يريد أن هذه العشرة آلاف نوع من الأميبا يستفيد هو منها، فإن لم يستفد منها فلا يكون حكيماً سبحانه وتعالى. وحاول الفيزيائيون الملحدون أن يثبتوا عشوائية فلم يستطيعوا، وكل
نظام اتهموه بالعشوائية توصلوا فيه إلى الضابط والرابط من ورائه، فسبحان الله، نحن نؤمن بالله من تدبر الأكوان أيضاً، ويزداد يقيننا بالله لحظياً وليس يومياً، لحظياً، كل لحظة نزداد يقيناً بالله لأننا نراه خلف كل هذه المظاهر العجيبة الغريبة التي لا تتناهى. هذا القمر لو اقترب قليلاً... إلى الأرض لهلكت الدنيا من المد والجزر في البحار، هذه الشمس لو قربت قليلاً من الأرض لهلك أهل الأرض من الحرارة، ولو بعدت لتجمدوا بالثلج إلى
يوم الدين. سبحان الله، تفكروا في كون الله، وتفكروا أيضاً في كتاب الله المسطور، وتدبروا القرآن، وتفكروا أيضاً كنوع من أنواع التصوف في الإنسان. فالإنسان محراب الإيمان، لأن المتدبر في نفسه يصل إلى ربه. مما يوصلنا إلى الله سبحانه وتعالى في النفس الدعاء. من الذي يستجيب لنا كل هذه الاستجابة؟ وما هذا الفضل العميم؟ بعض الناس أغلق باب الحق وفتح باب الخلق ودخل في مشكلات لا حل لها، ولذلك تراه مضطرباً تعيساً متشككاً متردداً. طريقنا
إلى الله يُخرجه من كل هذا، يجعله متوكلاً محسناً في توكله، مسلماً راضياً عن ربه. وحينئذٍ فإنه سيكون مرضياً عنه، مرضياً عنه في حياته ويوم القيامة. الله سبحانه وتعالى سينقله من دائرة غضبه إلى دائرة رضاه. الله سيوفقه، وقناعته ستشعره بالسعادة حتى لو لم يكن معه شيء، قناعته ستشعره. بالسعادة حتى مع فقره، هذا الطريق إلى الله سيؤدي إلى سعادة الإنسان، سيؤدي
إلى خير الإنسان، سيؤدي إلى هدوء بال هذا الإنسان. فاللهم يا ربنا أصلح حالنا وهدئ بالنا واجمعنا على الخير وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وتقبل منا وانقلنا من دائرة غضبك إلى دائرة رضاك، إنك على كل ذلك قدير وبالإجابة جدير، ربنا إننا نحبك ونحب نبيك ونحب من أحبك، فاغفر لنا ذنوبنا واستر عيوبنا ويسر غيوبنا، وأجمعنا على الخير في الدنيا والآخرة، ووفقنا إلى ما تحب وترضى، واجعلنا حيث ما ترضى يا أرحم الراحمين، واهدنا واهد بنا وهدئ بالنا وأصلح حالنا، يا رب صلِّ على المصطفى صلى. الله عليه وسلم سيدنا النبي
محمد وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه الأبرار إلى يوم الدين. إلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.