غاية الوصول شرح لب الأصول | حـ 5 | أ.د علي جمعة

شكراً وبركاته، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين، والأصح امتناع تكليف الغافل والملجأ لا المكره،
والغافل كما عرفنا المحال، والمحال معناه أنه لم يصل إليه الخطاب، وتكليف الغافل محال، والقاعدة تكليف المحال محال، ولكن لأن بعضهم أجازه فعبّر فقال الأصح، والأصح امتناع تكليف الغافل لأنه. لا ثمرة له والقلل فيه يرجع إلى الفاعل. اشرب البحر. بعض الأولاد هؤلاء يقولون لك تكلم بالعربية،
فيقوم الأب يتكلم بالإنجليزية. ما هو هذا العرب، ولكن ركز معي قليلاً، هو أريد أن أقول ركز معي ليس معايا. طيب انظر إلى الكتاب، كتاب مكتوب بالعربية، والأصح امتناع تكليف الغافل. الغافل هو الذي لا يدرك الخطاب الساهي الناسي النائم الصبي الصغير الرضيع المجنون المعتوه وهكذا، فهو
غافل. جمعوا كل ذلك في كلمة "غافل" وأيضاً في كلمة "محال"، وتكليف المحال محال لأنه لا يترتب عليه أي أثر. التكليف معناه طلب ما فيه مشقة، طلب، والطلب يقتضي أن يكون هناك طالب ومطلوب منه أن يكون هناك. متكلم وأن يكون هناك سامع ولذلك لا بد من طرفين فإذا كان هناك طرف واحد يتكلم والثاني لا يفهم لم تبلغ لم يبلغه
الكلام إذا فلا تكليف أما التكليف بالمحال فجائز لأن فيه اختبار والخلل فيه يرجع إلى الفعل تكليف بالمحال الخلل فيه يرجع إلى الفعل كأن قال لك اشرب البحر أو قال لك ارفع الجبل، الخلل فيه يرجع إلى الفعل لأنه غير مقدور. أما التكليف بالأمر الصعب فوارد. "اذبح ابنك" أمر صعب، هذا ليس محالاً. لا تكليف بالمحال ولا تكليف المحال، والفائدة في الاختبار والابتلاء والامتحان. فإذا
رآك أنك قد شرعت في هذا تكون قد امتثلت فتأخذ الثواب وإذا قلت سمعنا وعصينا، فيكون قد أُخِذ العقاب والملجأ. وقلنا إن الملجأ هو من فقد الإرادة والقدرة، من فقد الإرادة والقدرة. ويأتي الكلام: إذا كان الطلب موجهاً مبنياً على الإرادة والقدرة، فهل يكون هناك تكليف أبداً؟ لا يوجد تكليف، ولذلك لا يجتمعان. الملجأ صار آلة أداة، فلا تكليف فيه
ولا المكره. فرّق الشافعية بين الملجأ والمكره. الحنفية في كتبهم يعبرون بالملجأ عن الإكراه الشديد، هم يطلقون عليه ملجأ. عندنا هنا لا، ليس معناه الإكراه الشديد، بل معناه انتفاء الإرادة والقدرة حتى صار كالآلة. لكن الحنفية يقولون: إذا أحضرت شخصاً ووضعت المسدس في رأسه وقلت له إما أن تفعل كذا وإما قتلتك، ورأى... القدرة فيك ورأى الإمكانية، يعني النية
