غاية الوصول شرح لب الأصول | حـ 7 | أ.د علي جمعة

قال المصنف رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين: والسبب وصف ظاهر منضبط معرف للحكم. هذه
صفاته أن يكون ظاهراً وليس خفياً. السبب دلوك الشمس سبب ظاهر، والظاهر معناه المدرك بالحس المعتاد، هذا معناه هو الظاهر. عندما أسمعك تقول لأخيك: بعتك هذا الكتاب، وأسمع أخاك يقول: اشتريت منك. هذا الكتاب إذا هُدّ
لا يكون هناك رضا وأنا أصلاً لم أطلع على هذا الرضا لأنه أمر داخلي باطني لا مشاهدة له ولا سماع له ولا إدراك لي ظاهراً عليه، فتأتي الشهادة. فالسماع هو سبب الشهادة عندما يسألني القاضي، يسألني: هل سمعت الأول يبيع للثاني وأن الثاني قَبِلَ من الأول؟ شهدت، هل كان في رضا؟ لا يسأل القاضي هذا السؤال ولا يجوز له أن يسأل هل كان في رضا. لا أعرف ولا يعرف أحد إلا
الله. فلعل هذا الكتاب أن يكون عزيزاً عندي وأنا أبيعه من أجل احتياجي إلى ثمنه، فهل يبطل البيع؟ لا، أنا راضٍ، يعني بمعنى أنني غير... مكره بمعنى أنني أريد البيع، لكن الرضا التام غير موجود. أنت اشتريته بسعر قد أرغب أنا في سعر أعلى منه، وقد يحدث العكس: أنك عرضت سعراً ما خطر في ذهني أبداً أنه سعر عالٍ، فأنا وأنا أبيعه فرِح. فهل أنا فرحٌ أم حزين؟ راضٍ تمام الرضا أم بعض الرضا؟ لا كل هذه أمور باطنية، فالعقود
ألفاظ، والعقود هذا الذي قال فيه بعتك واشتريت بمبلغ كذا بكذا إلى آخره، والسلعة حلال، والثمن والمثمن حلال. إذاً هذا وصف ظاهر، فهو سبب. فالألفاظ هذه سبب لانعقاد العقد، والألفاظ هذه عندما سمعتها سبب للشهادة. فالسبب وصف ظاهر، وكلمة ظاهر تعني مدرك بالحس المعتاد. مدرك بالحس المعتاد، حسناً هل هناك حس غير معتاد؟ نعم، أن يكون أحدهم لديه كفاءة من عند الله تعالى ينظر إليك
فيرى قلبك ويقول لك: أنت غير مرتاح. إنها الفراسة، يعني أنت ظهرت عليك علامات فتقول له: من الذي أخبرك؟ هكذا هو الأمر. "اتقوا فراسة المؤمن"، ورد هكذا. النابتة تقول ضعيف جداً ولا تأتِ على لسانك يا سيدي الله يحفظك، نحن لم نقل قال رسول الله، بل قلنا اتقوا فراسة المؤمن. اعتبرها حكمة، اعتبرها... لا، ولكن هذا ضعيف وهكذا أتعبونا. يكون الوصف الظاهر مُدرَكاً بالحس المعتاد. حسناً، لماذا خصصت بالمعتاد؟ لمَ لا تقول بالحس وكفى؟ قال: لا، إن هناك حساً معتاد رأيناه هو أن يدرك حالك هكذا متضايق حزين بكذا، لكن هذا لا يصلح أن يُشهد به ولا يصلح أن تُبنى عليه العقود، بالرغم من
أنه لا يخطئ، نعم بالرغم من أنه يخطئ، لكننا أُمرنا بضبط الظاهر حتى لو لم ننكر مثل هذه الكفاءات أو الطاقات أو شيء من هذا أساساً للمعاملة يكون لا تنكرها ولا تعتمد عليها. طيب، وصف ظاهر يعني مُدرك بالحس المعتاد. وضربنا الأمثال، منضبط هناك منضبط وهناك مضطرب. المضطرب هذا يعني لا تستطيع أن تحدده، والمنضبط تستطيع أن تقيسه.
