طريقنا إلى الله | حـ 3 | العشرة الطيبة 1 | أ.د علي جمعة

طريقنا إلى الله | حـ 3 | العشرة الطيبة 1 | أ.د علي جمعة - تصوف, طريقنا إلى الله
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. معاً في طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى تكلمنا عن الذكر وعن الباقيات الصالحات: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله، وتكلمنا عن تمام العشرة الطيبة. هذه الخمسة الباقيات الصالحات ونضيف إليها استغفر الله، حسبنا الله ونعم الوكيل، إنا لله وإنا إليه راجعون، توكلت على الله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. والعشرة
الطيبة بالإضافة إلى أن لها لفظ سبحان الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، إلا أنها أيضا لها. معنى وهذا المعنى يتعلق أساساً بالعقيدة ويتعلق أيضاً بالأخلاق، فهو يتعلق في النهاية بالإنسان، ذلك كتاب الله المقدور. عرفنا كتاب الله المنظور وهو الكون، وكتاب الله المسطور وهو القرآن، وكتاب الله المقدور وهو الإنسان الذي يستدل بالأكوان على وجود الرحمن، ويجعل هذا الكون مزرعة للآخرة حيث نعود فيها إلى الله للحساب
للثواب والعياذ بالله يبعدنا عن العقاب، فالذكر كما أن له لفظاً فله معنى وحقيقة وأثر وله أيضاً منظومة ومبنى. سبحان الله يعني أنزّه الله سبحانه وتعالى عن كل صورة تطرأ في أذهاننا عندما يعبد الإنسان ربه، أو وهو في حالة الطفولة قد يتعود على رؤية الصور. هذا أبوه. وهذه أمه وهذا أخوه وهذا معلمه فيريد أن يرى الله سبحانه وتعالى ونحاول أن
نفهمه أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وأن الله سبحانه وتعالى كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك وأن الرب رب والعبد عبد وهناك فارق بين المخلوق والخالق كل هذا في سبحان الله سبحان الله هي التي تنتشلنا من التصور لله سبحانه وتعالى، وهذا الذي عبّر عنه سيدي عبد السلام بن بشيش شيخ الإمام أبي الحسن الشاذلي عندما قال في صلاته: "انشلني من أوحال
التوحيد". وأسأل بعض الناس: هل التوحيد له أوحال؟ أليس هكذا هو يسب في التوحيد؟ لا، هو يقصد أنشلني أثناء الذكر من... أن أتصور لك صورة لأن أوحال التوحيد منها أن يشعر الذاكر ويتصور لله صورة والعياذ بالله تعالى ولذلك ممنوع عليك أيها الإنسان أن تتصور هذا الخطأ يعني أوحال التوحيد كأنها الأخطاء التي ترد على الإنسان عندما يترك نفسه لطبائع الحس ورسوم الأكوان وما تعود عليه من رؤية الأشياء
الموجودة فيشعر بأنه يريد أن يصور الله، اللهم يا ربي انشلني من هذا وأدخلني في التفريد والوحدة، في التفريد والوحدة التي فيها فهم المجرد كما نحن نفهمه جميعاً. بعض الناس استعظم هذا لأنه لم يفهم معناها فقط لا غير، ولكن مقصوده كما قال الشراح الصورة، والصورة ممنوعة في حقه تعالى لأنه ليس كمثله شيء ولأنه سبحانه وتعالى لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، إذاً فالله لا يمكن لأحد أن يحيط به، ولكن
الرب رب والعبد عبد، وهناك فارق بين المخلوق والخالق، وهناك تدريج مع التوحيد، فرق كبير بين أولئك الذين يسيئون الظن ويلتمسون ويحاولون ليس التماس الأخطاء فقط بل إنشاء ما يتوهمونه. من أخطاء وبين أولئك الذين يعرفون للناس مقاديرهم ولأولياء الله سبحانه وتعالى مقدارهم ومكانتهم ومكانتهم ومكانهم ويتفهمون هذا كما كان السلف الصالح يفعل. سبحان الله لها
معانٍ كثيرة مؤداها في النهاية تنزيه الله عن كل نقص. فإذا عرفت هذا فقد عرفت نفسك، ومن عرف نفسه عرف ربه، من عرف نفسه. أنه حادث عرف ربه أنه قديم، من عرف نفسه بأنه فانٍ وسوف يموت عرف ربه بأنه باقٍ وأنه حي سبحانه وتعالى، من عرف نفسه بأنه يحتاج إلى غيره ويحتاج إلى الله وأنه لا يقوم بنفسه عرف ربه سبحانه وتعالى بأنه قيوم السماوات والأرض، من عرف نفسه بأنه مخلوق عرف
ربه. بأنه خالق فمن عرف نفسه عرف ربه، كل هذه المعاني تتولد عندما تفهم أنزهك يا الله عن كل نقص، فأنت الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. أنت يا ربنا هكذا. في سبحان الله معناه أنه يخاطب ربه ويناجيه ويتضرع إليه بقلب صافٍ. يا ربنا سبحانك لا إله إلا أنت، أنت منزه عن كل نقص وعن كل شريك، أنت واحد في قوتك وقهرك، في منتك وفضلك، فلا يكون
في هذا الكون إلا ما تريد، ولا يكون في هذا الكون إلا ما أردت. عندما نذهب إلى "الحمد لله" لها معنى أقدم لك الثناء والشكر. الجزيل يا ربنا من عبد فقير حادث لرب قدير باقٍ. إذا هذا حمد حادث لقديم، وهناك أيضاً حمد من قديم لقديم نقول فيه: يا ربنا، يعجز لساننا عن الوفاء بحمدك، أنت كما أثنيت على نفسك. سبحانك،
الحمد لله يعني كل الحمد، والألف واللام حينئذٍ تكون للاستغراق، استغراق جميع أفراد الحمد. كل الحمد لله أو تكون للجنس يعني جنس الحمد ومادة الحمد هي لله وليست لأحد سواه، وهكذا كل كلمة في هذه الكلمات الطيبات والعشر الطيبة وغيرها لها معنى متعلق بالعقيدة من ناحية ومتعلق بالنظام الأخلاقي من ناحية أخرى. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.