أن أقتله والإمكانية معي وحاضرة ومتصلة بالأمر، فيكون ذلك عندهم إكراهاً ملجئاً يسمونه هكذا. نحن عندنا الحالة هذه ليست إكراهاً ملجئاً، يعني هذا إكراه شديد، إكراه وصل إلى غايته، لأنه بعد لحظة يمكن أن يقتلني فعلاً، ولكن الملجئ عندنا من فقد الإرادة والقدرة وصار. إلهي، ربطته بالحبل، وهذا الربط ماذا يعني؟ عربي، والحبل عربي. ربطته هكذا بالحبل وألقيته من فوق برج
القاهرة، وبرج القاهرة عربي. نعم، أما أول ما تأتي كلمة تتعلق بالقاهرة فهذا يعني أن عمي لا يصلح. ألقيته في البحر مقيداً وقلت له: إياك إياك أن تبتل - بالباء - فهذا ملجأ، لقد فقد القدرة والإرادة. عندما ألقيت الولد من فوق البرج وبينما كان نازلاً، قلت له: "اصعد الآن، اصعد أيها المرمي!" وهو نازل من البرج، سيموت في المنتصف. قلت له: "اصعد إليّ". كيف يعني؟ لا يستطيع أن يصعد إليّ! نظر إليّ هكذا
وقال: "يا مفتري". نعم، كيف يصعد إليك وهو نازل؟ لقد مات، انتهى الأمر. يكون هذا ملجأً وليس منتحراً، ليس منتحراً وإنما هو ملجأ. هذا الملجأ صار إلهاً، فإذا اصطدم بأحدهم فمات هذا المصدوم فلا إثم عليه. هو نجا لما اصطدم بأحدهم، كان مثل المرتبة ونزل هكذا، مات الرجل، مات وهو لم يمت، فهل نؤاخذه؟ لا، لأنه ليس مكلفاً. هذا ملجأ صار إلهاً، يكون... إذا تحفظ
أن الملجأ عند الشافعية هو من فقد الإرادة والقدرة، هذه نقطة أولى. النقطة الثانية أنه صار إلهاً، وعليه فليس بمكلف، وعليه لا يترتب على فعله إثم لأنه لا إرادة له ولا قدرة، هو مُستعمَل. وعلى ذلك فلا تكليف للملجأ، لا المكره. أما المكره فهو مكلف إذا لو جاء. لديك شخص مكره حملك على الإكراه، الإكراه على القتل، قال لك: "اقتل الشيخ عماد وإلا
قتلتك"، ومعه أداة القتل، وهو قادر على القتل، وهو يريد القتل، وهو جاد في القتل. إذا توفرت كل أنواع الفعل أنه سيفعل فعلاً "اقتل الشيخ عماد وإلا قتلتك"، فلا يجوز لك أن تستجيب، هذا أنت. مكلف إذا أنت مكلف ولو قتلته أثمت لأن هناك نفسين: نفس الشيخ عماد ونفسك، وليس أحدهما
بأولى في البقاء من الآخر. ما هو إلا نفس وأنت نفس، فإما أن يُقتل وإما أن تُقتل. فلماذا رجّحت نفسك على نفسه؟ لا يجوز قول: "اقتلني أمري لله"، وأنت لو قتلتني ابتداءً، ماذا سيكون الأمر؟ وَاللهِ اقْتُلْنِي وَلَا تَقْتُلْ أَبَدًا الشَّيْخَ عِمَادٍ لِأَنَّهُ وَزَّعَ الْكِتَابَ أَمْسِ. الشَّيْخُ عِمَادٌ مَصْدَرُ فَائِدَةٍ وَعَائِدَةٍ، فَكَيْفَ هَذَا؟ كَيْفَ يَعْنِي؟ إِذًا احْذَرْ أَنْ تَقْتُلَ الشَّيْخَ عِمَادًا حَتَّى تَحْتَ الْإِكْرَاهِ. أَكْرَهَكَ هَذَا الشَّخْصُ وَكَانَ قَادِرًا حَاضِرًا،
