غزوة بدر | المبشرات | حـ 22 | أ.د علي جمعة

غزوة بدر | المبشرات | حـ 22 | أ.د علي جمعة - السيرة, المبشرات
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. حلقة جديدة من حلقات المبشرات مع فضيلة الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. أهلاً بحضرتك، أهلاً وسهلاً بك، أهلاً بكم. كنا يا مولانا، تحدثنا في اللقاء السابق ووصلنا إلى أن هناك معجزات تحدث في نفس الزمان ومعجزات ممتدة إلى آخر الزمان. عندنا رب العزة تبارك وتعالى قال: "سيهزم الجمع ويولون الدبر"، بشارة بأن القوم أو الجمع من المشركين في بدر سيهزمون. نريد أن نبدأ يا مولانا من المبشرات عن غزوة بدر في غزو بدر، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. كما ذكرنا من قبل، هناك مبشرات كانت قبل النبوة، نعم قبل النبوة، وهناك مبشرات مع النبوة، وهناك مبشرات بعد النبوة.
وقد تكلمنا عن بعض المبشرات وليس كل المبشرات، فهذا شيء لا بعض المبشرات التي كانت قبل النبوة سواء كانت في الكتب وهذه تجاوزت الزمان والمكان أو سواء كانت إرهاصات للنبوة وهذه بالنسبة إلينا أخبار وهذه الأخبار نضعها في مكانها الصحيح وإن كنا نؤمن بها إلا أننا لا نعتمد عليها في جدالنا أو في عرضنا أو في دعوتنا إلى هذا الدين الكريم. القضية الثانية هي المبشرات التي كانت مع النبوة. هذه المبشرات تمثلت في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كيف تكفرون وأنا فيكم"، يعني أنه ليل نهار يخبر بالحق، والإخبار بالحق بدأ معه صلى الله عليه وسلم بالرؤية الصالحة في
إعداد لسيدنا رسول الله، جاء من الرؤية. التي كان يقوم فيراها مثل فلق الصبح. أتذكر أننا سألنا شيخنا أنه ظل ستة شهور يرى كل يوم. ستة شهور في ثلاثين يوماً تكون مائة وثمانين رؤية، فتكون كفلق الصبح. ما هذه الرؤى التي رآها عليه الصلاة والسلام؟ سؤال: هل ورد في كتب السيرة وفي كتب الأحاديث بعض هذه؟ الرؤى أو تفصيل لها وتفصيل لها نعم. فالشيخ أجابنا حينها بإجابة مذهلة، قال:
"لا، أنتم لستم منتبهين لمعنى الحديث، ولذلك تسألون هذا السؤال". يعني فهم من سؤالنا أننا هكذا لا نفهم معنى الحديث. حسناً، ما معنى الحديث؟ قال: "لا، ليس المقصود أنه يرى رؤى معينة حتى يحكيها أو..." يرويها عنه الرواة أنه يرى ما سوف يحدث غداً، نعم يرى ما سوف يحدث غداً. يعني هو في المنام رأى أنه سوف يذهب إلى الكعبة فيجد هناك أبا بكر فيصافحه، فيستأذن منه أبو بكر لكي يذهب ليلتقي مع شخص أتى له ببعير أو أي شيء من هذا القبيل، فيستيقظ عليه يجد
هذه الأحداث تدور تماماً، نعم، ولمدة يقظته، نعم، يعني هو مثلاً لو نام ثماني ساعات واستيقظ ستة عشر ساعة، ففي الثماني ساعات يرى رؤية تصف الستة عشر ساعة هذه، بحيث أنها كلها بتفاصيلها تتم. الحالة هذه إذا حدثت لي فعقلي يذهب ويجيء ويقول ماذا يحدث؟ وقد حدث لي انفصام في الشخصية، فأنا أتخيل أن ما أراه الآن قد رأيته بالأمس. يحدث هذا، وعلى فكرة، هذه شكوى من الشكاوى التي يذهب بها بعضهم إلى الطبيب النفسي. لماذا؟ لأنها حدثت له مرة، لكنها حدثت للنبي مائة وثمانين مرة عليه الصلاة والسلام. هذا يعطيك انتباهاً
بالعظمة، فأنت يُكشف لك غيبيات، هذا خلاص، عوده على تلقي الغيب جميل، دربه على ترقي الغيب، هذا لا ينفع أن ينكر. نعم صحيح، هذا لم يرها مرة كي يذهب ويشكو: "أنا يا إخواني عندي هكذا صداع وعندي يعني شيء هكذا غير غريب، شيء أنا رأيته بالليل وبعد ذلك أراه بالنهار، يا ترى أنا...". أتتخيلني أم ماذا؟ لا، لست أتخيلك لأنك سترى الثانية والثالثة والعشرة والعشرين والثلاثين والخمسين والمائة وهكذا. أنت لست متخيلاً، هذا واقع وحق. حسناً، ما هذا إذن؟ كيف أرى ما سيحدث غداً وهو لا يعلم الغيب إلا الله؟ إذن الله هو الذي يخبر، الله هو الذي كشف عنك وعن نفسيتك. ولذلك قل: "إنما أنا بشر مثلكم
