طريقنا إلى الله | حـ 25 | ملامح الطريق إلى الله | أ.د علي جمعة

طريقنا إلى الله | حـ 25 | ملامح الطريق إلى الله | أ.د علي جمعة - تصوف, طريقنا إلى الله
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. في طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى رأينا أن أول مرحلة يخوض فيها المريد السالك هي اليقظة، فيعرف معنى الحياة الدنيا وأنها إلى فناء، ويعرف أن بقاءه في هذه الحياة الدنيا فرصة ومزرعة للآخرة، وأن بقاؤه قليل فيما عند الله سبحانه وتعالى وأنه ينبغي عليه أن يتوب وينتقل إلى المرحلة الثانية وهي التوبة، وعرفنا الفرق بين العوام والخواص وخواص الخواص في شأن التوبة، كيف أن هذا يتوب عن المعصية وهذا
يتوب عن نافلة القول وفضل هذه الأعمال. زيادة هذه الأعمال يعني ويتحقق بمزيد من النوافل. لله رب العالمين وكيف أن خواص الخواص يعودون مرة أخرى في هيئتهم الخارجية كالعوام وإنما قلوبهم معلقة بالله بصورة ليست عند العوام. إذا عرفنا هذا فإن مراحل الطريق تمتد بنا، لكن قبل أن نكمل هذا الطريق وهو كما قالوا من المهد إلى اللحد ومع المحبرة إلى المقبرة، وقل رب زدني. علماً، وفي كل يوم يقول رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "لا بارك الله لي في يوم لم أزدد فيه علماً"، وفوق كل ذي علم عليم. فالعلم ممتد، والعلم يشمل حياة الإنسان، وكل يوم يزداد الإنسان علماً فيزداد أدباً ومعرفة في طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى. فاللهم يا ربنا علمنا. الأدب معك وخذ بأيدينا إليك واهدنا في من هديت وعافنا في من عافيت. بعد التوبة هناك ملامح للطريق بمراحله المتبقية، ولكن كيف تكون هذه الملامح أسساً وأصولاً للطريق الذي نسير فيه
ومحدداته ومساحاته؟ وجدوها في أربعة: في النعمة، وفي البلية، وفي الطاعة، وفي المعصية، فالإنسان إما أن يكون في نعمة. وأما أن يكون في ضدها، والإنسان إما أن يكون في طاعة وإما أن يكون في ضدها. كيف يتعامل الإنسان مع كل حالة من هذه الحالات؟ إذا كانت هناك نعمة فهناك وجوب لشكر المنعم سبحانه وتعالى، وربنا رسم لنا طريقاً موجوداً
في الفاتحة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين. التي نقرأها كفرض وركن في الصلاة، كل صلاة، كل ركعة لا بد فيها من أن نقدم الحمد والشكر والثناء الجميل على الله سبحانه وتعالى. إذاً فعندما تأتيني النعمة فهناك واجب سيكون معها وهو الشكر، وعندما تأتيني البلية، وأحياناً يقولون النقمة ولكن يتأدبون فيقولون البلية، "ونبلوكم بالخير والشر فتنة" من الابتلاء. والامتحان فواجبها الصبر، عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن
أصابته نعماء (جمع نعمة) شكر، وإن أصابته ضراء (البلية) صبر، فأمر المؤمن بين الشكر والصبر، وكل منهما يرفع درجاته عند الله سبحانه وتعالى. إن أصابته نعماء شكر وإن أصابته ضراء صبر، والشكر والصبر لا نقول لأحدهما أنه أفضل. من غيره عند الله بل ينبغي أن يكون في وقته وفي شخصه وفي زمانه وفي مكانه وفي حاله المناسب، هذه
هي الحكمة. فالغني الشاكر هل هو أفضل من الفقير الصابر أو أن الفقير الصابر هو الذي أفضل من الغني الشاكر؟ تكلم العلماء عن هذا المعنى وقالوا: الشكر الجميل والصبر الجميل. هو الأفضل سواء صدر من الغني أو من الفقير، إذاً فليس هناك مقارنة بين الغنى والفقر ولا بين ما يصدر من هذا أو يصدر من ذاك. القضية هي: هل وفّى الشاكر شكره؟ وهل جمّل الصابر صبره فصبر جميل فإذا كان الصبر قد صدر جميلاً أو كان الشكر قد
صدر تاماً، فهذا... معناه القبول عند الله سبحانه وتعالى، هذا الطريق مبني على هذه العقائد والأفكار. كذلك الإنسان بين الطاعة والمعصية، فإذا أصابته طاعة فإن الواجب عليه الإخلاص. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"، ويقول: "لا يكتب لأحدكم إلا ما عقل من صلاته"، فلا بد. أنْ تعقلَ صلاتَكَ
وتتأملَها وتتدبرَها حتى تؤتيَ ثمارَها إنَّ الصلاةَ تنهى عن الفحشاءِ والمنكرِ ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعونَ طاعةٌ واجبُها الإخلاصُ ولذلك نرى كثيراً من الأئمةِ يشترطُ النيةَ في كلِّ العباداتِ في الوضوءِ في الصلاةِ في الزكاةِ في الحجِّ في العمرةِ في الصيامِ يشترطونَ النيةَ لأنَّ النيةَ مرتبة من مراتب القصد تساعد الإنسان على تفريد وتوحيد الله سبحانه وتعالى، تساعد الإنسان على هذا الإخلاص الذي نطلبه من الإنسان. إذاً الطاعة في
مقابلة الإخلاص، أو هي تستوجب الإخلاص، أو من الواجبات التي لا بد للإنسان أن يتحقق بها هو الإخلاص، والمعصية واجبها الاستغفار، والاستغفار كما تعلمنا في شأن... التوبة طلب الغفران من الله يستلزم الإقلاع عن المعصية والندم على فعلها والعزم على ألا يعود إليها مرة ثانية. هذه الأربعة هي من ملامح الطريق. ملامح الطريق تتمثل في الشكر عند النعمة، والصبر عند البلية، والإخلاص عند
الطاعة، والاستغفار عند المعصية. ونرى كل ذلك من شكر أو صبر أو إخلاص. أو استغفار يتخلل برنامج الأذكار وبرنامج الأفكار. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.