أَبَدًا، فَيَكُونُ إِذًا المُكْرَهُ مُكَلَّفًا مَا دَامَ قُلْتُ لَهُ لَا تَقْتُلْ. هَا طَلَبٌ، أَهُوَ طَلَبٌ فِيهِ. نهيًا وشرعًا تُكلف بهذا. إذا المُكرَه مكلف يا خالي، أنا أقول الكلمتين اللتين حفظناهما بدلًا من أن ننسى. وأنت لم تكن حاضرًا معنا في الدروس السابقة وتسألني اختبارًا! يعني حسنًا، لقد ارتبكت. أنا لا أتدخل في نظرتك لنفسك. ما الذي يتدخل؟ أنت تختبرني أم لا؟ وستختبرني
فأرتبك على الفور هكذا يا. أنا جيد، ما زلت أتحدث عن القتل، ما زال الكلام مستمراً. اصمت، قلت الشيء ودرست مباشرة، كل يوم فضيلة مولانا يأتي ليدرس الملكية. حسناً، الرواق العباسي ما شاء الله. الشيخ هنا يسأل سؤالاً، يقول: هل هو القتل فقط أم أي شيء؟ افترض أنه قال لك: سأقتلك أو أغمض عينيك وإلا أقتلك. أغمِض عينيك هكذا وإلا أقتلك، أغمض عينيك لن يحدث شيء. اللهم خذ هذا من الشيخ محمد، اسرقه واسرقه وإلا قتلته، اسرقه وبعد ذلك أُرده إليه، لن يحدث شيء. لكن هنا مفسدة
عظيمة ولذلك نصّوا على القتل والزنا فقط، هذا هو الذي أنت لا تستجيب فيه لأن فيها تعرّض إما للنفس وهي غالية وأما للعرض وقد يكون أغلى، فإذا قالوا ما هذا القتل والزنا الذي لا تستجيب له، لكن غير ذلك مما هو أدنى، كمن قال لك: اصفع الشيخ محمد على وجهه وإلا قتلتك، قُل: أستغفر الله واضربه على وجهه. لماذا؟ لأن هذا أدنى، حتى هو سيشير إليك يقول لك: اضرب اضرب. هل انتبهت
إلى أنه إذا كان هناك تقويم وميزان للأفعال، فإن القتل والزنا مستثنيان، وحتى لو هددونا بالقتل. أما غير ذلك، فيمكن أن تشتمهم أو تسبهم أو تضربهم، فهذه أشياء مقدور عليها لأنها أهون وأدنى. إذا، المكره مكلف، والمكره في كتبنا ليس ملجأً، فالملجأ شيء آخر، لكن في كتب الحنفية نعم، المكره الملجأ هو نوع من أنواع المكره. لكن عندنا الملجأ هو من فقد الإرادة والقدرة معاً. نعم،
نعم، تكون آثماً إلا أن تكون صابراً محتسباً لله، لكن هكذا بل تلجأ لكن هو لأنه "إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان"، فلو قال لك: قُل كلمة الكفر وإلا قتلتك، قُل كلمة الكفر لأن قلبك مطمئن بالإيمان. لأنها أقوى لأنها باللسان كأنها حكاية تحكي عن الكافرين أنهم يقولون هذا. إذًا هذا وارد هكذا، لكن إذا أمرك بسفاسف الأمور ورأيت في عينه الشرر وما إلى آخره، يقول الحسن: "لا تقل لمن شهر السيف وصار في السوق وقال: اتقني اتقني: اتقِ الله". حسن
