طريقنا إلى الله | حـ 16 | مفهوم البدعة جـ 1 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. في طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى عرفنا أنه مقيد بالكتاب والسنة، وأن أهل الله لا يخرجون عن هذا أبداً، ولا يمكن حتى أن يأخذوا من الوجود ما يخالف الكتاب والسنة، بل لا بد أن يكون في درجة المباح مما أباحه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا المعنى فإنهم قد تكلموا عن مفهوم البدعة، وهو ما عليه جماهير العلماء سلفاً وخلفاً، شرقاً وغرباً من جميع المذاهب الإسلامية أهل القبلة، وهو أن هذا الإسلام صالح لكل زمان ومكان، ولذلك
فهناك فرق بين مفهوم البدعة التي تعود على أصل من أصول الشريعة بالبطلان، وبين مفهوم السنة الحسنة التي يؤجر عليها صاحبها وله أجرها وأجر من اتبعها إلى يوم الدين، فهناك فارق كبير في مفهوم البدعة ومفهوم السنة الحسنة. البدعة هي سنة سيئة، طريقة سيئة، يأتي أحدهم ويريد أن يخترع في الدين فيعود على الدين. بالبطلان ويقول إذا كان اللبن أغلى من الماء فعلينا أن نتوضأ باللبن تعظيماً لشأن الله تعالى. هكذا
هو مبتدع يحكم على مفهوم الوضوء بالبطلان الذي هو أباحه الله لنا وأمرنا به شرطاً من شروط صحة الصلاة بالماء الذي كثُر وجوده في البئر وفي العين وفي النهر وفي البحر ومن. السماء ومن الأرض في صورة المطر والبرد وفي صورة المياه الجوفية وهكذا، ولذلك الأمر بهذا وإن كان قد غُلِّف بكلام حسن إلا أنه يكر على الشريعة بالبطلان فيكون بدعة. البدعة منها مخالفة الإجماع، فقد أجمعت الأمة على أن الخمر حرام، فيأتي أحدهم ويحاول أن يشكك في ذلك التحريم فيكون
قد خالف جماعة المؤمنين وسبيل المؤمنين لا نلتفت إليه ولا نطيعه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل مسكر حرام ولذلك فالخمر حرام وهو من هوية الإسلام تحريم الخمر تحريم الخنزير وجوب الصلاة وجوب الحجاب على المرأة المسلمة كل هذا هو من شريعة الإسلام أو أحدهم يقول مثلاً أن ويستهين بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأنها ليست فرضاً ولا سنة، هذا الكلام نتجاوزه ولا نقف عنده لأنه ثبت في الحديث وهناك أمر من عند الله سبحانه وتعالى، والأمر للوجوب ما
لم تصرفه قرينة تدل على غير ذلك، أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر بها الله ووضع لها ثواباً، والحمد لله رب العالمين. إن الله وملائكته يصلون على النبي، يعني الملأ الأعلى يصلي على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً. فاللهم صلِّ وسلِّم وبارك وكرِّم وأكرم سيدنا النبي، وجازه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، صلى الله عليه وآله. وسلِّم تسليماً كثيراً. البدعة ولكن السنة الحسنة لم يفعلها النبي لكن الناس فعلوها طبقاً لعموم الشريعة. وهذا الكلام قاله سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم عندما
كان هناك فقير دخل المسجد عليه أطمار وملابس رثة كما يقول المصريون، يعني ثياب ممزقة، فتأثر النبي بمنظر الرجل وأنه وصلت به الفاقة. والحاجة إلى هذه الدرجة التي لا يستطيع معها أن يرتدي ثوباً سليماً نظيفاً، وفي الرواية أنه تغير وجهه غضباً من هذه الحالة. كيف يُترك هذا بيننا؟ لدينا ما يسمى بالرقابة المجتمعية، والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم. عندنا هنا رقابة مجتمعية متصلة بالعقيدة.
لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. لا يزال جبريل يوصيني على الجار حتى ظننت أنه سيورثه. ليس منا من غشنا فليس منا. وهكذا رقابة مجتمعية بعضنا يأمر بعضاً بالمعروف وينهاه عن المنكر وينصحه بالنصيحة السليمة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام واعظاً أن يعطي الناس. هذا الفقير شيئاً يتقوت به ويستر به جسده، فأتى رجل بصرتين ثقيلتين يعجز عن حملهما، يعني غير قادر على حملهما، ووضعهما بين يدي الرجل،
ففرح النبي وتبسم وقال: "من سن سنة حسنة في الإسلام فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم الدين". قام الصحابة وتكاثروا وكل شخص أعطاه فضل عنده اقتداء بهذا الذي أعطى كثيراً. سيدنا عثمان جهّز جيش العسرة فقال: "ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم"، فلم يفعل إلا خيراً حتى استشهد ومات وهو يقرأ المصحف الشريف، وهو ابن أكثر من ثمانين عاماً. رضي الله تعالى عنه وعنهم أجمعين. إذاً فالصدقة جعلت هذا يفعلها، فهذه السنة الحسنة. كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج
يلبي بتلبية معروفة "لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك". فكان الناس يلبون بتلبيات أخرى فيها تعظيم لله وذكر لله: "لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والرغباء إليك، والشر ليس إليك، لبيك". اللهم لبيك، فيتركهم بالرغم من أنه لم يفعلها، وكان أحدهم يقول: "لبيك حقاً لبيك تعبداً ورِقّاً"، فيتركه ما لم يقل شركاً، فيعلمه وينهاه عن الشرك. لكن لما كان من الدين كان أمراً مستحسناً حتى لو لم يفعله النبي، فبعضهم يقول: ولكن في هذه
الأمثلة النبي صلى الله عليه وسلم هذا إذاً، فمن هنا جاءت المشروعية. أبداً، النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي، ثم إنه في الصلاة وجد الملائكة تتكاثر أمامه. هو يراهم، لا أحد يراهم. ثم إنهم يأخذون شيئاً قاله أحد المصلين لا يعرفه النبي ولا أعرف ماذا قال، ولم يستأذن هذا الرجل رسول الله فيما يقول وجد. بضعة وثلاثون ملكاً يتسابقون على هذا الذي قاله أيُّهم يصعد بها إلى السماء، فالملائكة الكرام بالتأكيد أنهم يعرفون معنى البدعة، وهذه ليست ببدعة، وهم لا يعرفون أن رسول
الله سيقرها أو لا يقرها، لكنهم لما رأوها جميلة فيها توحيد وهي مندرجة تحت الشريعة، عدّوها من السنة الحسنة، فأخذوها ورفعوها وإليه بعد أن صعد الطيب بها، التفت رسول الله بعد الصلاة وقال: "من الذي قال حين الرفع من الركوع ما قال؟" فخاف الرجل فسكت، فقال: "من؟ فلم يقل إلا خيراً"، فقال: "أنا يا رسول الله"، قال: "ماذا قلت؟" كل هذا يبين لك معنى البدعة، قال: "قلت ربنا لك الحمد حمداً كثيراً". طيباً طاهراً مباركاً فيه ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شيء. قال: رأيت بضعاً وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يصعد بها إلى السماء. فاللهم صلِّ وسلم على سيدنا النبي. فهناك فرق كبير بين البدعة وبين السنة الحسنة.
إلى اللقاء. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.