قواعد الفقه الإسلامي | الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد | ح2 | ا.د. علي جمعة

أخرى من أدلة الشرع وعلى واقع آخر، ولأجل هذين السببين أنشأ فقهاً جديداً، فأصبح له في غالب مسائل الفقه قولان: قول نسميه القول القديم، وقول آخر نسميه القول الجديد. كذلك الإمام أحمد كان يغير رأيه في كل مسألة تُعرض عليه إذا وجد نصاً من حديث قد وصله. وثبت لديه أنه صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أجل ذلك نرى - عفواً - نرى أن الإمام أحمد له أكثر من رأي في مسائل كثيرة في الفقه وصلت في بعض الأحيان إلى تسعة أقوال في المذهب الواحد. الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد
وإنما نأخذ باجتهاد المجتهد الأخير هو الذي جاء بعد الفحص والتمحيص والدرس والبحث وإقامة الأدلة وإدراك الواقع إلى آخره، ولأجل هذا وُجدت المدرسة الشافعية تأخذ بكلام الشافعي في الجديد غالباً إلا في نحو عشرين مسألة، فإنها تأخذ بكلامه القديم لأنه تبيّن للشافعية أن رأي الشافعي القديم أقوى في الاعتماد على الدليل من رأيه الجديد. كذلك ابن تيمية الجد يحرر مذهب الإمام أحمد في كتاب له يُسمى المحرر، وينتقي الروايات الصحيحة عن الإمام، ويجعلها هي آخر اجتهادات الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه، بل
رضي الله تعالى عنهم أجمعين. الاجتهاد لا يُنقض بالاجتهاد، سنراها كلما رأينا اختلافاً في المذاهب، ولا نعترض باجتهاد مجتهد على مجتهد. آخر وهنا يجدر بنا أن نتعرض لمسألة مهمة سنزيدها بحثًا إن شاء الله في لقاءاتنا حول الشبهات الثلاث. الإنسان قد يقع في شبهة الحلال بيّن والحرام بيّن، لكن بينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس. فما هي الشبهة؟ قال العلماء: الشبهة ثلاثة أقسام، الشبهة تقوم في الفاعل وهي أنني... لا أعرف هل لا أعرف شيئًا،
أشرب هذا السائل على أنه ماء ثم يتبين أنه خمر. أنا لم أكن أقصد ولم أكن أعلم ولم يخطر في بالي أصلًا أن هذا يمكن أن يُشتبه في أن يكون خمرًا، بل أظنه ماءً فظهر أنه ليس كذلك. هذه نسميها شبهة الفاعل. الشبهة الثانية شبهة المحل: أنا أمامي طير لا أعلم إذا ما كان مذبوحاً على الطريقة الإسلامية أم أنه ميت. لا أعلم، أصبح هنا شبهة محل لأن المحل الذي أمامي لا أعلم حله من حرمته. الثالثة هي شبهة المذهب، وهي مثل أن الشافعي يقول: لمس المرأة ينقض الوضوء، وأبو حنيفة يقول: لمس. المرأة لا يمحو ذل وضوء. أصبح عندي رأيان، أصبح عندي اجتهادان. الاحتياط
لا يمكن تصوره في جانب شبهة الفاعل، ولكن يمكن تصوره بل ويجب في شبهة المحل. أنا اشتبهت هل هذه المرأة أختي من الرضاع أم لا، فينبغي علي ألا أتزوجها لأن عندي شكاً هل هذا العمل حلال أو لا. حرام، هل هذا المحل الذي أمامي يجوز الإقدام عليه أو لا يجوز الإقدام عليه؟ فإنه ينبغي علي حينئذ، لأنني لا أعرف هل هذا السائل ماء أو خمر، لا أعرف هذا اللحم حلال أو حرام، لا أعرف هذه المرأة يجوز لي أن أتزوجها أو لا يجوز، إذاً هذا يجب الاحتياط ومن... هنا يقول كثير من العوام الاحتياط واجب. الثالث
وهو شبهة المذهب: عندما أرى المذاهب الكثيرة فهنا أقول نعم، أنا لي أن أقلد من أشاء بشرط ألا أتتبع الرخص من المذاهب. فمن ابتلي بشيء من ذلك فليقلد من أجاز، والاحتياط هنا مندوب. فمن المندوب أن يقوم الإنسان فيتوضأ إذا ما لمس. أجنبية لكنه إذا التزم بمذهب معين فلا بأس، وإذا احتاط فلا بأس. إذاً فالاحتياط في شبهة الفاعل لا يمكن، وفي شبهة المحل واجب، وفي شبهة المذهب مندوب. هذا هو الذي نستفيده من قاعدة "الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد". وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.