البصري: ما هذا الحمق؟ هذا واحد ماسك... سيف والشرر يتطاير من عينيه ويقول: "اتقِني، اتقِني"، يعني بالعامية ابتعدي من أمامي، ابتعدي. أأنت تخرج الآن هكذا وتقول له: "اتقِ الله"؟ يعني نوع من أنواع الفتوة هكذا؟ ليس هذا هو المقصود بكلمة حق عند سلطان جائر. كلمة الحق عند السلطان الجائر تأتي بالنصيحة والموعظة والأمر. بالمعروف والنهي عن المنكر ولا تأتي بهذه الصورة التي نهى عنها الحسن. حسناً، ويتعلق الخطاب عندنا. عندما قال "عندنا" فماذا يعني؟ معشر أهل
السنة والجماعة السادة الأشاعرة خلافاً للمعتزلة قديماً. قال "عندنا" كما اصطلح بالمعدوم تعلقاً معنوياً إذاً كلام الله أزلي قائم بنفسه سبحانه، يعني قبل خلق الخلق. قبل خلق آدم يعني القرآن هو كلام الله القائم بنفسه قبل خلق آدم. طبعاً نحن عندنا كلمتان: كلمة القرآن وكلمة الكتاب، الكتاب
وكلمة كلام الله. فكلمة كلام الله تُطلق عند الأشاعرة حقيقةً على الأزلي القائم بنفسه. كلام الله أول ما نقول كلام الله يتبادر إلى الذهن القائم بنفسه سبحانه وتعالى. وهو قديم قطعاً، وإذا أطلقنا كلمة القرآن دلّت مجازاً على القائم بنفسه الأزلي القديم. يبقى الكلام الأزلي القديم أطلقوا عليه كلمة حقيقة وهي كلمة كلام الله، ومجازاً القرآن. ولما صار القرآن مجازاً في مقابل كلام
الله القديم، قال: لأنه دال عليه، فأطلقنا الدال وأردنا المدلول، فهذا مجاز. لكن كلام الله. الحقيقة ولذلك كلام الله النفسي القديم القائم بذاته الذي هو ما زال متكلماً سبحانه وتعالى يُطلق عليه بالحقيقة كلمة كلام الله ويُطلق عليه بالمجاز القرآن. طيب والمصحف الذي معنا يُطلق عليه حقيقةً القرآن ويُطلق عليه مجازاً كلام الله. لماذا؟ لأن كلام الله حقيقةً هو المدلول فأطلقناه
على الدال وكلام الله. هنا القرآن هو الدال فأطلقناه على المدلول، هذه هي جهة المجازية. إذاً الكلام منه حقيقة ومجاز. النابتة غير راضية بهذا، وأصبحت النابتة في هذه الأيام لا تعرف حقيقة ولا مجازاً. ارقع واخبط، حسناً وبعد ذلك، آه، عندما يأتي ليسمع هذا الكلام ولا يفهمه، فقد فقد مفتاح الفهم لأننا نقول إن الكلام منه حقيقة. ومجازف هذه لا أعرفها، وبعد ذلك تقول القرآن دال لا يفهمها، وكلام الله القائم بنفسه مدلول قوم لا يفهمها قوم، يختلط قوم، ينتج من هذا
الخلط ماذا؟ ينتج منه أنه يصف المصحف بأنه قديم ويصف تلاوة التالي بأنها قديمة، يعني الشيخ عبد الباسط عبد الصمد رحمه الله يقول أعوذ بالله. الله، حسناً، ألستَ تقول أعوذ بالله؟ ها أنت تقول هكذا الآن أن كلام الله صوت وحرف ومرتب كأنه حادث، يعني الذي يقوله الرجل من فمه قديم؟ يقول: نعم. لا، هو أصله هذا الذي نحن نعيش فيه. معنا بِتَة وكل دليل. إنه لم يأتِ الأزهر وتعال أن الكلام. منه حقيقة ومجاز.