يوحى إلي"، جميل. فيأتي واحد مرة، واحد من الأدباء قال: "قل إنما أنا بشر مثلكم"، ها هو لم يقل "يوحى إليه"، يريد أن يقول يعني: أنا بشر مثلكم، رأسنا برأسه هكذا، ووجهاً لوجهنا. لا يا أخي، فثار عليه العلماء وردوا عليه رداً بليغاً وقالوا: إلى كثير جداً من الناس الآن مساكين يظنون هكذا، يقول لك: الله أليس بشراً مثلنا؟ لا، ليس مثلنا. نعم هو بشر، ومثلكم في البشرية، نعم يصيبه المرض، ولو أننا جرحناه ينزل دم، لكنه قال: "لست كهيئتكم، إنما أبيت عند ربي يطعمني ويسقين" وقال: "إنما تنام عيناه". وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ، طَهَّرَ اللَّهُ جَسَدَهُ
الشَّرِيفَ فَشَقَّ صَدْرَهُ وَأَخْرَجَ الْمُضْغَةَ مِنْهُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مَرَّةً فِي مَضَارِبِ بَنِي سَعْدٍ وَمَرَّةً عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَمَرَّةً قَبْلَ الْإِسْرَاءِ. عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الْجِسْمَ الْبَشَرِيَّ الَّذِي لَنَا هَذَا لَوْ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ يَنْزِلُ مِنْهُ دَمٌ يُسَمُّونَهُ مَرَضَ الصُّنْدُوقِ "سِيكْ بُوكْس"، مِن الضغطِ الجويّ يعرقُ الإنسانُ دماً، لكنْ هذا لم يحدثْ معه، بل ارتقى به في مراقي السماواتِ السبعِ إلى سدرةِ المنتهى وجسمُه كما هو، صلى الله عليه وسلم. نعم، إنه بشرٌ مثلُنا، ينامُ ويأكلُ ويشربُ ويمرضُ ويُسحَرُ وما إلى ذلك، ولكنه مع هذه المماثلة، إلا أنه عند الله طاهرٌ مطهَّر. قوي وهكذا
يعني إذا هذا هو مثلكم ولكن يوحى إليه. معدل الوحي فكان الوحي إذا نزل عليه صلى الله عليه وسلم كبركة البعير. طيب، جسمه لم ينكسر لماذا؟ لأنه معد لأنه مهيأ. نعم، كان صلى الله عليه وسلم تجري على يديه المعجزات فينبع من بين يديه الماء. كان صلى الله عليه وسلم، يعني ما هذا؟ إذن هو بشر مُسلَّم به في البشرية، لكنه مُعَدّ ومُهيَّأ من أجل أن يوحى إليه، وهذا الوحي الذي أُوحي إليه احتاج أن يُعَدّ جسده الشريف إعداداً معيناً حتى يكون أطهر الأجساد، وحتى يكون ظاهره كباطنه، وحتى ينام عند ربه - تنام، ينام - تنام عيناه قلبه وحتى يكون عند ربه يطعمه ويسقيه، وحتى تكون كل
هذه الأشياء قد خلقها الله في هذا الجسد من أجل الوحي والمعجزة. جميل، إذاً هذه مبشرات. عندما أقول هذا الكلام، يقوم شخص ما ويقول لي: "لكن هذا ضد المادية". ما شأني بالمادية؟ فأنا لدي نموذج أفسر به. ما حدث لا يُنكر المعجزات كما أنكروا المعجزات، ولا أنكر الوحي كما أنكروا الوحي. أقول له: لا، هذا الكلام الذي أقوله يفسر لي حادثة شق الصدر ولماذا كانت، ويفسر لي لماذا يشرب عبد الله بن الزبير الدم فيضحك رسول الله، ويفسر لي لماذا تحمّل سيدنا رسول الله الرحلة. الإسراء والمعراج لماذا تحمّل الوحي، لماذا تحمّل كذا، لماذا تجري الماء من بين يديه، لماذا يتكسر الماء فيُطعِم الجيش؟ كل
