طريقنا إلى الله | حـ 8 | سند الذكر | أ.د علي جمعة

طريقنا إلى الله | حـ 8 | سند الذكر | أ.د علي جمعة - تصوف, طريقنا إلى الله
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. في طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى استفدنا من فهوم السلف الصالح والصحابة الكرام ومن بعدهم عبر القرون، لأن طريق الله واحد. رأينا هذه المعاني من الحفاظ على الذكر واعتباره أساساً من أسس الطريق رأيناه. موجوداً عند سيدنا علي إمام العارفين، فسيدنا علي علّمه لأبي الحسن البصري. أبو الحسن البصري رجل تربّى صغيراً في بيت أم سلمة عليها السلام زوج
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكانت أمه تخدم أم سلمة وتعينها على شؤون الحياة. تربّى أبو الحسن البصري في بيت الأكابر، بيت أم. سلمة وأم سلمة من نساء النبي كانت قد وصلت إلى مرحلة الاجتهاد كالصديقة عائشة عليهم السلام. أم سلمة وعائشة لهما في الفقه باع ولهما اجتهاد. تربى أبو الحسن البصري صغيراً في هذا البيت، بيتٍ رأى فيه الخير، رأى فيه الطاعة، رأى فيه النقاء، رأى فيه الصفاء، رأى فيه التربية، فكان. مستعداً لذلك،
ورأى سيدنا علي في أبي الحسن البصري كذلك صفاء ونقاء علمه في هذا الطريق. ولذلك هذا الطريق ممتد عن الحسن البصري عن علي بن أبي طالب عن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، لأنه طريق مقيد بالكتاب والسنة. أيضاً هذا الطريق ورد عن الصديق أبي بكر وله طريق أيضاً وَرَدَ عن سيدنا الحسن بن علي وليس الحسن البصري، فعلى عِلْمِ الحسن بن علي وعِلْمِ الحسن البصري. فإذا كانت الطرق هذه واردة بأسانيدها إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، كل ذلك تحقيقاً لمرتبة الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. مرتبة الإحسان قامت. لها أهل الله من أجل الحفاظ عليها وجعلوا أولاً الذكر والفكرة أساساً للطريق آخذين ذلك من قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾، ونحن نتكلم عن الذكر، بكل أقسامه وأنواعه. أبو الحسن الشاذلي من أئمة الطريق مات
سنة ستمائة وستة وخمسين هجرية، اختار الأساس وهو استغفار الله مائة مرة، والصلاة والسلام على رسول الله مائة مرة، ولا إله إلا الله مائة مرة في الصباح وفي المساء. واختار أيضاً بعده من رجال طريقته مجموعة من الأدعية والأذكار وسُمِّيت بالوظيفة الزروقية أو بسفينة النجاة. الله الملجأ، السفينة تسمى بالوظيفة أو الوظيفة الزورقية وهي مجموعة من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أضاف
لها أحد مشايخ الطريق عبارات أخرى أيضاً مأخوذة مما تركه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الميراث النبوي. إذ أضاف الشاذلية ما ذكره الإمام الغزالي، الإمام الغزالي. منذ خمسمائة وخمسة أعوام، ابتكروا ما أسموه بالمسبعات الخضرية نسبة إلى الخضر عليه السلام. والمسبعات الخضرية هي عبارة عن قراءة متتالية لآيات وسور قد وردت في السنة فضائل كثيرة لها. فيقرأ المرء
الفاتحة سبع مرات، ثم يقرأ سورة الناس سبع مرات، ثم سورة الفلق سبع مرات، ثم سورة الإخلاص "قل قلْ يا أيها الكافرون سبع مرات، ثم آية الكرسي سبع مرات، ثم إنه يذكر الباقيات الصالحات سبع مرات: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم إنه يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبع مرات، ثم إنه يدعو لنفسه ثم إنه يدعو لعموم المسلمين ولنفسه سبعاً بدعاء معروف، وهذه عشرة بنود أو عشر نقاط، ولكن كل مرة نكررها سبع مرات، وذلك
قبل الشروق وهذا شرطها، وقبل الغروب. بهذه الثلاثة بالأساس، والمسبعات، والوظيفة، يرتسم الطريق الشاذلي في برنامج الذكر اليومي، مرة تكون في الصباح ومرة تكون في المساء على هذا أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ أدومُها وإنْ قلَّ. بعد ذلك أضافوا لهذا البرنامجِ برنامجاً آخرَ من المغربِ إلى الفجرِ، وهو أن يذكرَ الإنسانُ في هذا الوقتِ، في أيِّ وقتٍ شاءَ حسبَ ظروفِهِ وأحوالِهِ، خمسةَ آلافِ مرةٍ الأسماءَ الأصولَ ثم الأسماءَ الفروعَ. واختلفتِ الطرقُ في ترتيبِ هذه الأسماءِ الأصولِ والأسماءِ الفروعِ ولكن... طريق الله واحد، فهذه
مشارب لا بأس بها في الاختلاف عليها، ولكن المقصد في النهاية هو ذكر الله. هذه السبعة ذُكر أنها "لا إله إلا الله"، السبع الأصول، ثم بعد أن ننتهي منها مائة ألف مرة نقول: "الله الله" أو "يا الله"، وهنا في لفظ الجلالة لا يجوز فيه التنوين. لأنه معرف بالألف واللام عند من يرى أنه مشتق ثم بعد ما ننتهي من مائة ألف "الله" هو، وهو ضمير وهو أعرف المعارف "لا إله إلا هو"، ثم رقم أربعة "حي" ثم
"قيوم" ثم "حق" ثم "قهار". هذا ترتيب معين ولكنه ليس متفقاً عليه بين كل الطرق الشاذلية، بل يقدم حسب معلوماته وحسب ما فتح الله له في هذه المعاني وهذه العلاقات، أما الأسماء الفرعية فهي: واحد، عزيز، مهيمن، وهاب، باسط، ودود، سبعة من الأصول ثم ستة من الفروع، كل واحدة نذكرها مائة ألف مرة في نحو عشرين يوماً، فإذا لم يستطع الإنسان في يوم من الأيام أن يأتي بذلك أتى بالأقل ثلاثة آلاف أو ألفين أو نحو ذلك، فإنه
يحسب هذا العدد، والعشرون يوماً تصير واحداً وعشرين أو اثنين وعشرين أو ثلاثين حسب العدد الذي فعله. ولكن غايتنا ومرادنا وهدفنا هو مائة ألف من كل واحدة، ويجوز للإنسان بعد أن ينتهي أن يكررها مرات وليس مرة واحدة. بعدها نذكر الأسماء الحسنى الواردة في حديث أبي هريرة عند الترمذي: الله، الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن... إلى آخره. كل يوم نتناول اسماً، خمسة آلاف مرة: اليوم "الله"، وغداً "الرحمن"، وبعد غدٍ "الرحيم"... إلى آخره. ثم بعد ذلك نشتغل بلفظ الجلالة "الله"، أو بما يفيض الله علينا ويوجهنا إليه، أو نجد إلى لقاء آخر،
أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.