طريقنا إلى الله | حـ 9 | الورد القرآني | أ.د علي جمعة

طريقنا إلى الله | حـ 9 | الورد القرآني | أ.د علي جمعة - تصوف, طريقنا إلى الله
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. في طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى رأينا كيف يكون الذكر وكيف نعيش في الذكر وكيف نجعل أوقاتنا جميعاً مليئة بذكر الله سبحانه وتعالى. ألا بذكر الله تطمئن القلوب. ذكر الله سيؤثر فيك في هدوء. النفس ولكن لا بد من توجيهات الشيخ لأننا لا نريد الإفراط ولا نريد التفريط، وهناك في الطريق كثير من الأسئلة وكثير من الاستفهامات.
الشيخ له تجربة وليس هو متسلطًا عليك كما يحب النابتة أن يصوروه، الشيخ له تجربة يعطيها لك فيضيف إلى علمك سنين عديدة. التصوف لا يصلح بالقراءة ولا. يصلح بالانفراد ولكن يصلح بأن تجد قلبك مع ربك وتحول قلبك إلى قلب ضارع بالذكر. قضية أخرى في هذا الذكر وهي ورد القرآن الكريم، لا بد عليك ألا تهجر القرآن وأن تجعل لنفسك كل يوم ورداً ولو كان قليلاً. وفي البيهقي:
من حفظ القرآن خمسة لم ينسه، وكان كثير كان الصحابة لا يتجاوزون خمس آيات حتى يتقنوها تلاوة ويحفظونها ويفهمونها ويتحققون بها، ثم ينتقلون إلى ما بعدها. ليست المسألة بالكثرة بل المسألة بالكيفية. القرآن ستة آلاف ومائتان وستة وثلاثون آية. بذل المسلمون مجهوداً كبيراً بتوفيق الله في إخراج المصحف حتى يكون القرآن المصحف معيناً لهم على عبادة الله سبحانه. وتعالى كتبوه بأشكال مختلفة، ومما استطاع المسلمون أن يصلوا إليه أن
يكتبوا كل صفحة بدايتها آية ونهايتها آية، ولا تنقسم الآية بين صفحتين، وأن هذه الصفحة فيها خمسة عشر سطراً، فيستطيع الإنسان أن يقرأ مثلاً بعد كل صلاة خمسة أسطر، وهذه الصفحة من الغريب فيها أنهم حاولوا أن تقف عند يحسن الوقوف عليه واستطاعوا أن يفعلوا هذا بحيث إنك إذا قرأت الصفحة فقد قرأت معنى متكاملاً له تعلق بما بعده ولكن يجوز أن نقف عنده. وجعلوا الجزء أولاً، هم عدّوا عدّاً عبر القرون، هكذا
عدّوا أحرف القرآن وقسموه إلى ثلاثين جزءاً، كل جزء يساوي الجزء الآخر في عدد حروفه، فعندنا. القرآن بهذا الشكل ثلاثون جزءاً، كل جزء يساوي الجزء الآخر في عدد الحروف. نعم، قد تزيد حروف بسيطة في آخر آية، وقد تقل حروف بسيطة لأن الآية قد انتهت وهناك سورة جديدة قد تبدأ، ولكن بشكل عام هناك ما يشبه التساوي في عدد الحروف وليس في عدد الكلمات. أمامي الآن مقسم إلى سور، مائة وأربعة عشر سورة، ومقسم أيضاً إلى أجزاء،
ولكن أيضاً هو مقسم إلى صفحات. كل جزء جعلوه في عشرين صفحة، وكل صفحة فيها خمسة عشر سطراً. عشرون صفحة في ثلاثين تساوي ست مائة، ولذلك عندما تفتح المصحف تجد ست مائة وأربع صفحات. لماذا ست مائة وأربع؟ لأجل أخذت ورقتين وكذلك المفصل في الصور الصغيرة زاد ورقتين لأن علامات الصور زادت في هذا، ولكن كم يصلي الإنسان في اليوم؟ سبع عشرة ركعة فريضة وسبع عشرة ركعة سنة، سبع عشرة ركعة فيها عشر ركعات يقرأ
