طريقنا إلى الله | حـ 26 | الأحوال والمقامات | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه في طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى بعد أن رسمنا كل ما ذكرنا من تقيدنا بالكتاب والسنة من دخولنا في الذكر والفكر لكتاب الله المسطور والمنظور والمقدور من برنامج هذا الذكر الذي يرقق القلوب ويصلح الحال وينهى عن الفحشاء والمنكر ويأمر بالمعروف إلى التخلية والتحلية باعتبارها من وسائل التربية إلى التعامل مع التجلي بإشراقاته المختلفة إلى معرفة بعض القواعد في هذا الطريق وأن الله هو مقصود الكل وأن
طريق الله واحد وأن الطرائق على أنفاس الخلائق وأن ملتفتاً لا يصل إلى معرفة مراحل الطريق وضربنا مثلاً باليقظة والتوبة وما بعدها إلى عشر مراحل إلى التفرقة بين باب الخلق وباب الحق في القلب إلى التفرقة بين أحوال المريد في كل من مراتب العام والخاص وخاص الخاص إلى غير ذلك مما ذكرناه مما يعد ملامح لهذا الطريق نذكر أيضاً أن السالك في هذا الطريق ما بين شيء عارض يأتيه
ويزول وما بين شعور مستقر يدوم ويدوم، الأول يسميه أهل الله الحال، وهذا هو سر ما يقوله العوام: "دوام الحال من المحال"، فالحال يأتي ويذهب. وكان العوام عندما تعلموا من المشايخ تعلموا أن هذا شيء طبيعي، أن هذا شيء وارد وليس نقصاً ولا قصوراً ولا شيء من دوام الحال. ويقصدون بالحال هنا ليس هو بيئة المتكلم
أو شيئًا من هذا القبيل، بل الحال هو ذلك الوارد على السالك في طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى. دوام الحال من المحال، لماذا؟ لأن هذا عندما يكون دائمًا لا يسمى حالًا، سيسمى حينئذٍ بالمقام. فإذا سُئلت ما الفرق بين الحال والمقام فقل إن الحال عارض وأن وإن المقام باقٍ أو يبقى زمنين، دائم فهذا زائل وهذا دائم. الأحوال مثل أن يأتي للذاكر حال فيرى
نوراً يسطع أو يشعر بطمأنينة بالغة أو يشعر بخوف أو يشعر بتوكل على الله وأنه يريد أن يتخلى عن الأسباب. بعد قليل يعالج الأسباب ويفعلها لما جاءه الحال كان. لا يريد الشرب أو الأكل أو شيء من هذا القبيل لكن هذا الحال لا يبقى وتراه بعد قليل يشرب ويأكل ولكن السالك في هذا الطريق سواء كان شيخاً يرشد الآخرين أو كان مريداً يسأل
الشيخ يجب عليه أن يفرق بين الحال وبين المقال لأن هذا الحال في بعض الأحيان يلتفت. إليه السالك ويبني عليه أنه قد حدث له هذا الكشف أو هذا الفتح أو تلك الأنوار وأنه بذلك الحال له عند الله مقام ونقول له أنت في بداية الطريق وملتفت لا يصل وهناك فارق بين الحال وبين المقام، المقام دائم والله يحب العمل الدائم، المقام هو إما أن يكون من أعمال
الجوارح، وإما أن يكون من أعمال القلوب. فالمقام هذا الذي هو من أعمال القلوب يدوم. هناك عدَّه العلماء وأهل الله بالتأمل والتدبر مقاماً اسمه مقام التوكل، مقام التسليم، مقام الرضا، مقام سجود القلب، مقام ألف ألف مقام، ألف مقام يعني تسعمائة تسعة وتسعين زائد واحد، يعني ألف مقام. فعلاً عدّها العلماء وكتبوها في كتبهم، ما هذه المقامات؟ لا ينبغي للسالك إلى الله أن يطلب حالاً ولا أن يطلب مقاماً، ولا إذا
كان في مقام معين أن يطلب أن يكون في مقام غيره، لأن هذا مبني على أمر لا بد من فهمه بعمق، وهي قضية الوهب والكسب. الأحوال والمقامات من قبيل الوهب لا من قبيل الكسب. هناك مقام اسمه مقام الفتح. مقام الفتح هذا أي أنه يُفتح عليه في فهم الأشياء وفهمها. سليمان يُفتح عليه في معرفة خصائص الأشياء. الناس تشعر أنه ذكي له خبرة، فهذا فتح وهذا مقام، فيراه آخرون فيريد أحدهم أن يذكر
الله حتى. يصل لهذا الفتح وذلك المقام خطاً. هذا مقام اختصه الله به، قد يختصك أنت أيضاً وقد لا يختصك. لا تنظر إلى هذا، أخلص نيتك لله واذكر لله وليس لتحصيل لا حال ولا مقام. الحال عارض والمقام دائم، وهذه الأحوال والمقامات يدركها الشيخ، فهل يدركها المريد أيضاً إذا ما كانت له؟ أحوال أو مقامات السيد مصطفى البكري يؤلف في هذا المعنى كتاباً أسماه "الثغر البسام فيمن له مقام ولا يدري عن نفسه حال
أو مقام"، يعني هو في مقام التوكل لكنه من تواضعه لا يرى في نفسه ذلك المقام ولا يعرفه ولا يلتفت إليه، وبالتالي لا يعتمد عليه. مع أنه في مقام التوكل إلا أنه لا يعرف ذلك ولا يعتمد عليه ولا يلتفت إليه وهناك من إذا تحقق بمقام معين كمقام الرضا أو مقام التسليم أو مقام الفتح فإنه يشعر في نفسه أنه في ذلك المقام وعليه يجب أن لا يعتمد على مقامه بل يعتمد
على الله إياك نعبد وإياك نستعين، وعليه يجب أن لا يفتخر بذلك المقام ولا بذلك الحال، وعليه أن لا يبني على معرفته للمقام أو الحال أي تصرف يخرج عن طريق الله. كل هذا يقع فيه المريد من غير شيخ، أما الشيخ فهو يرشده إلى ما ينبغي أن يكون وما لا ينبغي أن يكون. هناك من يقرأ في الكتب ويظن أن ما قرأه قد تحقق فيه ابتغاء الرغبة، هو لا شيء، فذلك طريق السلوك وليس طريق معلومات. إلى لقاء آخر، استودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.