السفر إذا سافرت خمسة وثمانين كيلومتراً جاز لك قصر الصلاة، جاز لك. الإفطار ولو في رمضان بشروطه خمسة وثمانون، نعم هذا منضبط، خمسة وثمانون أنت استطعت قياسه واستطعت ضبطه، خمسة وثمانون، فهو إذاً منضبط قابل للقياس، قابل للعد، قابل للإدراك، قابل للضبط والتحديد. حسناً، عندما تكون في السفر
أجاز الله لك الإفطار بسبب المشقة، والمشقة أمر غير منضبط، أنا قوي. الجسدُ ضعيفٌ وأنا ضعيفُ الجسدِ، وأنا غيرُ صحيحٍ وأنا مريضٌ. سفرُ الملوكِ غيرُ سفرِ الصعلوكِ، سفرُ الملوكِ مُرفَّهٌ ومعه خدمٌ وحشمٌ وسياراتٌ وطائراتٌ، يُمكن ألا يشعرَ بمشقةٍ، ولا شيءَ، ولا توجدُ مشقةٌ نفسيةٌ بالبُعدِ عن الديارِ والأحبابِ. قد يكونُ السفرُ قطعةً من العذابِ، وقالت عائشةُ: "لو
شئتُ لقلتُ". العذاب قطعة من السفر، فإذا كانت المشقة غير منضبطة وغير مقيسة، لا أستطيع أن أقول كم وحدة واحدة، كم واحدة واجهت من المشقة. ليس هناك شيء مثل هذا، فأنت تقول عشرة وزميلك يقول خمسة عشر وهذا يقول عشرين، لا يوجد شيء مثل هذا، ولذلك فالمشقة أمر غير منضبط يختلف باختلاف صفاء الزمن يختلف شتاءً باختلاف المكان من بعد وقرب، وباختلاف الأشخاص من قوة وضعف، وكذلك إلى آخره، وتحمل ونفسية وإرادة ورغبة، وباختلاف
الأحوال من صحة ومرض ومن سلم وحرب. تختلف هذه الأمور، لكن الذي لا يختلف هو السفر، فالسفر منضبط. وهل هو ظاهر أيضاً؟ يعني هل هو قابل لإدراك الحس؟ اجعله على صفر وسِر بسرعة خمسة وثمانين. هذا المكان يكون إذا كان ظاهراً منضبطاً صالحاً لأن يكون سبباً. فإذا كان غير ظاهر أو غير منضبط فإنه لا يُعرف الحكم. فإذا كان ظاهراً منضبطاً كان معرِّفاً للحكم. إذاً السبب وصف ظاهر
منضبط معرِّف للحكم، هذا هو السبب. إياك أن تفقد. شرطاً من تلك الشروط، فلو سألك أحدهم عن سبب حرمة الخمر، ماذا ستقول؟ تقول: الإسكار. وصف ظاهر يُدرك بالحسّ. أقول: الله، هذا شخص سكران. لماذا يمشي بغير اتزان؟ يده هنا ورجله في الناحية الأخرى، لأن الخمر قطعت الاتصال بين العقل وبين انتظام السير،
فهو يمشي مترنحاً. إذن هذا سكران، ها هو ظاهر مدرك بالحس. الجماعة يقولون مرور، عندما يمسكون السائق الذي يشرب، يريدون ألا يقود أحد وهو شارب أو سكران، فيقول له: قل حاحا، قل حاحا هكذا، حتى يشم رائحته. فهو مدرك إذاً بالحس المعتاد الظاهر. وصف ظاهر ومنضبط لأنه مقيس، لأنك تستطيع قياسه، يأخذون عينة من دمه. ويفسّره بقوله: إنه سكران، نعم، فهذا يصلح للقياس سواء بالحس المعتاد أو من
ناحية الضبط. حسناً، وذهاب العقل؟ لا، هذا يقود السيارة، إنه شارب خمراً ويقود، والقيادة هذه صعبة جداً لأنه يحتاج أن يتحكم أو أن يستعمل كل حواسه: عينيه ويديه ورجليه وعقله وتركيزه، إذاً هو لم يذهب عقله. لا، ليس ذهاب العقل، هذه مرحلة من مراحل السُّكر، سَمَّوْه السُّكر البيِّن. وعندنا في العامية يقولون: "هذا سكران طينة"، كلمة "الطينة" هذه، سكران طينة، هذا شيء آخر. ذهاب العقل هذا الحكمة، قد لا تكون
ظاهرة وقد تكون غير منضبطة. إذاً ليست هي السبب، هو السُّكر، والسبب هو السفر، السببُ الألفاظُ وليس الرضا. فلقد ميَّزنا الآن بين السبب من كونه وصفًا ظاهرًا منضبطًا معرِّفًا للحكم، وبين ما يمكن أن نسميه بالحكمة وليست السبب. والحكمة هي الوصف المناسب للحكم، وصفٌ مناسبٌ يشتمل عليه السبب لكن ليس هو السبب، إنما يشتمل عليه. إذًا السبب وصفٌ ظاهرٌ منضبطٌ معرِّفٌ للحكم، والشرط ما
من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، الشرط هذا وصفه أنه إذا لم يوجد، عُدم المشروط، وإذا وجد فالشيء قد يوجد وقد لا يوجد. وهنا فارق الشرط الشرعي الشرط اللغوي. الشروط اللغوية أسباب شرعية. اكتب هذه القاعدة: الشروط اللغوية أسباب شرعية، لأنه يُستفاد من.
وجودها الوجود ومن عدمها العدم، نعم، هذا سبب، هذا الذي نسميه عندنا نحن سببًا، هناك في النحو يسمونه شرطًا. فالشرط اللغوي سبب شرعي، لكن الشرط الشرعي ليس شرطًا لغويًا لأنه ليس سببًا. لماذا فُرِّق السبب؟ في ماذا؟ أنه يلزم من عدمه العدم ويلزم من وجوده لا شيء، أما الشرط... اللغوي فيلزم من وجوده الوجود، نعم فارق في الوجود. لماذا اخترنا هذا المصطلح؟ في الأصول اختاروا كلمة الشرط للوضوء، فالوضوء شرط من شروط الصلاة. أنا متوضئ الآن، أنا على وضوء، لكن لا
أصلي الظهر. لماذا؟ لأن الظهر لم يُؤذَّن لها بعد. إذن الظهر هو واجب موسع، لن أصليه الآن، فإذاً... الوضوء موجود لكن الصلاة غير موجودة، إما لأن الوقت لم يدخل، وإما لأنه واجب موسع، وإما لأي سبب كان. فإذا كنت غير متوضئ، نعم لا توجد صلاة، فالأذان قد أُذِّن ويجب عليك أن تتوضأ. وإذا لم تكن متوضئاً فلا توجد صلاة، وبالتالي يلزم من عدمه العدم، لكن وجوده لا يستلزم منه شيء، هذا هو الشرط في الفقه، يتم
الاستعمال بين المعنيين: مرةً يتكلمون عن الشرط بالمعنى الشرعي، ومرةً يتكلمون عن الشرط بالمعنى اللغوي. فتنبَّه عندما يأتي في العقود ويقول أن فيها شرطاً، لا، هذا ليس شرطاً شرعياً، هذا شرط لغوي: إن فعلت كذا سيحدث كذا، إذا لم تفعل كذا فلا. يحدث كذا في العقود إذا خرجت من البيت فأنت طالق، هذا هو السبب، هذا هو الشرط اللغوي. يصبح إذاً الشرط في الفقه يُستعمل بمعنيين: معنى شرعي ومعنى لغوي. وانتبه
إلى هذا، كن حذراً، لا تحمل كل ما تراه في الفقه من كلمة "شرطاً" على المعنى الشرعي، فقد يكون مقصوداً به وقد يكون على اللغوي أن يتنبه، فائدة الدرس هكذا: الوضوء شرط صحة للصلاة، نعم هذا شرط شرعي. وإذا كان شرطاً في العقد كذا وكذا، فلا، هذا شرط لغوي. فيجب أن تفهم المعنى المراد في الكتاب حتى تصنف ويكون لديك المعنيان الشرعي واللغوي، فتنبه بالنية.
