طريقنا إلى الله | حـ 28 | الفرق بين السالك والمجذوب | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. في طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى نرى أنهم قد فرّقوا بين السالك وبين المجذوب، والمجذوب نعني به هنا من انجذب إلى الله سبحانه وتعالى، فهو ليس بمعناها السلبي المتداول بين الناس ممن فقد عقله. هذا لم يفقد عقله وإنما تكاثرت المعارف في قلبه على حجمه ففاضت، فجُذِب إلى الله سبحانه وتعالى، وكأنه نفس المعنى الذي تتكاثر فيه الأنوار
حتى تُغلِق باب الخلق. السالك المجذوب والمجذوب السالك، لو تصورنا الدائرة فإن السالك المجذوب يعني السالك في طريق الله حتى يصل إلى الانجذاب إليه حتى يملك. الله كل قلبه وكل جوارحه ولا يرى شيئاً في هذا الكون إلا من خلال الله. أما المكذوب السالك فهو ينجذب إلى الله، ومن أجل هذا يصلي، ومن أجل هذا يذكر، ومن أجل هذا يفعل الخيرات ويبتعد عن المنكرات. هل الأفضل هو السالك الذي يسير بالهوينة حتى
يصل إلى أن يكون؟ الله ولا شيء معه في قلبه فيتخلص من سواه، أو أنه من جذبه الله سبحانه وتعالى إليه، ومن حبه في الله وجذبته لله سبحانه وتعالى تحركت جوارحه في البعد عن المعاصي وفي امتثال الطاعات. تكلم أهل الطرق في هذا، فمنهم من بنى برنامجه الذي استنبطه من الكتاب والسنة على تربية. الناس ينجذبون إلى الله من أجل السلوك فيسمى بالمجذوب السالك، ينجذب إلى الله
وإلى توحيده وحبه والتخلق برحمته والتضرع إليه، فتراه يؤدي الشريعة كلها في شوق وفي سهولة وفي أداء يخلص فيه لرب العالمين الذي جذبه إليه. وهناك طرق أخرى بنت برامجها على أن تسلك بالناس الطريق إلى الله حتى وعلى ذلك فإذا قرأنا عندهم كلمة السالك المجذوب عرفنا أن التربية من أجل الوصول، أما المجذوب السالك فهو الذوق والمعرفة
من أجل الشريعة. فهذا معنى السالك المجذوب أي نبدأ بالسلوك وننتهي بالجذب، ومعنى المجذوب السالك. وكلهم من رسول الله ملتمس غرفًا من البحر أو رشفًا من الديم، وواقفون لديه عند. منتهاهم من ناحية العلم أو من شكل الحكم فهو الذي تم معناه وصورته ثم اصطفاه حبيباً بارئ النسم صلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله. من المهم أن تدرك هذا وذاك، ومن هنا نستطيع أن نتبين ما توصل إليه أهل الله من وضع الشروط
لاختيار الطريق، ووضع معايير كيفية الاختيار. طريقًا عن طريق ونحن لا نعرف أي طريق منهم، قالوا أولًا في القرب والبعد عن السنة: فالطرق التي تتخذ السنة ديدنًا لها تكون أقرب في الاختيار إليَّ من الطرق التي لم تفعل ذلك. فهناك طرق تلتزم بالأذكار الكتابية المذكورة في الكتاب وبالسنة، وكل شيء عندها له دليل، فهذا أقرب قد. تكون هناك طرق أخرى وهي صحيحة، ولكن الدليل بيننا
وبينه مراحل حتى نصل إلى إثبات ذلك، وهذا هو المقصود بالبعد، البعد في الاستدلال. وكلها مقيدة بالكتاب والسنة. والمعيار الثاني هو اليسر والعسر، فما كان أيسر وأسهل آخذاً بيدك إلى الله كان أحسن من العسر وكثرة التكاليف التي تخالف هذا اليسر. وقد يحدث شيء من الخلل عند الإنسان إلا بإذن الله. معياران: القرب من السنة وتبني التيسير. فإذا
أردت أن أختار بين هذه الطريقة أو تلك الطريقة أو طريقة أخرى، فإنني أسأل نفسي هذه الأسئلة: أين الأقرب إلى السنة؟ وأين الأقرب إلى التيسير؟ وبهما أستطيع أن أختار. هذا لمن لم يوفَّقه الله سبحانه وتعالى إلى شيخ، فإذا لم أُوَفَّق إلى شيخ فماذا عليَّ أن أفعل؟ وهنا يتكلم عن هداية ربي عند فقد المربي. اطلب هداية الله حتى يوفقني في الشيخ المعتمد، الراجح العقل، الصحيح المعتقد، العالم بالشريعة، الذي يأخذ
بيدي إلى الله سبحانه وتعالى. فكيف أصل إلى هداية ربي عند فقد... المربي قالوا نصل إليها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى ألف المتقي الهندي كتاباً في هذا المعنى أسماه بهذا العنوان: "هداية ربي عند فقد المربي". غاية ما قاله المشايخ أن ذلك يتم بكثرة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يمن الله عليه بالشيخ المربي. المرشد أقل شيء لهذه
الصلاة ألف صلاة يومياً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الأقل. فمن أراد أن يطلب الشيخ فعليه في الفترة الانتقالية بينه وبين اختيار الطريق، بينه وبين الوصول إلى السالك أو إلى المجذوب، بينه وبين السنية والتيسير إلى آخره، عليه أن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم أقل من ألف مرة، فمن صلى ألفين فهو خير، ومن صلى ثلاثة آلاف فهو خير. لو صلى الإنسان هذا العدد فكأنه يسترشد برسول الله صلى الله عليه
وسلم، لأن كل الأعمال بين القبول والرد إلا الصلاة على سيدنا النبي صلى الله عليه طريقنا إلى الله لا بد فيه من حسن العقيدة، عقيدة صحيحة، ولا بد فيه من العمل، فلا بد من أن نصلي وأن نصوم وهكذا، ولا بد فيه من الذكر، ولا بد فيه من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فعند فقد الشيخ فنحن نتمسك بهذه الأربعة بعمل صحيح. وعقيدة راجحة واضحة وذكر مستدام وصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بركة للمسلمين
وللأنام جميعاً، بهذه الأربعة نصبر حتى يرزقنا الله سبحانه وتعالى بالشيخ العارف الوارث المحمدي الذي يأخذ بأيدينا إلى الله في طريقنا إلى الله. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.