هذه الحقيقة أنها من المبشرات. جميل حقاً عندما نأتي ونرى أنه كان من المبشرات، وأنه أخبر أن كذا سيكون. هذه مسألة سهلة جداً، هذه بسيطة بالنسبة لهذه البسيطة. خالصاً من أنه قد انكشف له الحال. حسناً، نستكمل المبشرات التي كانت مع بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفاصل إن شاء الله. فاصل. نعود إليكم فابقوا معنا. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عدنا إليكم من الفاصل، الجزء الثاني من حلقة اليوم من المبشرات مع فضيلة الإمام الأستاذ. الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية، يا مولانا فضيلتك، كنت تشرح لنا المبشرات التي حدثت مع وجود الرسول عيسى عليه السلام. وكنت فضيلتك قد ذكرت لنا رداً على تساؤل للشيخ عن ستة شهور كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرى فيها الرؤيا فيصبح يجدها واضحة كفلق الصبح. هل يا مولانا سنة نبوة، هل هذا الحديث الذي يقول: "ذهبت النبوة ولم يبق إلا المبشرات وأن
الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة"؟ ستة أشهر مقلقة، هكذا قال شراح الحديث، هكذا قال شراح الحديث، نعم، إنها ثلاثة وعشرون سنة، نعم، وأن هذه ستة أشهر، وجعلوه من دلائل النبوة، من دلائل. النبوة، لأنه عندما قال هذا كان يعرف متى سيموت بالفعل، فلما مات على رأس الثلاثة والعشرين عاماً، ومنهم ستة كانوا خالصين للرؤية، دلّ ذلك على أن الأمر فيه وحي، ما شاء الله، صحيح جميل. فالنبي لم يكن بإمكانه أن يعرف أنه سيموت وعمره ثلاثة وستون عاماً عليه السلام والستة أشهر نصف سنة مقارنة بثلاثة وعشرين سنة يعني جزء من ستة وأربعين بالضبط. جميل بالقياس، وهكذا يقول الشراح للحديث ويجعلونه من دلائل النبوة عليه الصلاة والسلام. يجعلونه من دلائل النبوة، أي الإخبار بالغيب الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كثيراً، أي منها
غلبت الروم في أدنى الأرض وهم. من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين، وفيها مراهنة أبي بكر للمشركين والتحدي، فقد كان المشركون يقفون مع فارس ضد الروم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يميل إلى الروم باعتبارهم أنهم يؤمنون بالله ويؤمنون بالكتاب ويؤمنون بنبوة ويؤمنون بيوم آخر ويؤمنون لا أنهم. من أهل الكتاب والفرس يعبدون النار كما يعبد المشركون الأصنام، أي أنهم متأخرون قليلاً لأنهم أيضاً لديهم كتاب ولديهم عدة أمور، لكن هناك بعض الكلام المختلط قليلاً، لذلك قال: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" ولكن ليس في كل شيء، إنما سنة أقل من سنة أهل الكتاب، والتفاصيل في الفقه النبوي. صلى الله عليه وسلم عندما يُخبر بهذه الأخبار فهي من عند الله وهي من المبشرات، وقد كان
جميلاً. ولما كلمهم أبو بكر على مدة ست أو سبع سنوات، وهي تحصل على بضع سنين، والبضع من ثلاثة إلى تسعة، فقال: "زِد في الأجل وزِد في الرهان"، فزادها من عشرة إلى مائة، تسعة نهاية البضع وفعلاً بعد تسع سنوات هُزم الفرس وانتصر الروم. ما الذي يجعل محمداً صلى الله عليه وسلم يخاطر هذه المخاطرة؟ إنه لا يخاطر وليس الأمر بيده، إنه أمر الله فيه وهي من المبشرات. فإذا المبشرات كانت كثيرة وكثيرة جداً، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر بمقتل فلان وأخبر... يتحرك فلان في ما لا نهاية
له من الأخبار الغيبية، وحتى قالوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جرى على يديه كل ما جرى على يد الأنبياء من قبله من تحول الأعيان، ومن كلام الجمادات والحيوانات، ومن الإخبار بالغيب، ومن إحياء الموتى، ومن الكلام في المهد، وهكذا. كل ما حدث للأنبياء من قبل أو أمامهم أو بسببهم أو كمعجزة لهم حدث للنبي صلى الله عليه وسلم. فنطق البعير واشتكى له، وحنَّ الجذع وسمع حنينه من في المسجد جميعاً. ما أجمل ما يقول لهم: كيف تكفرون وأنا فيكم؟ صحيح، إنها ليست مجرد حنين، إنه كطفل يبكي الجذع.
يبكي الجذع، يبكي من أجل الأصول. وهاهو قائم على المنبر، بل أكثر من ذلك أنه نزل فاحتضنه فسكّنه. ما شاء الله، سبحان الله عليه الصلاة والسلام. حسناً، ومن ثم من الذي يرى ذلك؟ كل الناس حاضرة وتشاهد. كيف تكفرون وأنا بينكم؟ فكان صلى الله عليه وسلم مع أخلاقه. العالية ومع تكاليفه التي كلفه الله بها فأوجب عليه قيام الليل وكلفه الله سبحانه وتعالى فجعل الأضحية واجبة في حقه وكلفه الله سبحانه وتعالى بأن يكون قائماً بالليل صائماً بالنهار فكان يصوم حتى يقال إنه لا يفطر وكان يفطر حتى يقال إنه لا يصوم وكلفه الله سبحانه وتعالى بكل ذلك هذا يتحمل كل هذا، وكان إذا تعب ومرض مرض رجلين، كل هذا لم
يؤثر في أخلاقه، فكنت تراه جواداً، فإذا جاء رمضان كان كالريح المرسلة عليه الصلاة والسلام، وكان يخزن عنده صلى الله عليه وسلم ما يكفي لسنة، نعم، قد تكفي لسنة، قد تكفي لسنة، فتنتهي في أيام عليه لأنه كان لا يرد سائلاً أبداً، وهكذا سنتحدث في سيدنا رسول الله في المبشرات التي أعلنها أو التي أجراها الله سبحانه وتعالى على الكائنات وعلى الأشخاص وعلى يده الشريفة وعلى أمته أيضاً، أشياء عجيبة غريبة حدثت وكلها كانت تبشر وكلها من المبشرات، وكفى بإيمان العرب، نعم، من أهم المبشرات التي كانت
إيمان العرب ثم اتحاد العرب هي أغرب وأعجب، ثم انتصار العرب وهي أغرب وأغرب وأعجب من الاثنين الأولين، إننا أمام بشرى حقيقية بجميع مقاييسها العلمية الكونية بكل تفاصيلها. هنا يا مولانا كما كان قيصر ملك الروم أو كسرى هرستم عندما قال لهم: كنتم متفرقين فكيف تجمعتم وتغزوننا فضيلتك. تقول لنا إن إيمان العرب وإسلامهم وتوحدهم وانتصارهم هي من المبشرات، نعم تماماً. حسناً هنا يا مولانا، فضيلتك أخبرتنا أن هناك أموراً كان سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام يبشر بها، يعني مثلاً سواء كانت قاعدته القرآنية أو أن الرسول أخبرنا كما في غزوة الخندق عندما جاءت العقبة الكؤود أو... الصخرة ورسوله يضرب قائلاً الله أكبر فتح الفرص، يضرب الضربة الثانية الله أكبر فتح
ذروب إلى آخره. وكان المنافقون يرجفون ويقولون: نحن في حصار، الواحد منا غير قادر على الذهاب إلى الخلاء، ومحمد عليه الصلاة والسلام يبشر بفتح فارس والروم، أليست هذه تعتبر بشرى لنا يا مولانا لأننا رأينا بعد السنين افتتاح الفرس والروم كل هذا من البشرى، وقد بدأت البشرى قبل ذلك، نعم، مع سراقة، مع سراقة بن مالك عندما كانوا في الهجرة ورحلة الهجرة. فسراقة جاء يطاردهم، غاصت قوائم الخيل، غرست أمام النبي صلى الله عليه وسلم، فرسول الله بشره أنه سيلبس سواري كسرى، ما شاء الله، سواري ارتداء الرجال للذهب ممنوع عند جماهير العلماء، والنبي صلى الله عليه وسلم أمسك بالذهب والحرير وقال: "هذان
حلال لنساء أمتي، حرام على رجالها". فالحرير والذهب، الراجح من كلام الفقهاء وجماهير العلماء، أنهما حرام على الرجال. حسناً، عندما وصل سراقة إلى كسرى وإيوانه ودخل وفُتحت له الكنوز ووجد سواره. بين يديه يعني أصبح لديه شيء يُثبت الإيمان في قلبه بدون شك، ولكن كانت هذه البشرى دافعاً له لأن يتممها، فلبس السوار. لماذا إذاً؟ لأن هذا حرام، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم ساقها له في سياق المنّة، في سياق المنّة، وإذا سيقت النعمة في سياق المنّة. فهي حلال،
