طريقنا إلى الله | حـ 15 | النفوس السبعة واللطائف الخمس جـ2 | أ.د علي جمعة

طريقنا إلى الله | حـ 15 | النفوس السبعة واللطائف الخمس جـ2 | أ.د علي جمعة - تصوف, طريقنا إلى الله
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاها. في طريقنا إلى الله وصلنا إلى معرفة النفوس السبع وإلى معرفة اللطائف الخمس التي في عالم المُلك، وعرفنا مما ذكرنا أن هذا يمثل منظومة متكاملة. هذه النفوس السبع وتعلقاتها باللطائف الخمس كالآتي: النفس الأمارة... بالسوء نفس تأمر صاحبها بالمعصية بالمخالفة بالمعاندة، فهي أمارة بالسوء، "إن النفس لأمارة بالسوء". وهذه التي يُسمُّونها النفس الناطقة، يعني النفس الخَلْقية التي خلقها الله سبحانه وتعالى وأنزلها في الإنسان. لكن هذه النفس
بعد ذلك علمها الله الخير والشر، ليست صفحة بيضاء، ولكن أقام فيها فطرة تدعو إلى الخير وتميل. إليه وتبعد عن عدم الخير الذي يسمى بالشر هذه الأمارة حتى نذكر من أجل أن تزول وأن تهدأ، أوجدوا لها لا إله إلا الله، لا إله إلا الله كلمة فيها نفي وإثبات وكأنها تخرج الناس من مكان إلى مكان، من الظلمات إلى النور، لا إله إلا الله تنفي وجود الإلهية ثم يثبتها لله وحده لا شريك له بكثرة ذكر لا إله إلا الله تلين هذه
النفس الأمارة وتخرج من أمرها في الزمن الماضي بالتجربة وليس هذا في حديث أو في قرآن إنما بالتجربة من الوجود الذي هو مصدر من مصادر المعرفة كان إذا الإنسان ذكر سبعين ألف مرة لا إله إلا الله يشعر بأن نفسه قد خرجت من نطاق النفس الأمارة ودخلت في نطاق النفس الأولى، وهذه خطوة جيدة وترقٍ للنفس بعد ذلك. وفي أوائل القرن العشرين شعر المشايخ أنه بذكر السبعين ألف لا يصل الإنسان إلى مراده ولا إلى انتقاله
من النفس الأمارة التي لها ملامحها والتي أهم ملامحها الدعوة إلى المعصية إلى النفس اللوامة التي يتردد فيها الإنسان بين الخير والشر، بين الطاعة والمخالفة. وجدوا أن يزيدوا في هذا، وكله ذكر لله، فزادوها من سبعين التي أتت من التجربة إلى مائة التي أتت أيضًا من التجربة، وأصبح السائر في طريق الله السالك المريد يذكر مائة ألف بدلاً. من سبعين ألف في الماضي، بعض أهل العلم وبعض المشايخ يقولون أن الزمن الماضي كان فيه بركة في الوقت، وفيه قلة في عالم الأشياء والأشخاص والأحوال
التي حولنا. اختلف الزمان والمكان، واختلفوا بالاتصالات والمواصلات والتقنيات الحديثة. الكهرباء والهاتف والإنترنت والراديو والتلفاز جعلت البرنامج اليومي للإنسان مختلفاً، كما أنها جعلت حتى الهواء مختلف لأن في هذا الهواء توجد موجات وتوجد أشعة وتوجد ترددات وتوجد أنواع من الوميض مختلفة تتمثل في هذا التيار الذي لو فتحنا راديو الآن لاستمعنا إلى مجموعة كبيرة من المحطات ومن الموجات أو فتحنا تلفزيوناً فإننا نرى فيه أكثر من ألفين من المحطات، كل
هذا موجود في السماء. التي حولنا فكأنها ولا نعرف كيف بالضبط لأنها لم تجر عليها تجارب عملية تتعلق بالوجود كيف يؤثر هذا في شغل بال الإنسان ولكن الإنسان أصبح أكثر ثقلاً في معرفة الأخبار والأحوال والناس والأشخاص اختلف عليه الزمان والمكان ولم يعد متفرغاً هذا التفرغ الذي تتخيله لو أنك في معزل عن الناس ليس هناك هاتف ولا تلفاز ولا مذياع ولا أي شيء من هذا الذي اخترعه الإنسان من ألف وثمان مئة وثلاثين إلى ألف وتسع مئة وثلاثين، ثم من ذلك الحين وإلى الآن اخترع الإنسان كيف يوفق بينها، فأصبح الهاتف مسجلاً وكاميرا
وفيديو وغير ذلك الكثير، وطريقة اتصال بالإنترنت ويأتي لك بالأخبار. التي لم تكن تعرفها من قبل ولم يكن أجدادك يعرفونها، فكان هناك ما يسمى بالبركة في الوقت، ما يسمى بأن هناك شيئاً مختلفاً في انشغال الإنسان بالشهوات كثيراً، إذاً فحتى المائة ألف قد يكون هناك حاجة لتغييرها كما غيّرها المشايخ الأوائل من سبعين إلى مائة، وهذا التغيير يأتي. في التكرار فبعدما تنتهي من الأسماء الأصول والأسماء الفروع وأسماء الله الحسنى ولفظ الجلالة،
يمكن أن تعيد مرةً ثانيةً من أجل تحقيق الانتقال من النفس الأمارة بالسوء إلى ما بعدها. إذاً، فالنفس الأمارة بالسوء محلها القلب وهي اللطيفة الأولى، وذكرها "لا إله إلا الله" وهو الاسم الأول في مجال. الأصول بعد ذلك تأتي النفس اللوامة وهي لها ارتباط بالقلب ولكنها على مشارف الروح، فبين النفس الأمارة والنفس اللوامة يقع القلب، وبين النفس اللوامة والملهمة تقع الروح، وبين النفس الملهمة والمطمئنة يقع السر، وما بين المطمئنة والراضية والمرضية يقع الخفي،
وما بينها وبين الكاملة يقع الأخفى، فكأن هذه الخمسة. قد تخللت هذه السبعة فيما بينها في المسافات البينية مع أن الراضية المرضية وهي كمرحلة واحدة لها قسمان تعد واحدة فتخللت هذه اللطائف الخمس في نفوس السبعة، وعرفنا أنه لا إله إلا الله، الله هو حي قيوم حق قهار، وأن الطرق تختلف في هذا الترتيب وفي ترتيب الفروع. أيضاً طبقاً لرؤى معينة ومداخل معينة وتجارب معينة كثيرة، ومن هنا يأتي اختلاف الطرق. فاختلاف الطرق هو اختلاف تنوع
وليس اختلاف تضاد وتناحر فيما بينها، بل إن طريق الله واحد. كما ذكرنا، مراتب النفس سبعة، واللطائف خمسة، والأسماء الأصول سبعة، ونريد دائماً أن ننتقل من نفس إلى نفس تلك النفس. النفس الأمارة بالسوء يعلوها نفس لوامة تلوم صاحبها، ويعلو هذه النفس اللوامة نفس ملهمة تريد أن تعلو بروحها. هناك أيضًا النفس المطمئنة، وهذه تتنزل عليها السكينة ويتنزل عليها الرحمات، ويتعلق فؤاد الإنسان حينئذ
بقضية الاطمئنان والرضا عن الله سبحانه وتعالى. ثم بعد ذلك تتوالى هذه المنظومة في العمل ومؤداها الذكر والفكر والتخلية. وللتحليق إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.