قدره في نفسك | الحكم العطائية | حـ 22 | أ.د علي جمعة

قدره في نفسك | الحكم العطائية | حـ 22 | أ.د علي جمعة - الحكم العطائية, تصوف
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات الحكم العطائية. يقول سيدي ابن عطاء: ما من نفس تبديه أي تخرجه. إلا وله قدر فيك يمضيه، إذاً فقدر الله سبحانه وتعالى مستمر لأن أنفاسك مستمرة. لا يستطيع الإنسان أن يعيش بلا تنفس، وقدر الله سبحانه
وتعالى مع كل نفس فيك، فهو مستمر باستمرار أنفاسك. قدر الله سبحانه وتعالى في كل شيء في جسدك، في قلبك، في عقلك، في أعمالك سواء كانت أعمال الجوارح أو كانت أعمال القلوب أو كانت أعمال العقول هناك قدر ولذلك خلقكم وما تعملون فأنت وأفعالك مخلوقة لله سبحانه وتعالى هناك أيضا العلاقات التي بينك وبين الآخرين فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقها
هذه العلاقات قد تجد أحدهم يحبك وتجد آخر يكرهك وتجد آخر لا يعتني بك ولا يعرفك وتجد آخر وكأنه يضحي بنفسه من أجلك، سبحان الله، كونٌ خَلَقَه الله، ولله قدر فيك، في كل نفسٍ تُبديه لله قدر فيك يمضيه. لو أن الإنسان عرف هذه الحقيقة ثم صدقها ثم عاشها، وهذه مراحل مختلفة، أنت الآن تسمع هذه الحقيقة أن الله له قدر يمضي فيك باستمرار. مع دخول كل نفس
وخروجه، ولكن قد لا يصدق أحد من الناس هذا ويرى أن الله قد خلقنا وتركنا. الذي يصدق هذا قد يغفل عن معناه وعما يستلزمه، وقد يعيش في هذا المعنى. فنحن نريد من المؤمن أن يفهم ثم يصدق ثم يعيش هذا المعنى في حياته لو... عشت هذا المعنى في حياتك فسوف تصل إلى مجموعة الأخلاق التي تصحح بها عقيدتك وتكون مؤدباً مع ربك وتكون نافعاً لكونك ونفسك
إذا فهمت وعشت وصدقت وعشت هذا المعنى. ما الأخلاق التي تترتب على أن تعيش قدر الله سبحانه وتعالى؟ هذا منها كما كررنا وقلنا: التسليم، فإنك إذا عرفت وعشت. أن ما أنت فيه الآن من صحة أو من علم أو من نسيان أو من تقصير أو من قصور أو من طاعة أو من مرض أو من فقر أو من غنى أو من نجاح أو من فشل أو من توفيق أو من عكسه هو من عند الله سبحانه وتعالى فإن أول شيء
تتقبل به هذا هو الهدوء، فنفسك تكون هادئة وهذا الهادئ يتأمل، فإن الهدوء يتولد منه التأمل والتدبر. هذا من عند الله إذاً ففيه رضا، هذا من عند الله سلمنا ففيه تسليم، هذا من عند الله وأنا راضٍ ومسلم، إذاً فقد توكلت على الله حق توكله. هذا من عند. الله وأنا راضٍ به ومسلم وهادئ النفس، إذاً فلا أتبرم ولا أتفاعل مع الأحداث الخارجية، وأنفذ بذلك
كل أوامر الله وكل أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين، "لا تغضب ولك الجنة" إلى آخر ما هنالك من أحاديث وأخلاق فيها رحمة يا عائشة. إن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه. من لا يرحم لا يرحم. الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى. يرحم من في الأرض يرحمكم من في السماء. أعط السائل ولو أن يأتيك على فرس. أوامر كثيرة متشعبة: اتق الله، اتق النار ولو بشق تمرة. الصدقة. تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار،
والله لا يؤمن من بات شبعا وجاره جائع. أحاديث كثيرة، سلوكيات وأخلاق كلها تتأتى مع الهدوء ومع التسليم ومع الرضا ومع التوكل ومع التبرؤ من الحول والقوة. كلها تأتي إذا ما عشت هذا المعنى، ما من نفس تبديه إلا وله قدر فيك يمضيه. ربنا سبحانه وتعالى جعل هذا المقام مقاماً شريفاً، ولذلك الصوفية يسمون هذا
المقام، إذا ما عاش الإنسان في مفهوم جريان قدر الله سبحانه وتعالى في صورة مستمرة، يسمون من وصل إلى هذا "أهل العنايات"؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد اعتنى بهم ووفقهم إلى هذا، وأهل العنايات العناية فيها نوع. من أنواع التربية ونوع من أنواع الرعاية ونوع من أنواع الكنف أن تكون في كنف الله سبحانه وتعالى، فسمي من يعيش في مفهوم استمرار قدر الله علينا بهذا الاسم. هذه الأخلاق
الحقيقة عندما تبدأ في تنفيذها ترى في البداية أن بعض مصالحك تذهب، ولذلك تكون هناك اختبارات وامتحانات في بداية الطريق إذا صبرت عليها واستطعت أن تتجاوزها ولم تلتفت إليها وتمكنت من الاستمرار في أن تعيش في القدَر، وجدت لذة في قلبك لا تستطيع بعدها أبداً أن تخرج من هذه الحالة ولو أعطوك ملك الدنيا. ولذلك قال بعض الصوفية: إننا نشعر بلذة لو
عرفها الملوك لقاتلونا عليها. بالسيوف أن تعيش في القدر هي مرتبة أهل العنايات، وأهل العنايات يشعرون بلذة في القلب إذا دخلت لا تخرج أبداً. ولذلك في حديث هرقل عندما سأل أبا سفيان قبل أن يُسلم: أيزيدون أم ينقصون أتباع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: بل يزيدون. فلما فسر له سبب هذا السؤال قال: وسألتك هل يزيدون فقلت أم ينقصون، قلت بل يزيدون. هكذا الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب، فالإيمان عندما يدخل القلب فإنه
في النهاية لا يخرج أبداً. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وأن يجعلنا من أهل العنايات، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.