طريقنا إلى الله | حـ 30 | أ.د علي جمعة

طريقنا إلى الله | حـ 30 | أ.د علي جمعة - تصوف, طريقنا إلى الله
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. اللهم يا ربنا صلِّ وسلم على سيدنا المصطفى والحبيب المجتبى خاتم المرسلين والنبيين، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم يا ربنا أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واجعل... القرآنُ الكريمُ ربيعُ قلوبِنا وجلاءُ همِّنا وحُزنِنا ونورُ أبصارِنا وصدورِنا، واجعلهُ يا ربَّنا حُجَّةً لنا وليس حُجَّةً علينا، علِّمنا منه ما ينفعُنا وانفعنا بما علَّمتنا، وأقِمنا في الحقِّ وبالحقِّ، واهدِنا واهدِ بنا، واسلُك بنا
الطريقَ إليك، وخُذ بأيدينا، وعلِّمنا الأدبَ معك، وافتحْ علينا فتوحَ العارفينَ بك، وافتحْ علينا من خزائنِك. بفضلك ورحمتك ما تُثبِت به الإيمان في قلوبنا، اللهم يا ربنا تقبل منا صالح أعمالنا، تقبل صيامنا وقيامنا وذكرنا وتلاوتنا وسائر أعمالنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا، ويا غياث المستغيثين أغثنا، نستغيث برحمتك يا رب العالمين، لا نعبد رباً سواك ولا نعرفه إلا إياك، فامنن علينا بفضلك واحشرنا تحت لواء نبيك. يوم القيامة واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبداً، وجازه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ثم أدخلنا
الجنة من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب، هب مسيئنا لمحسننا واغفر لنا جملة واحدة، فنحن في حاجة إلى رحمتك ولست في حاجة إلى عذابنا ولا إلى مؤاخذتنا فاعفُ عنا بعفوك وارحمنا برحمتك واغفر لنا بغفرانك وكن لنا ولا تكن علينا فارحم حيَّنا وميتنا وحاضرنا وغائبنا أصلح بالنا واغفر ذنبنا ونوِّر قلوبنا واهدنا واهدِ بنا يا أرحم الراحمين ارحمنا ويا غياث المستغيثين أغثنا اللهم يا ربنا اجعل هذا الإيمان حجة لنا عندك حبِّب لنا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره لنا الكفر
والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ومن المهديين ومن القوم الصادقين ومع المتقين يا أرحم الراحمين يا رب هذا حالنا لا يخفى عليك وعلم كل شيء بيديك فاللهم يا ربنا أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك في هذا اللقاء ونحن في طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى الذي نرجو فيه ونلجأ إليه ونتضرع بقلوبنا الضارعة إليه سبحانه وتعالى أن ينظر إلينا بنظر الرحمة وأن ينقلنا من دائرة سخطه إلى دائرة رضاه. تذكر أيها المؤمن الذكر والفكر، تذكر أن تذكر بالكلمات
العشر الطيبات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. استغفروا الله وأكثروا منها فإن الاستغفار يغفر الذنوب ويُعلي الدرجات ويستر العيوب ويرزق بإذن ربنا بدون حساب. هذا الاستغفار يُسبب الأرزاق ويُسبب رفع الغم والهم عن الأشخاص وعن أمة وعن سائر المسلمين. إياكم أن تنسوا هذه العشرة: "إنا لله وإنا إليه راجعون" و"حسبنا الله ونعم الوكيل" و"توكلت على الله" والصلاة. الدائمة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. إذا فعلنا ذلك فعلينا أن نتفكر
في كتاب الله المنظور وهو الكون، وفي كتاب الله المسطور وهو القرآن الكريم، وفي كتاب الله المقدور وهو الإنسان الذي هو محراب الإيمان. علينا أن ندرك تلك اللطائف الخمس التي خلقها الله فينا من قلب وروح وسر وخفي وأخفى علينا أن لا يزال لساننا رطباً بذكر الله وأن نختار ورداً نسير عليه في الذكر المحض وبالأسماء الحسنى وبالدعاء وبأذكار واردة عن رسول الله أو عن الصالحين ندعو فيها ونقول اللهم اجعل هذه الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا اهدنا واهد بنا يا رب. تذكر أن
تُخلي قلبك من كل قبيح وأن تُحليه بكل صحيح، والقلب لا يعرف الفراغ، فكلما أخليته من القبيح حل فيه الصحيح حتى يحدث لك التجلي. فلا تلتفت فإن ملتفتاً لا يصل. لا تعتمد على الرؤى ولا على الإشارات ولا على الواردات ولا على الخواطر ولا على الكرامات ولا... على الإشراقات، لا تعتمد على شيء من الكشف أو من الأنوار أو من الأسرار، لا تعتمد على ذلك، واجعل عبادتك لله وحده، حتى أنه ورد أنه: "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين". فيجب علينا أن نشتغل
بذكر الله حباً في الله، وأن نشتغل بذكر الله. لأن الله يستحق منا ذلك وليس لتحصيل منفعة من وراء الذكر، وإن كان الذكر كله منافع، وليس لتحصيل فائدة من فوائد هذا الذكر، وإن كان الذكر كله فوائد، بل مخلصين له الدين ولو كره المشركون ولو كره الكافرون. تذكر أن هذا الطريق مقصوده ومقصود الكل هو الله، وتذكر أن طريق الله واحد وتذكر أن الطرائق على عدد أنفاس الخلائق، وتذكر أن للقلب بابين: باب على الخلق وباب على الحق، وأن
الكمال في فتحهما معاً حتى تدخل من باب الحق الأنوار، وحتى تتعامل مع الآخرين الذين يدخلون من باب الخلق. تذكر أن اليقظة أول الطريق، وتذكر أن التوبة لا بد منها. حتى تُخلِيَ قلبك من سوى الله باعتبار أنك ستتدرج في النفوس من الأمارة إلى اللوامة إلى الملهمة إلى المطمئنة إلى الراضية إلى المرضية إلى الكاملة بلطائف خمس في القلب والروح والسر والخفي والأخفى. تذكر الملك والملكوت وأن وراء هذا العالم المشاهد هناك عالم آخر غير منظور وغير مشاهد. تذكر معنى ولا قوة إلا بالله، إذا قرأت
فانزل قراءتك على هذا، وإذا بحثت فانزل بحثك على هذا الهيكل الذي ذكرناه في طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى، عسى أن نتقرب إليه وأن نحسن العبادة له، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، عسى أن ترق قلوبنا لذكره بإذنه سبحانه وتعالى. ينبغي علينا أن ندوم على هذا وأن نتعمق فيه وأن نسترشد الرشاد من أهل الله، والأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه. قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم إلى يوم القيامة". نعم، هذا
ملخص لطريقنا إلى الله سبحانه. وتعالى فيه تفاصيل وفيه أمور كثيرة ولكن ما ذكرناه يدل على غيره وبعض الكلام خير من كثيره وقليل الكلام يغني عن كثيره. هيا بنا نخلص النية لله، نخلص العمل لله، نكثر من ذكر الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، نحسن عقائدنا في الله، نوحده وندرك مبتغاه، ندرك أن الحياة الدنيا أساسها العبادة والعمارة والتزكية. هيا بنا نفعل هذا حتى نبدأ صفحة جديدة مع الله سبحانه وتعالى بعد هذه الأيام التي منّ الله علينا
فيها بما منّ. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.