طريقنا إلى الله | حـ 23 | حقيقة لا حول ولا قوة إلا بالله | أ.د علي جمعة

طريقنا إلى الله | حـ 23 | حقيقة لا حول ولا قوة إلا بالله | أ.د علي جمعة - تصوف, طريقنا إلى الله
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. في طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى رأينا أنه ينبغي علينا أن نتيقظ أولاً حتى نمارس هذا الطريق في مراحله المختلفة بالذكر والفكر والتخلية والتحلية، ونراعي أنه محاط بالكتاب والسنة، وأن ملتفتاً لا يصل، وأن... الله مقصود الكل وأن طريق الله واحد إلى آخر ما ذكرناه في هذا المقال. اليقظة حقيقتها معرفة حقيقة الأسئلة الثلاثة الكبرى: من أين أتينا؟ وماذا نفعل هنا؟ وماذا سيكون غداً؟ حقيقتها أن يدرك الإنسان المعنى الحقيقي العميق لـ "لا
حول ولا قوة إلا بالله" التي يقول فيها رسول الله صلى عليه وسلم أنها من كنوز العرش "لا حول ولا قوة إلا بالله" تدل على أن الإنسان لا حول له ولا قوة، ومن هنا تولدت في العقائد مسائل يُسأل عنها الإنسان، ما دام لا حول له ولا قوة، أنه لا يكون في كون الله إلا ما أراد، وأنه لا يكون في هذا الكون ليس شيئاً خارجاً عن إرادة الله سبحانه وتعالى، فهل الإنسان مسيّر أم مخيّر؟ الإنسان آتاه الله سبحانه وتعالى أولاً العقل، وثانياً هداه النجدين، أي دلّه على طريق الخير وطريق
الشر أمامه هكذا، وثالثاً أعطاه الاختيار ومنحه حرية الاختيار، وهذا مشاهد في أنفسنا، أردت أن أصلي أو أردت أن... لا أصلي وأردت أن أصوم أو لا أصوم، هذا لم يُقهرني عليه أحد ولا أجد شيئاً يتحكم في إرادتي. الشيء الذي بعد ذلك هو أن الله سبحانه وتعالى له أمر شرعي وأمر كوني. أما الأمر الشرعي فصلِّ وصُم، وأما الأمر الكوني فهو قد أتى من أن الله سبحانه وتعالى ليس حوله زمان فإنه لا يحيط به مكان ولا يحيط به زمان، الله خارج
عن العالم الذي هو في الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، الله منزه عن كل ذلك. الله سبحانه وتعالى خارج هذا المفهوم، فالرب رب والعبد عبد، وهناك فارق بين المخلوق والخالق. الله سبحانه وتعالى خارج الزمان، ماذا يعني ذلك؟ أن الله في وقت واحد يرى بداية العالم والخلق ويرى نهاية العالم لأنه عليم، علمه لا يزيد، علمه مرة واحدة هو علمه لا يزداد ولا تحدث الحوادث في ذاته تعالى، بل يرى البداية ويرى النهاية مرة واحدة. أنت داخل هذا الزمان، رآك الله
قبل ذلك بملايين بمليارات بالآلاف. ليكن ما يكون، ولكن رآك الله سبحانه وتعالى وعلِمَ ما الذي ستختاره وهو قد ترك لك الاختيار، فإذا بك لا تصلي، فكتبك أنك لا تصلي. فلا يكون في كونه إلا ما أراد كونًا لا ما أراد شرعًا. هو أراد أن تصلي وأخبرك وفهّمك وعلّمك وهداك وأعطاك فطرة وعقلاً واختيارًا. وتركك ومن أجل ذلك ستُحاسب عليه، وسُجِّل ما الذي كان يجعلك تفعل ما تشاء، فاخترت عدم الصلاة، فكُتِب عليك عدم الصلاة. فلما جئت إلى اليوم وتركت الصلاة كما هو مكتوب، كان
ذلك من علمه لا من إرادته. أنت الذي خالفت، أنت الذي عصيت، أنت الذي فعلت وفعلت، ولكن كل هذا إلى آخره بما فيها اختيارك بما فيها تعليمك بما فيها هدايتك للنجدين بما فيها الخير بما فيها غير ذلك كلها من خلق الله سبحانه وتعالى. لو ضربنا مثلاً للتقريب بالسينما فنجد أن هناك فيلماً يُذاع على شاشة يُري لك قصة وأشخاصاً وألواناً، لو أنك أطفأت ماكينة العرض ينتهي الأمر.
لو أن الله أطفأ آلة الخلق لفنينا وانتهينا، نحن كأننا صور، وهذه الصور تنتهي. فالله له إمداد وخلق فينا استعداداً، فبالإمداد والاستعداد يحدث الإيجاد. نحن موجودون لماذا؟ لأن ربنا خلقنا، لدينا قابلية للعرض هكذا، وهذه القابلية للعرض سبحانه وتعالى قادر على إنهائها وقادر على إيقافها وقادر على... إفنائها، وهذا ما سيكون يوم القيامة، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام. لا حول ولا قوة إلا بالله، تجعلك تتيقظ
على هذه الحقيقة: إنك تحتاج إلى الله، والله لا يحتاج إليك، فهو قيوم السماوات والأرض. أنت قائم به وبإرادته، لكنه قائم بنفسه. أنت لك بداية، ولكن الله لا بداية له. ولك نهاية ولكن الله لا نهاية له، وأنت داخل الزمان والمكان والله منزه عن الزمان والمكان، وأنت لا حول لك ولا قوة والله له الحول والقوة. لا حول ولا قوة إلا بالله. لا بد أن نفهم كنزًا من كنوز الرحمن، لماذا؟ لأن هذا الكنز عندما نفهمه سيحدث لنا حسنة توكل. على الله
سنتوكل على الله حق توكله وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله إياك نعبد وإياك نستعين. عندما ندرك أنه لا حول ولا قوة إلا بالله بهذا المفهوم الواضح وأننا بيد الله وأن الأمر كله في هذا الاستعداد وهذا الإمداد من أجل هذا الإيجاد، ندرك تماماً مِنَّة الله. علينا أن نستمر ونواصل هذا الشأن لأجيال طويلة. إذا أدركنا حقيقة الدنيا وأنها مجرد ثلاث دقائق لمن عاش مائة سنة، لهانت علينا الدنيا وأصبحت شيئاً
يمكن الصبر عليه. ولكن إذا رأيناها مائة سنة، فقد يمل الإنسان ويفقد صبره. أما إذا رأيناها ثلاث دقائق فقط، فهذا يعيننا على الصبر والاستمرار. على أنفسنا وعلى البعد عن المعاصي وعن القرب من الطعام. اليقظة أول مراحل الطريق إلى اللقاء الأخير. أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.