المعنى المتبادر إلى الذهن هو الحقيقة، والمجاز له علاقة وله قرينة. وشرحنا هذا الكلام، فهذا الشخص يفتقد لهذا الفهم، فهو لا يعرف - مسكين - فيضطرب كلامه ويؤدي إلى عكس مراده. يؤدي إلى القول بالحلول والاتحاد والعياذ بالله، والحلول والاتحاد كفر عند جميع المسلمين. فهو لا يعرف - مسكين - ويبدأ يضطرب. أين الحقيقة؟ أين الحق لا يعرف قال ويتعلق الخطاب عندنا بالمعدوم فالله له كلام
قائم بذاته هو قديم. هذا الكلام قبل خلق الخلق. الكلام هذا من ضمنه "أقم الصلاة لدلوك الشمس". الكلام هذا قديم قبل الخلق وقبل الشمس وقبل المكلف وقبل الظهر، قبل كل شيء يقول "أقم الصلاة لدلوك الشمس" هذا. الخطاب متعلق موجه إلى مكلف، والمكلف غير موجود حينئذ. إذًا فالخطاب يتعلق عندنا بالمعدوم الذي سوف يوجد بعد ذلك تعلقًا
تنجيزيًا الآن وليس معنويًا. يبقى هناك فرق بين التعلق التنجيزي والتعلق المعنوي. التعلق التنجيزي يعني التعلق الحاصل، التعلق الآني، التعلق الفعلي. فاجتماعنا سويًا الآن هو تنجيزي ناجز، ناجز يعني حاصل. أي ليس مقدراً بل محققاً، حسناً، وإذا اجتمعنا غداً في درس، فسيكون ذلك معنوياً،
أي صلاحياً، بمعنى أنه يصلح أن نجتمع غداً كما اجتمعنا اليوم. فهناك تعلق تنجيزي أي حاصل وفعلي، وهناك تعلق صلاحي أي بالقوة، بمعنى أنه لم يحدث بعد. لم يحدث إلى هذه الساعة، وسيحدث غداً. مثل صلاة الظهر التي صليناها أمس. فعلي هذا فعلاً حصل محقَّق. صلاة الظهر التي سنصليها اليوم مقدَّرة صلوحية. "صلوحي" يعني ماذا؟ يعني صالحة لأن أفعلها. فالتعلق بصلاة الظهر اليوم هو تعلق معنوي أو صلوحي أو تقديري، والذي
هو لصلاة أمس هذا فعلي يعني محقَّق تنجيزي. كلام ربنا في الأزل وليس الآن، في الأزل إقامة صلاة الظهر. متعلق بالمعدوم بما لم يحدث بعد تعلقاً تنجيزياً، تنجيزياً كيف؟ ما هو لم يحدث بعد، فيكون صلوحياً معنوياً بالقوة بالتقدير. هذا معنى معنوي صلوحي تقديري، كل هذه معناها واحد. إذاً التعلق، الثابتة لا تعرف ذلك، الثابتة لن تعرفها تنجيزياً حتى عندما تسمع الكلمة تدور: تنجيزي ومعنوي أو صلوحي أولاً.
من يسمعها يحاول لماذا لا يفهمها؟ لم يُخبره أحد. حسناً، لنفترض أنه لا يفهمها ولم يُخبره أحد، ماذا سيحدث؟ سيحدث - والعياذ بالله - أنهم يصفون الله بما لا يليق به، فيقولون بحوادث لا أول لها، لأنه لا يعرف التنزيهي من الصلوحي، ولا الصلوحي من التنزيهي. فعنده "الرحمن على العرش استوى" قال. يجب أن يكون العرش مع ربنا دائماً. كيف قال: "الرحمن على العرش استوى"؟ فهو مستوٍ دائماً. أي أنه بالأمس كان في العرش، وقبل الأمس كان في عرش، وقبل ذلك كان في عرش. قلنا له: هذا الكلام لا يقوله المجانين، والله المجانين
لا يقولونه. معنى هذا أن كل محقق قبله. محقق يكون قديم قال هذه ورطة، دعها قديمة بالنوع. فما زال ينشئ عرشاً بعد أن أهلك عرشاً، ما زال ينشئ عرشاً بعد أن أهلك عرشاً في الزمن الماضي. يعني العرش قديم، يعني أشركت بالله وأنت تدعو إلى توحيده. هو ليس منتبهاً، مسكين! هو ليس مشركاً ولا شيء، إنه ثعبان. لكني لا أعرف كيف يفكر الثعبان. هذا عربي، إذا لا بد علينا أن نلتفت إلى أن فقد المفاتيح
سيؤدي بنا إلى غير مرادنا. ما هو مرادنا؟ توحيد الله ورضا الله ورسوله عنا. نهايتها هكذا، هذا يؤدي إلى العكس، يؤدي إلى أن تقع في الشرك دون أن تدرك وأن تعلم، فاتق الله في نفسك. ما كان الذي يفعله العلماء عبر العصور هباءً، هؤلاء الناس حبسوا أنفسهم على العلم. الشيخ خليل جلس هنا في الأزهر لا يخرج ولم يرَ النيل وهو كان في شارع بورسعيد الخليج عشرين سنة حتى وضع متنه "متن خليل" في المالكية. خليل الجندي بقي في هذا المسجد عشرين سنة
لم يخرج. عشرين سنة قائم نائم أكل شارب يذاكر في الليل والنهار بالصبح والمساء. العلماء ما كانوا يلعبون، كانوا يبنون ما تهدمه النابتة الآن من أجل دراهم معدودة، فحسبنا الله ونعم الوكيل. ها هذا يقول أن الخطاب عندنا يتعلق بالمعدوم تعلقاً معنوياً، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول أوصيكم. بتقوى الله متعلق بنا وقد كنا معدومين عند نطقه الشريف بهذا، هو
كأنه يخاطبنا الآن لأن خطابه الدال على خطاب الله تعلق بنا في حالة العدم تعلقاً معنوياً، أو أننا كنا في أيامه لا يقول بهذا عاقل، نحن هنا بعد ألف وأربعمائة وإحدى عشرة سنة أو اثنتين وثلاثين سنة. وأضف إليهم أيضاً ثلاثة عشر من البعث. إذا كان كلامه متعلقاً بنا في حالة العدم تعلقاً معنوياً لا تنجيزياً، فإذا جاء أحدهم وادعى أننا بذلك قد دخلنا في حالة الإنجاز والتنجيز، إذاً نحن أصحاب اضطراب،
الذي فقد الفرق بين المعنوي والتنجيزي فقد مقررات العقل الأصلية، ولذلك لا يفهم. فإذا كل كلمة... وكل حرف كتبها الشيخ زكريا الأنصاري هي تبني العقل وتبين كيفية التفكير المستقيم، ووراء كل كلمة معانٍ لا نهاية لها وجمل لا نهاية لها من تصحيح المعتقد ومن تصحيح إدراك الأحكام الشرعية المرعية ومن تصحيح الأخلاق التي بُعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفقد هذا هو فقد للدين. بحاله هذا هو الذي يقولون
لنا: لماذا أنتم غاضبون من النابتة؟ لماذا تغضبون عليهم؟ أليسوا دعاة؟ أليسوا رعاة؟ أليسوا فضلاء؟ ما هذا إلا علمٌ يهدم وعدوانٌ على الأكابر وانحرافٌ عن المنهج الصحيح. يجب علينا أن نعيد وأن نزيد في هذا مرة أخرى، وأن يتصدر من عنده العلم ليعلّم من لا يعلم. علمٌ عنده بالمعدوم تعلقاً معنوياً، يعني ماذا؟ المعلوم أصل علم الله أوسع من المعدوم، ولزومه ماذا يعني؟ يعني المعدوم
عندما يوجد سيكون هناك تعلق. ماذا؟ هذا يُستفاد من الألف واللام. الألف واللام هنا تفيد هذا المعنى لأنها في الألف واللام تدل على العهد الذهني والعهد الحضوري، وهذا يكفيه الألف. واللام في كلمة المعدوم فإن اقتضى فعلاً غير كف اقتضاءً جازماً فإيجاب، أو غير جازم فندب، أو كفاً جازماً فتحريم، أو
