طريقنا إلى الله | حـ 17 | مفهوم البدعة جـ 2 | أ.د علي جمعة

طريقنا إلى الله | حـ 17 | مفهوم البدعة جـ 2 | أ.د علي جمعة - تصوف, طريقنا إلى الله
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. في طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى عرفنا معنى البدعة ومعنى السنة الحسنة. البدعة يقول فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد عليه. لم يقل رسول الله: "من أحدث في أمرنا هذا شيئاً فليس منه"، بل قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه". أي أن هذه البدعة تأتي مخالفة لأصول الشريعة، تأتي من أجل أن تكر على الشريعة
بالإبطال. أما... إذا أتت السنة الحسنة بناءً على الشريعة ومنها وكان الرسول لم يفعلها فهذا جائز لا شيء فيه. من ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يعلمنا هذا لم يصلِّ الضحى وهو الذي أرشدنا إليها وأوضح أنها تبني لنا بيتاً في الجنة وأوصى بها إلا أنه لم يثبت أنه. صلاها حتى الذي صلاها في بيت مهانئ في مكة كان ما يُسمى بركعتي الفتح، أن الله فتح عليه وأوفى وعده معه، ولكن هيا بنا نرى بلالاً رضي الله تعالى عنه وأرضاه، في
مرة رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام، فلما رآه في المنام رآه قبله في الجنة. وسمعت خشخشة نعليه - صوت نعليه - سمعه في الجنة. الرؤيا تقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكانته العالية وقدره الرفيع رأى بلالاً أحد الأتباع المؤذنين رآه في الجنة قبله ويسمع خشخشة نعليه. فلما استيقظ أتى ببلال وقال: "يا بلال، رأيتك الليلة وسمعت خشخشة نعليك قبلي في الجنة، إلى هذه المرتبة، هذه مرتبة عالية، قال: "والله لا أدري يا
رسول الله، أنا لا أعرف ما هذا، ولكن كلما توضأت صليت ركعتين". يعني كان بلال سنَّ سنة حسنة في الإسلام وهي ركعتين بعد الوضوء. رسول الله يرى بلالاً في الجنة قبله، قبل أن يعلم ما الذي صنع بلال يعني. ليس هناك من أجل رفع الأعمال الصالحة وجوب ولزوم لمعرفة رسول الله إياها وإقرارها، لماذا؟ لأنها من الشريعة. السؤال: هل الوضوء مما علمنا الله أو مما اخترعناه من أنفسنا؟ بل مما علمه الله. هل
الصلاة مما علمها الله أم مما اخترعناه من أنفسنا؟ بل مما علمه الله. هل الجمع بينهما؟ هل يكون في ذلك شيء يُذكر؟ نعم، إن الإكثار من العبادة مطلوب، "ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه". فالباب مفتوح، ويستطيع الإنسان أن يصلي مائة ركعة لأنه "لا يزال يتقرب إليَّ بالنوافل". لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، ولكن الطريق مفتوح لمن منَّ الله عليه بشيء. من التوفيق والهمّة العالية إذاً هذا معنى السنة الحسنة، هذا معنى البدعة. الوضوء هنا لكل ركعتين، كذلك لما
أرادوا أن يقتلوا خُبيباً فإنه صلى ركعتين، فسُمّيت ركعتين للقتل، الصبر للقتل الذي هو يعني القتل صبراً. معناه أنه يعلم أنه سيُقتل فقال: اتركوني أصلي ركعتين. لم يأمره رسول الله بهذا فصارت. سنة حسنة، كل هذه الأشياء تبين لنا معنى أن نكون مع الشريعة، ومن هنا فإنه لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير مخصوص في العيد. ذُكِر أن رسول الله دائماً يربط بين حركتنا وسكناتنا وبين الذكر، نحن في ذكر دائم، فكان يأتي يوم العيد وأمرنا بالتكبير وكانت. تسمع
تكبيرات الصحابة في الطرقات، وما التكبير؟ الله أكبر. فإذا قلنا: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، أكبر، الله أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله فهذا هو تكبير أيضاً. وكان من تكبيرات سلمان الفارسي: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. لا إله إلا الله، أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. هذا هو الوارد، لكن لم يرد عن رسول الله تكبير معين مخصوص. عندما دخل الإسلام مصر، وأهل مصر يحبون تحويل السنن
النبوية الشريفة إلى برنامج عمل، جمعوا لذلك التكبير ما يُدخل الفرحة في قلوب الناس: الأطفال والنساء والرجال. فصنعوا هذا التكبير الكبير: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً. لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، إلى آخر ما هنالك، ثم بعد ذلك بفترة أضافوا عليها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو قرة العين. هذا التصرف هل هو شرعي؟ نعم هو شرعي. لماذا؟ لأنه
من الإسلام. التسبيح من الإسلام، والتكبير من الإسلام، والدعاء من الإسلام، والصلاة على النبي من الإسلام. جعلوا هذا في تكبيرات العيد من الإسلام الاحتفال. بالعيد من الإسلام وظل المصريون يكبِّرون هذا التكبير الرائق الفائق الحلو، وكبَّر بذلك الحجاز والشام والسودان وسائر البلدان. جاء الشافعي سنة مائة ستة وتسعين إلى مصر، فسمع الناس يكبِّرون بتكبيرات لم تكن في العراق، فقال في الأم: "وإن كبَّر بما يكبِّر الناس عليه الآن". انتبه إلى كلمة "الآن" فهي حسنة. حسن الشافعي يفهم جيدًا أن الذكر
ليس مقيدًا، لأن الله تعالى أعطانا مائدة كبيرة، وإنما أمرنا بالذكر. فمن جعل لنفسه وردًا يوميًا من هذا الذكر، فله أجره وثوابه على الله. الشافعي يفهم أن هذا ليس من قبيل البدعة مطلقًا. الشافعي يفهم أن هذا من قبيل رسول وأن الرسول الله ترك لنا منهجًا، هذا المنهج هو أن الذكر على السعة، فمن أراد أن يجعل الذكر أو الدعاء على التقييد فقد خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتى لنا بشيء منكر. فالذي يقول لك هذا بدعة قد أتى بالمنكر، ولكنه يستطيع أن
يلتزم بما ورد عن رسول. الله صلى الله عليه وسلم تبركاً به وإعلاءً لشأن سيدنا النبي، لكن لا يحرم على الناس ولا يتكلم معهم بكلام يؤدي به إلى مخالفة منهج النبي صلى الله عليه وآله وسلم. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.