الإنسان بعد الفاتحة ما تيسر له من القرآن، إما حفظاً وهذا أحسن، وإما أن... يقرأه في مصحف مفتوح أمامه وهذا جائز خاصة عند الإمام الشافعي في الفريضة وفي النافلة. لو أن الإنسان في العشر ركعات قرأ صفحة وفي العشر النافلة قرأ صفحة، لقرأ جزءًا كل يوم ولختم القرآن كل شهر بقراءة صفحتين: صفحة في الفريضة وصفحة في النافلة في الصلاة. فاجعل لنفسك وردًا من لا تحرم نفسك من القرآن، دائماً انظر إلى القرآن لأن النظر إليه عبادة، وإن تلاوته لك بكل حرف منها
عشر حسنات. ولذلك ينبغي عليك أن تجعل لنفسك نصيباً من القرآن كنوع من أنواع الذكر، لأن القرآن ذكر. وعندما نقرأ القرآن، ليست العبرة بالكثرة ولكن العبرة بالتدبر، "أفلا يتدبرون القرآن" إذاً. لا بدَّ علينا من التدبُّر والقراءة بإمعان يعني متعمقين في المعاني، هذا الحال أيضاً يكون في الصلاة، والصلاة كلها ذكر، فعلينا أن نقرأ الفاتحة آيةً آية، وأن نستحضر معانيها، وأن نتخيل أنفسنا بين يدي الله سبحانه وتعالى، فتسكن جوارحنا وأيدينا
وأرجلنا، وتخشع قلوبنا، لأن مقصود الصلاة هو التذكير حتى تنهانا. عن الفحشاء والمنكر حتى تؤثر في سلوكياتنا خارج الصلاة. الذكر كما أنه يشمل البرنامج اليومي الذي شرحناه، فهو يشمل أيضاً القرآن الكريم، ويشمل أيضاً ما في الصلاة من ذكر. يجب علينا أن نتحقق بها، هذا يؤثر في أخلاقنا تأثيراً إيجابياً، تأثيراً خيراً وحسناً، يجعلنا نستحي أن نكذب ونستحي أن نقصّر. في أعمالنا ونستحي أن نرتكب المعصية أو أن نعتدي على أموال الناس، نستحي أن نعتدي على
خلق الله، ويظهر الحب وتظهر الرحمة وتظهر السكينة والأمن والأمان في طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى من جراء هذا الذكر وهذا التدبر وهذا التمعن وهذه العبادة والطاعة التي هي خالصة لوجه الله، لا نريد. شيئاً من حطام الدنيا، بعض الناس يذكر من أجل أن يصل إلى فائدة، هكذا ذهب ثواب نفسه. بعض الناس يذكر حتى يحصل أثر الذكر، هكذا ليس له ثواب في الآخرة. قالوا لأبي زيد البسطامي: ما لنا نعبد ولا نحس بحلاوة العبادة ولذة العبادة؟ قال:
عبدتم العبادة فلم تشعروا بلذتها. الله وأنتم تشعرون بلذة العبادة، الإنسان عندما يصلي حتى يكون ذلك إثبات حالة "أنا صليت اليوم قيام الليل، وأنا صليت إحدى عشرة ركعة، وأنا صليت وغيري لم يصلِ، وأنا كذا وكذا" إلى آخره، لا يشعر بلذة العبادة، بل تكون رسوماً من الدنيا، ولكن الذي يشعر بلذة العبادة... من أخلصَ لله، أنا أعبدُ شوقاً لله، أنا أعبدُ لأن الله يستحقُ منا العبادة، أنا أعبدُ لأن الله أرادَ منا العبادة. إلى لقاءٍ آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.