فهي حلال، جميل، توضيح جميل. انتبه لمن يقول هذا الكلام، الأصوليون، يعني حتى من قصة سراقة يستخلصون قاعدة، نعم جميل، يفهمون بها الكتاب والسنة. يقولون إن النعمة إذا سيقت في سياق الامتنان فهي حلال، نعم، يعني من النعم أن ربنا خلق لنا الخلق، ومن... من ضمن هذا الخلق الخمرُ مثلاً، لكنه لم يجعلها مما امتن به علينا. نعم، الخنزير أيضاً لم يجعله مما امتن به علينا، لم يمتن بها علينا. لكن البقر امتن به علينا فهو حلال وجميل. فعندما ساق النبي صلى الله عليه وسلم لبس الصغار لسراقة، لم يسق ذلك في سياق المنة، حلالاً له هو لكي يتم بها وتتم بها البشرى وإرهاصة
النبوة. كذلك قضية أن يضرب حجراً فيضيء له ما بين بُصرى إلى الشام، ويرى قصور كِسرى، ويرى الغيب من خلال هذا. هذه بشرى، وهذه البشرى قد نُفّذت وتحققت، ودخل العرب والمسلمون الشام، ودخلوا بُصرى، ودخلوا فارس، وأخذوا هذا الملك بعد ما هدَّد الرومُ رسولَ اللهِ وقتلوه في مؤتة وقتلوه في تبوك، وبعدما هدَّد الفرسُ رسولَ اللهِ ومزَّق كسرى الشَّهوان كتابَ رسولِ اللهِ، فمزَّق اللهُ مُلكَه كما قال. وقال في هذا المقال: "لا يُفلحُ قومٌ وَلَّوا أمورَهم امرأةً" فلم يُفلِحوا، وهذا الحديث نحن نرى أنه مَسوق
مَساقة الخصوصية، أنه يتكلم. عن هذه المرأة مع هذا القوم، وليس فيه انتقاص للنساء، بل هي ابنة كسرى. إنها ابنة كسرى، نعم، إن كسرى قتله ابنه، نعم. وهو أدرك أنه سيُقتَل، نعم، ولذلك صنع علبةً ووضع فيها سماً زعافاً وكتب عليها أن هذه العلبة تقوِّي الرجل على الاجتماع. مع زوجته ووضعه في خزانته، وضعه في الخزانة، سبحان الله. فلما جاء الولد وتولى الحكم بعد أن قتل أباه، وجد هذا، فقال: "آه، هذا من الأشياء التي كان أبي يحتفظ بها لنفسه"، فشربه فمات، سبحان الله. فقيل إن المقتول قد قتل القاتل، جميل أن المقتول الذي هو كسرى
قتل ابنه. قَتَلَ ابنَهُ سبحانَ الله، فلمّا كانت البنتُ عزيزةً عليها أبوها ولا تُحِبُّ ما فعلَهُ أخوها، تولَّتِ الحُكمَ فَطَغَت وبَغَت، وحينئذٍ جاءَ خبرُها إلى رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم، فَصَدَقَ في البِشارتَين: البشارةُ الأولى مَزَّقَ اللهُ مُلكَهُ، فمزّقَ اللهُ مُلكَهُ وأوقعَ الضغينةَ والبغضاءَ بينَ العائلةِ الواحدةِ، لأنَّ المُعتادَ أنَّ الولدَ يحب أباه والمعتاد أن الأسر المالكة تتكاتف جداً حتى لا يحدث هذا فيها، لكنهم أكلوا بعضهم بعضاً كما تأكل أنثى العنكبوت ذكرها، فهو أوهى البيوت، وأوهن البيوت هو بيت العنكبوت. الله يفتح عليك يا مولانا. اسمحوا
لي باسم حضراتكم أن نشكر فضيلة الإمام المستشار الدكتور علي جمعة على هذا الجهد ياه كامل علينا، على جهدك وتعبك معنا. على وعد باللقاء إن شاء الله في حلقات قادمة. نستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حفظكم