طريقنا إلى الله | حـ 21 | الخلوة في الجلوة | أ.د علي جمعة

طريقنا إلى الله | حـ 21 | الخلوة في الجلوة | أ.د علي جمعة - تصوف, طريقنا إلى الله
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. في طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى، وضع أهل الله من خلال الكتاب والسنة، ومن خلال التجربة مع الله بالكتاب والسنة، مصطلحات كثيرة في هذا المقام. فمن مصطلحاتهم: "الخلوة في الجلوة"، فالخلوة هي أن يبتعد. الإنسان بجسده عن الناس وعن مشاغل الدنيا وشواغلها، يملأ بطارية قلبه بما يمكنه من استمرار العبادة، ويروح قلبه بين ساعة وساعة،
ويجعل ساعة العبادة طاعة، ثم يتوصل بها إلى الاستمرار في الحياة والعمل بنشاط وهمة وعزيمة، فيها همة عالية وعزيمة صادقة، حتى قالوا خلوتهم في جلوتهم. والخلوة أن تبتعد عن... انفصل عن الناس واتح لنفسك فرصة للتفكر ولملء القلب بالهمة والعزيمة والرغبة
في أن تخدم الناس، وأنت في هذه الخلوة سترى أنك في أنس مع الله سبحانه وتعالى، وسترى الذكر والفكر يرد على قلبك عندما تذهب إلى الناس. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الأعمال سبحة الحديث". قالوا: يا رسول الله، قال القوم يتكلمون والرجل يسبح، فالناس تتكلم ولكن الرجل مع ربه يسبح، يذكر، يعيش تلك الأجواء، يعيش في هذه السعادة مع
الله سبحانه وتعالى. الخلوة والجلوة مصطلحات وُجدت حتى يسير الإنسان وينتقل من مرحلة إلى مرحلة، وهنا تجدر الإشارة إلى مراحل الطريق، وهذا ما ألَّف فيه الإمام. الهروي كتابه ممتع "منازل السائرين إلى رب العالمين بين إياك نعبد وإياك نستعين" وجعل الطريق إلى الله على عشرة مراحل، في كل مرحلة لها بدايتها ولها وسطها ولها نهايتها، في كل مرحلة لها صفاتها ولها مقتضياتها ولها
تربيتها، في كل مرحلة يخاطب درجات معينة مختلفة من الناس، يخاطب العوام ويخاطب. الخواص ويخاطب خواص الخواص، وسنرى فيما بعد ما معنى العوام، وما معنى الخواص، وما معنى خواص الخواص، لأن الناس ليسوا في عبادة الله حتى يروه على درجة واحدة. النبي يقول: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، فأصبح هناك أنواع من الخلق، نوع يعبد الله. كأنه يراه، وهذه المرتبة العليا، ونوع لا يستطيع أن يصل إلى هذا، لكنه يعرف أن الله يراه،
وهذا أقوى من هذا، فإن لم تكن تراه فهو يراك. هناك نوع من المقربين من السابقين أولئك المقربون، وهناك نوع من أصحاب اليمين، ثلة من الأولين وثلة من الآخرين، فهناك درجات هم. درجاتٌ عند ربهم. لما قسّم الطريق إلى الله إلى عشر مراحل، جعل المرحلة الأولى هي اليقظة. إذاً، فأنا في بداية الطريق لا بد علي أن أتيقظ. كلمة "يقظ" تُستعمل فيمن قام من النوم، إذاً فالناس كأنها نيام. فإذا عرفتُ معنى
"لا حول ولا قوة إلا بالله" تيقظتُ، وانكشفت لي الحقيقة. فهذه مرحلة اليقظة وهي المرحلة الأولى، المرحلة الثانية جعلها التوبة، وهكذا في مراحل متتالية من الإخلاص، من التوكل سنرى، ولكن جعلنا الآن في المرحلة الأولى التي هي اليقظة. ما معنى اليقظة؟ أن أعرف الحقيقة، وما حقيقة الإنسان؟ الإنسان حقيقته أنه مخلوق لخالق، إذاً هذا أجاب على سؤال كبير في الفلسفة. عند البشر جميعاً: من أين أتينا؟ عندنا
الإجابة: الله خلقنا. إذاً، فماذا نفعل في هذه الحياة؟ هل فقط نعيش بكدرها ونكدها ونُفاجأ بالموت؟ إذاً فهي لا تساوي شيئاً ولا معنى لها. لا، الله أراد منك ثلاثة: أراد منك عبادة الله، وأنزل لك تفاصيل هذه العبادة، فقال لك تشهد، وقال لك... تصلي وقال لك تصوم وقال لك تزكي وقال لك تحج وقال لك تذكر وتدعو وقال لك تبتعد عن المعاصي وحدد لك هذه المعاصي وتفعل الطاعات وأن الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها
لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن طريق الناس وأن الحياء شعبة من شعب الإيمان وأن الله يحب كذا وكذا وأن الله يكره كذا وكذا، كره الله لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال، عبادة وأيضاً أمرك بعمارة الأرض، هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها، يعني طلب منكم عمارها، نهانا عن الفساد، نهانا عن الظلم، نهانا عن العدوان، وأيضاً تزكية النفس، قد أفلح من زكاها وقد خاب. مَن دَسَّاها. إذا عَرَفْتَ هذا، عَرَفْتَ لِمَ أنتَ هنا، مِن أجلِ أن تكونَ مُكَلَّفاً فتُجيبُ عن الإجابةِ الثانية:
ماذا نفعلُ هنا الآن؟ أمَّا الإجابةُ الثالثة: ماذا سيكونُ غداً؟ فأخبَرَنا بيومِ القيامة، وأخبَرَنا بالجنة، وأخبَرَنا بالنار، وبالحساب، بالثواب، بالعقاب. فالكلامُ لهُ معنى، فكيف يكونُ ذلك؟ إلى لقاءٍ آخر، نستودعُكُم الله، والسلام. عليكم السلام ورحمة الله