طريقنا إلى الله | حـ 14 | النفوس السبعة واللطائف الخمس جـ1 | أ.د علي جمعة

طريقنا إلى الله | حـ 14 | النفوس السبعة واللطائف الخمس جـ1 | أ.د علي جمعة - تصوف, طريقنا إلى الله
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. في طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى رأيناه مقيداً بالكتاب والسنة، مكوناً من الذكر والفكر، مكوناً من التخلية من كل قبيح والتحلية بكل صحيح، يحدث من هذا التجلي. وهذا التجلي إنما يكون بالإشراقات التي لا... نلتفت إليها لأن الملتفت لا يصل، وهذه الإشراقات منها المنامات والرؤى، ومنها الإشارات، ومنها الكشف الذي ينكشف للإنسان حقائق سواء كانت حقائق كونية أو ينكشف له الأدب في الطريق إلى الله وفي تعامله،
ومنها أيضاً الأنوار. وعرفنا أن الأنوار منها ما يكون أنواراً في الملك أو في الملكوت، والملك كل يدركه الإنسان بحسه، والملكوت ما وراء ذلك، فهناك عالم الغيب وهناك عالم الشهادة. الملكوت من عالم الغيب والملك من عالم الشهادة. وعرفنا أن هذه الأنوار لها درجات تتلقى في الإنسان، أدركناها من الكون الموجود وليست مخالفة للكتاب المسطور والوحي الذي نزل من عنده تعالى، كما أننا وجدناها في أنفسنا ومن... أجل، هذا كلام
عن لطائف خمسة. هذه اللطائف الخمسة هي: لطيفة القلب، وفوقها الروح، وفوقها السر، وفوقها الخفي، وفوقها الأخفى. خمس لطائف في عالم الملك، لكل لطيفة من هذه اللطائف درجة، ولكل لطيفة من هذه اللطائف نور، ولكل لطيفة من هذه اللطائف ذكر، ولكل لطيفة من هذه اللطائف عالم بعض. هذه اللطائف كانت موجودة في الأديان السابقة عندما كان العباد يعبدون الله سبحانه وتعالى أدركوا بعضها، ولكن عندما دخلوا الإسلام أو عندما عرف المسلمون هذه العلوم جربوها على مقتضى الكتاب والسنة، يعني
نظموها وانتقوا منها ما يوافق الكتاب والسنة حتى يكون طريقنا إلى الله موافقاً ومقيداً ومشروطاً بالكتاب والسنة بذلوا. مجهوداً كبيراً بذل أهل الله ووجدوا لغتهم كلغة واحدة، كما يقول الإمام السيوطي في تأييد الحقيقة العالية في الطريقة الشاذلية أن أحدهم يكون في مكان كالمغرب والآخر يكون في مكان آخر كالهند وهما يتكلمان بتجربة واحدة، فيدل ذلك على صدق هذه التجربة. أحدهم يكون في القرن الأول والثاني يكون في العاشر فيتكلمون بكلام يشبه بعضه بعضاً ويتوائم بعضه مع بعض، ولذلك نعلم أن هذا حقيقة لأن الذي يكون
كذلك إنما هو وصف الوجود الواقع، وما دامت اتحدت الكلمات والرؤى والوصف فلا يدل ذلك إلا على أن الحقيقة واحدة، إذاً فهناك لطائف خمسة في الملك ولطائف هذه الخمسة متعلقة بالملكوت، فاللطائف خمسة في الملك وخمسة في الملكوت وهذه درجات عشر تمثل الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، وقد قُسِّم الطريق إلى الله إلى مراحل، وكل مرحلة منها مُقسَّمة أيضاً إلى أجزاء، وينتقل الإنسان من جزء إلى آخر بواسطة التربية وبواسطة الذكر وبواسطة
التأمل وبواسطة التفكر والتدبر وبواسطة العبادة والطاعة شيئاً. فشيئاً يصل الإنسان ويترقى ويجد في نفسه هذه اللطائف، هذه الخمسة جعلتهم يبحثون في أمر آخر متعلق بها، أمر يتعلق بالنفوس. النفس هذه الإنسانية، تأملوا الكتاب والسنة وتأملوا حال الإنسان بدقة فوجدوا أن الإنسان مكون من جسد وأن هذا الجسد تحل فيه روح وأن هناك نفساً منفوسة إنسانية تقع في هذا
الجسد وهذه الروح فشبَّهوها كأنها إناء بداخل إناء، وداخل الإناءين هناك النفس، وهذه النفس هي النفس الناطقة المكلَّفة التي ينزلها الله سبحانه وتعالى في الجنين بعد مائة وعشرين يوماً، بالرغم من أن الحياة تدب في الجنين منذ أن كان في صلب أبيه أو في ترائب أمه، ولكن عندما التقى البذرة الأولى للجنين حلت فيها الروح وليست النفس، تنمو هذا الجسد وينمو ويتحرك ونشعر له نبضًا ويأخذ شكلًا ويبدأ يتشكل بعد أربعين أو اثنين وأربعين يومًا إلى أن تنزل
النفس التي ستُحاسب عندما تستوفي شروطها، من البلوغ ومن العلم ومن الإدراك السليم، تنزل في الشهر الرابع كما أخبر الرسول. الله صلى الله عليه وآله وسلم ويصير الإنسان قد تكوّن من ثلاثة أشياء: الجسد، وبداخله الروح، وبداخل الروح النفس. هو الذي يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها. إذاً، فأنا عندما أنام كأن النفس ترتفع ويبقى الجسد حياً بروحه، ولكن النفس تصبح لها إدراكات أخرى قد ترى بها. الرؤى فتكون هناك رؤية من الله وتكون هناك رؤية أو
منام من الشيطان أو نفس الإنسان التي تحدث نفسها فيكون من قبيل حديث النفس. فهناك رؤية رحمانية أو إلهية فيها بشرى وفيها توجيه، أو رؤية نفسية أو شيطانية. وكذلك تكون الخواطر التي تخطر على بال الإنسان وهي من الإشراقات وكذلك الواردات التي تحدث عند ابتلاء الإنسان بالذكر فقد تكون ملكية وقد تكون شيطانية وقد تكون رحمانية وقد تكون أيضاً نفسانية، وكل هذا يدركه الشيوخ بعلامات في كل ذلك ليرشدوا به خلق الله إلى الله، حتى تخلص النية لله ويسير الإنسان في طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى مرحلة
وجزءاً جزءاً. حتى يصل فإن المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى. هذه الهياكل أو الرسوم إنما جاءت من مصدري المعرفة: مصدر يتعلق بالكتاب المنظور أو المقدور، ومصدر يتعلق بالكتاب المسطور بالوحي الشريف. عندنا هنا لطائف خمسة: القلب والروح والسر والخفي والأخفى، ومثلهم في عالم الملكوت يصير اللطائف عشرة، وهناك نفوس ومراتب. للنفوس مراتب: هناك نفسٌ أمارةٌ بالسوء "إن النفس لأمارة
بالسوء"، وهناك نفسٌ لوامة تلوم صاحبها، وهناك نفسٌ ملهمة، وهناك نفسٌ مطمئنة، وهناك نفسٌ راضية مرضية "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية"، ثم هناك نفسٌ كاملة. ما علاقة هذه اللطائف الخمس بتلك النفوس السبع؟ ما علاقة كل ذلك والفكر، ما علاقة كل ذلك بالتخلية والتحلية؟ ما علاقة كل ذلك بالأنوار وكشف الأستار؟ كل ذلك معاً نعالجه ونتكلم فيه على مراد أهل الله. فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أستودعكم الله.