يعني أنت الآن تريد أن تسافر وثمانين كيلومتراً. هذه الإرادة تجعلك تقصر وتجمع الصلاة عند الشافعية من قنطرة المدينة أول ما تعبر البوابات. قبل البوابة تصلي أربع ركعات، خطوت خطوة هكذا وعبرت البوابة تصلي ركعتين. وأنت في المطار قبل أن تُختم الجوازات تصلي أربع ركعات، وبعدما يُختم جوازك وذهبت إلى الترانزيت خطوة هكذا، خطوة ها هي، سفراً هو خمسة وثمانون كيلومتراً أو أكثر، فليست مسألة أثنائها وليست أثناءها، بل إنك ستبدأ السفر من حيث نويت السفر، ولكن بعدما غادرت حدود
المدينة، نذهب إلى الجهة التي نحن متجهون إليها. هذا ما نسميه الترحال، وأيضاً هو ترحال. حسناً، والترحال مصدر وليس اسمه. حسناً، ذهبت إلى لندن لتتعلم فيها. لمدة سنتين انتهت مرحلة الترحال، فستجلس وأنت تنوي أن تمكث في هذه المدينة أو في هذا البلد وتستوطنه لمدة سنتين، فلا قصر ولا جمع. إذا كنت تنوي البقاء في هذه المدينة ثلاثة أيام من غير يومي الدخول والخروج تقصر الصلاة وتجمع عند الشافعي، أما أبو حنيفة فليس لديه هذا الجمع. والمدة خمسة عشر يوماً لا مانع فيها، لكن الإمام
الشافعي ومعه الجمهور مالك وأحمد، ولكن في التفاصيل يقول لك ثلاثة أيام من غير يومي الدخول والخروج. البعض قال عشرين صلاة، والبعض الآخر قال كذا، لا عليك. إذا دخلت يوم السبت تعد الأحد والاثنين والثلاثاء، وستخرج يوم الأربعاء، فيكون لك أن وليس واجباً، فإذا أتممت الصلاة فلك هذا، وإذا صليت خلف مقيم أقمت ولا بد، فإذا صليت خلف مقيم الظهر ثم جمعت معه العصر مقصوراً فلا بأس. ثلاثة أيام من غير يومي الدخول والخروج، هذا في حال الحل، يبقى في حال حل وحال ترحال، الذي هو المسافة والمانع، نعم
عندنا. ليس هناك فرق، السبب عندنا هو العلة، والعلة هي السبب. طيباً، والمانع، انظر في الشرط لم يقل وجودي من عدم، لكن هنا في المانع قال وصف وجودي. لماذا قالوا؟ لأن الشرط قد يكون عدمياً وقد يكون وجودياً. كيف هذا؟ قالوا: يقول ويشترط في الأصل ألا يكون خارجاً عن سنن القياس. إلا هذا عدم، فيكون إذا
الشرط قد يكون عدمياً يشترط إلا إذا لم يحدث شيء. قالوا: كيف يشترط العدم؟ كيف يشترط العدم في شيء وجودي؟ قالوا: هناك فرق بين العدم المحض وبين العدم النسبي. العدم المحض قبل الخلق عدم محض، ثم قال: "كن فيكون"، فخلق. عدم محض، لكن العدم. النسبي موضوعه موجود: عدم الأمن، عدم
الصحة، عدم المال. ما الموضوع؟ من قال لك أنه هنا عدم مال؟ في الفقر. من قال أنه ليس هنا أمن؟ في المظاهرة، الاضطراب، الشجار. من قال أن هنا عدم صحة؟ المرض. ما هو المرض؟ موجود. إذاً العدم النسبي موضوعه موجود، لكن العدم المحض. موضوعه ليس موجوداً، إذاً فإن هذا الشرط العدمي هو عدم نسبي وليس عدم محض. عدم نسبي، عدم نسبي، وبذلك تُحل هذه الإشكالات.
نعم، والمانع وصف وجودي ظاهر منضبط معرف نقيض الحكم. معرف نقيض الحكم وليس الحكم نقيض، فمانع الصلاة يقول إن هذه الصلاة لا تصح، وليس أن الصلاة كان هناك مانع في حدث يجعل الصلاة غير صحيحة، كالقتل في الإرث، فالقتل يمنع الإرث ويمنع الشخص من الميراث. واحدة من علل ثلاث: قتل، ورق، واختلاف دين، فافهم،
فليس الشك كاليقين. فالقتل - شخص قتل مورّثه - القتل هنا يمنع الإرث، وهو وصف وجودي ظاهر منضبط معرّف لنقيض الحكم، فعندما المانع أَعطِنا الميراث.
قال المصنف رحمه الله تعالى ونفعنا الله بعلومه في الدارين آمين، والسبب