غير جازم بنهي مقصود فكراهة، أو بغير مقصود فخلاف الأولى، أو خير فإباحة. فهذه أحكام خمسة فرّعها الشيخ إلى ستة حيث أنه قسّم المكروه إلى ما سماه مكروهاً وخلافاً. الأولى وجعل الفرق بينهما القصد وعدم القصد، وتكلمنا في السابق عن حكم الله وأن هناك فرقاً ما بين الحكم القائم بذاته وهو قديم نطلق عليه: وجوب، حرمة، كراهة، ندب، إباحة، وبين متعلق الحكم وهو صفة فعل المكلف وهو
حادث، فيكون هناك: واجب، وحرام، ومندوب، ومكروه، ومباح، فهناك فرق بين الحكم. وبين متعلق الحكم، فالحكم قديم ومتعلق الحكم حادث. الحكم قائم بذاته سبحانه حتى قبل خلق الخلق، ولكن متعلق الحكم هو صفة لفعل المكلف: الصلاة واجبة، السرقة حرام، الغضب مكروه، إلى آخره. إذاً فهناك فارق بين الحكم وبين متعلق الحكم، وهنا أراد أن يعرف الأمر وما يترتب عليه. من
طلب والنهي وما يترتب عليه من ترك والتخيير والإباحة فقال: فإن اقتضى يعني الخطاب فعلاً غير كف، فعلاً غير كف، هم يقولون ماذا؟ يقولون خطاب اقتضى فعلاً غير كف مدلول عليه بغير كف ونحوها، هذا يكون الأمر. هنا أخذ هذا من جمع الجوامع وقال: اقتضى فعلاً، يكون الخطاب اقتضى. فعلاً ولم يقتضِ تركاً، فعندنا هناك خطاب يقتضي
فعلاً: صلِّ، صُمْ، حُجَّ، وهناك خطاب يقتضي تركاً: لا تشهد شهادة الزور، لا تسرق، لا تقتل. إذا اقتضى فعلاً غير كف، يعني ليس تركاً، اقتضاءً جازماً، اقتضى اقتضاءً جازماً. الاقتضاء هو الطلب، اقتضى اقتضاءً يعني طلب طلباً جازماً، يبقى طلب الفعل طلباً. جازماً معناه هكذا طلب الفعل طلباً جازماً، فإيجاب يسمّي بعضهم الوجوب، بعضهم يقول الوجوب والإيجاب بمعنى واحد، وبعضهم يقول إن
الإيجاب أثر الوجوب. وجوب تصبح مصدراً والإيجاب اسم مصدر. الفرق بين المصدر واسم المصدر: المصدر يدل على الحدث واسم المصدر يدل على أثر الحدث. احفظ هذه ودع عنك كلام ابن عقيل. هناك ما يُربك الذي لا يمكن إرباكه، لكن احفظ الكلمة، إنها سهلة. فـ"جَرْح" تعني عملية الجرح، وهو مصدر لأنه دل على حدث. ما الذي حدث؟ جَرْح، فيكون "جُرْح" اسم مصدر. الأمر سهل جداً: "جَرْح" مصدر و"جُرْح" اسم مصدر. "إعطاء"، "أعطيته"
هكذا، "عطية"، فيكون الذي حصل من الإعطاء هذا كان ماذا؟ الهدية أو... العطية اسم مصدر، فلنحفظ أن المصدر ما دل على حدث، واسم المصدر ما دل على أثر الحدث الناتج عن الحدث. سهلة جداً، وليست مسألة مقارنة الحروف ورؤية الزيادة هنا والزيادة هناك. صحيح أن كلها صحيحة، لكنها توصلك إلى الأمر من أبعد طريق أحياناً في بعض الحالات. كان العلماء يصعِّبون الآية والعلم قليلاً حتى لا يدركها السُّفَلة. أتفهم يا صديقنا؟ لأننا يعني نعم، كانوا يصعِّبون العلم
قليلاً. لكننا ماذا نفعل نحن؟ نيسِّر العلم نعم، حتى يتعلمه الجميع. وندعو الله سبحانه وتعالى أن يبارك في هذا الجمع، وأن يجعله في ميزان حسناتنا يوم القيامة، وأن يلحقنا به. بسيدنا صلى الله عليه وسلم كان الشيخ أبو إسحاق الإسفراييني يقرأ الفاتحة يحيط بها تلاميذه كل مرة هكذا أول ما يأتي يقرأ الفاتحة يحيط بها تلاميذه يعني يصد عنهم العين فاللهم من كان منا فليستمر معنا ومن لم يكن كذلك فلينقنا الله منه. كفاية عليكم هكذا اليوم غداً
إن شاء الله. هَيَّا نكمل إذاً.