قواعد الفقه الإسلامي | الأصل في الكلام الحقيقة | ح14 | أ.د. علي جمعة

قواعد الفقه الإسلامي | الأصل في الكلام الحقيقة | ح14 | أ.د. علي جمعة - فقه, قواعد الفقه الإسلامي
هلا إخوتي المشاهدون، مرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات قواعد الفقه الإسلامي مع قاعدة جديدة نلقي عليها مزيداً من الضوء. القاعدة اليوم تقول: "الأصل في الكلام الحقيقة". هي قاعدة تتفرع من القاعدة الأم إذا كنا نتذكر سوياً قاعدة "اليقين لا يزال بالشك". فالأصل في الكلام الحقيقة، ما معنى هذا؟ الكلام وما فروعها: الكلام هو عبارة عن تلك الألفاظ التي نتكلم بها. نرى أنَّ كل كلمة لها معنى في اللغة. مَن
الذي وضع كلمة "أسد" أمام الحيوان المفترس، وكلمة "ولد" لابني، وكلمة "أب" لأبي أمام هذه المعاني؟ قال الأصوليون إنَّ الله سبحانه وتعالى هو الذي وضع اللغة، واستدلوا على ذلك. بقوله تعالى: "وعلَّم آدم الأسماء كلها"، قال ابن عباس فيما أخرجه البخاري: حتى القصعة والقصيعة. فالذي جعل الألف والسين والدال في كلمة أسد أمام الحيوان المفترس هو الله، فواضع اللغة هو الله. قيل البشر، وقيل إن واضع أسس اللغة هو الله والفروع البشر. مذاهب عدة، ولكن لنفهم أن واضع اللغة... هو
الله وهذا هو الراجح إذا استعملت اللغة فيما وضعت له، أي استعملت كلمة أسد في الدلالة على الحيوان المفترس، هذا الاستعمال نسميه حقيقة. وإذا استعملت الكلمة في غير ما وضعت له، مثل أن أكون رأيت أسداً في الحرب يقاتل في سبيل الله، أقصد الرجل الشجاع، إذاً أنا هنا استعمل. الكلمة في غير ما وضعت له ونسمي هذا الاستعمال المجاز. الكلام إذاً فيه حقيقة وفيه مجاز. لو تكلم الإنسان كلاماً فالشرع يحمله على الحقيقة أولاً. إذا كان هناك تردد بين الحقيقة وبين المجاز فالشرع يحمله على الحقيقة
أولاً، فالأصل في الكلام الحقيقة. لنضرب على ذلك أمثلة من فروع تلك القاعدة. المهمة إذا وقف على أولاده قال هذا الوقف هذا البستان إرادة على أولاده لا يدخل فيهم الأحفاد، لأن الأولاد في اللغة على الطبقة الأولى، والطبقة الثانية أولاد الأولاد يُطلق عليهم أولاد مجازًا ويُطلق عليهم حقيقةً أحفاد. فعندما كتب في الوقفية هذا موقوف على الأولاد، إذًا الحقيقة تقتضي قصر هذا الوقف. على الطبقة الأولى من أولاده ولا
يدخل فيهم الأحفاد. مثلاً، لو حلف شخص أن لا يبيع أو لا يشتري أو لا يضرب ابنه أو تلميذه للتأديب، فما معنى البيع هو لما يقول: "والله لا أبيع" "والله لا أشتري". حقيقة هذا التركيب في لغة العرب على أنه يقوم هو بنفسه بالبيع. وبالشراء أو بالضرب أو بأي فعل من الأفعال صاحبنا وكل غيره في ذلك وكل غيره في البيع وكل غيره في الشراء وكل غيره في التأديب إذا هل يحنث هل يكون قد
حنث في يمينه فوجبت عليه الكفارة قالوا الأصل في الكلام الحقيقة فعندما حلف أن لا يبيع وأن لا يشتري وأن لا يضرب ابنه فإنه يقصد الحقيقة، يقصد أن يتم ذلك بنفسه، ولذلك فإننا نحكم عليه بعدم الحنث إذا ما وكّل شخصاً آخر نفس الفعل أو قريباً منه. وهو أنه حلف أيضاً ألّا يبيع أو ألّا يشتري، ثم قام بعقد فاسد. العقد له أركان: المتبايعان، والقبول والإيجاب، بعتك واشتريت، والثمن. والمُثَمَّن والثمن والبضاعة التي سنتبادلها في البيع أو
الشراء، لو اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة إجمالاً، الستة تفصيلاً، فإنه يكون بيعاً أو شراءً فاسداً. لو أنني حلفت ألا أبيع وألا أشتري، ثم قمت ببيع فاسد أو باطل أو شراء فاسد أو باطل، أو حلفت ألا أصلي في المكان الفلاني. مثلًا فصليت صلاة باطلة، قالوا لا يحنث لأن الأصل في الكلام الحقيقة، هو فعلًا لم يبع، هو صورة البيع في الخارج لكنه بيع فاسد، هو صورة الشراء، هو صورة الصلاة، ولكن في حقيقة الأمر أنه لا بيع ولا شراء ولا صلاة، فالذي حلف عليه لم يقع، هو حلف على ألا. يبيع حقيقة هذا البيع
الصحيح، والبيع الصحيح لم يقع بل وقع فاسداً، وعلى ذلك فلا يحنث ولا نطالبه بالكفارة. لماذا؟ لأن الأصل في الكلام الحقيقة. ومثل هذا لو قال مثلاً: "أنا أوصي أو أوقف هذا المال على ورثة زيد" وزيد ما زال حياً، إذاً فهذا الوقف باطل لا يجوز. لأن ورثة زيد تطلق حقيقة على الباقين المستحقين للميراث من زيد بعد وفاة زيد. زيد لم يمت بعد، فأين ورثته؟
ابنه، زوجته، هؤلاء يطلق عليهم الورثة مجازاً ولا يطلق عليهم الورثة حقيقة. ولذلك الباقون هؤلاء ليسوا ورثة حقيقيين حتى يصح أن نقف عليهم، فإذا ما صرفنا الكلام إلى الحقيقة فكأننا... قد أوقفنا على معدوم على شخص سوف يأتي وفي هذا حرج إذا الأصل في الكلام الحقيقة قاعدة مهمة تفيدنا في أبواب كثيرة متعددة وتجعلنا نتأمل ونتدبر بدقة في استعمال ألفاظنا خاصة
تلك الألفاظ التي يترتب عليها حقوق وواجبات وعقود وأشياء من هذا القبيل ولذلك أيها الإخوة المشاهدون اللغة العربية أمر مهم لحياة الناس ولحضارتهم ولفكرهم ولشرعهم ولتطبيق الدين في واقع يومهم وبرنامجهم اليومي. إلى حلقة أخرى، أستودعكم الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم.