طريقنا إلى الله | حـ 22 | اليقظة | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. في طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى رأينا أهل الله وهم يقسمونه إلى مراحل، أول هذه المراحل اليقظة. واليقظة معناها أن الإنسان يفكر في ماضيه وحاضره ومستقبله، ويسأل من أين أتينا، والإجابة حاضرة. في كتاب الله أن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقنا وأوجدنا. السؤال الثاني الذي شغل البشر وفلاسفتهم: ماذا نفعل هنا؟ الله خلقنا، لماذا؟
والإجابة أن الله خلقنا من أجل التكليف، خلقنا من أجل الاختبار والابتلاء. الدنيا مزرعة الآخرة. خلقنا سبحانه وتعالى من أجل عبادة الله. قال تعالى: "وما خلقت الجن". وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. خلقنا من أجل عمارة الأرض وعدم الفساد فيها، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. الظلم ظلمات يوم القيامة، إن الله يستجيب دعاء المظلوم ولو كان كافراً. إذاً فالله خلقنا من أجل العبادة، ومن خلال هذه العبادة نعمر
الأرض ونحسنها ويكون لنا الثواب حتى أجراً على البهائم. تحدث رسول الله كثيراً عن هذا الرجل الذي دخل الجنة بسبب كلب وجده يلعق التراب وهو عطشان، فقال: لقد بلغ العطش من هذا ما بلغت إليه، فنزل وأتى له بماء من بئر، فغفر الله ذنوبه. أو تلك المرأة البغي في بني إسرائيل التي وجدت كلباً عطشاناً فسقته. فغفرَ لها له من الرقة التي كانت قلبها في المقابل، دخلت امرأةٌ النارَ في هرةٍ حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض. عمارةُ
الأرض، عمارةُ الأرض، حتى باحترام الفسيلة. إذا كانت فسيلةٌ في يد أحدكم وجاءته الساعة، فليغرسها احتراماً لتلك الفسيلة. عمارةُ الأرض، عمارةُ الأرض. في الحفاظ على ليس فقط النبات وليس فقط الحيوان، إنما المحافظة على بنيان الرب هذا الإنسان، فالإنسان بنيان الرب، ملعون من هدمه إذاً هذه هي الرحمة وهذا هو الحب وهذه هي العمارة. قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها، فالإنسان يجد في قلبه أنه
يحتاج إلى تزكية والتزكية ستتم. بقلة الطعام وقلة الكلام وقلة النوم وقلة المنام أزكي نفسي بالتربية وبالذكر وبالفكر وبتخلية القلب من الصفات القبيحة وبتحليته بالصفات الصحيحة. إذاً أمامي برنامج كبير في الإجابة على ماذا أفعل هنا: أن أطيع الله، أن أعبد الله حق عبادته كما أراد الله، أن أعمر الأرض، أن أزكي النفس. ماذا سيكون سنرحل. بعض الناس يظن أن الموت فناء ويتعامل معه على هذا الأساس. أبداً، الحياة الدنيا هي
الحياة الأقل. يبين لنا الله نسبية الزمان، تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. في الملأ الأعلى هو يوم، وهنا في الأرض تمر خمسون ألف سنة، كان مقداره خمسين ألف. سنة فالساعة في الملأ الأعلى على ذلك أكثر من ألفي سنة، فالدقيقة في الملأ الأعلى على ذلك تعني أكثر من ثلاثة وثلاثين سنة وثلث. يعني لو عشت في الأرض ثلاث دقائق، ثلاث دقائق، كأنني قد عشت مائة سنة من سنين الأرض. لو عشت في هذه الأرض مائة سنة تكون. قد مرت ثلاث دقائق في الملأ الأعلى، إذ إنهم يرونه
بعيداً ونراه قريباً. إذاً لبثتم؟ قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم". إذاً نحن أمام حقيقة لو تيقظ لها الإنسان - هذه المرحلة الأولى في الطريق، اليقظة - لعرف حقيقة الحياة الدنيا، ولعرف من أين كنا وماذا نفعل هنا وماذا ولأعرف أن هذه الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وأنها لو ساوت ذلك ما سقى الكافر فيها شربة ماء، لكنها لا ولعرف ولأعرف أنه يجب علينا أن نتحقق بأسماء الله الحسنى، وأن نتخلق بالجمال، وأن نتعلق بالجلال، وأن نصدق بالكمال. أراد الله منا هذا حتى تتم العبادة
والعمارة. والتزكية أننا نعرف ماذا نفعل، من أين أتينا، ماذا سيكون اليوم، وماذا سيكون غداً. وهذه ما تُسمى بالأسئلة الفلسفية الكبرى أو بالأسئلة الفلسفية الابتدائية. يعني بداية الفلسفة تبدأ بكيف ولماذا. كل هذا أجاب عنه أهل الله، بل وأجابوا عن كل سؤال يخطر في بال بشر، وتكلموا عن اختلاف الأديان والمذاهب. وتكلموا عن حقائق الأكوان، تكلموا في كل ذلك خدمةً للطريق إلى الله سبحانه وتعالى، خدمةً للسالك إلى الله سبحانه وتعالى. اليقظة أول المراتب، ومن
ضمن اليقظة أن تفهم معنى "لا حول ولا قوة إلا بالله"، فتكون بذلك متيقظاً. "لا حول ولا قوة إلا بالله" نفي للحول والقوة وإثباتهما لله رب. العالمين وحده ما حولك أنت وما قوتك لا شيء وهذه حقيقة إيمانية عقائدية ينبغي على كل سالك في الطريق أن يؤمن بها كما ذكرنا قديما عند سبحان الله وأنها تنزيه لله عن كل صورة وعن كل حلول وعن كل اتحاد وعن كل شكل فإنها من العقيدة كذلك هنا نقول اليقظة أن تفهم لا حول
ولا قوة إلا بالله وهي من الذكر فتكون بذلك متيقظاً. كنت تظن أنك مغموس في الحياة الدنيا، الآن تشاهد هذه الحياة الدنيا باعتبارها من خلق الله للتقريب والتفهيم فقط. فإن هذه الحياة الدنيا بما فيها ضرب الله لنا بها الأمثال بالشمعة بالدائرة بالنقطة بالخط بالمرآة حتى. يُقرِّب لنا المعاني، خلق لنا الله سبحانه وتعالى التلفزيون والراديو والهاتف والسينما من أجل أن نتصور معنى "لا حول ولا قوة إلا بالله". أي
يُقرِّب ذلك إلى الناس ويُقرِّب ذلك إلى الفهم. إلى لقاء آخر نبدأ فيه بشرح "لا حول ولا قوة إلا بالله" على وجهها الصحيح. أستودعكم الله والسلام ورحمة الله وبركاته