قواعد الفقه الإسلامي | الحاجة تنزل منزلة الضرورة | ح6 | أ.د. علي جمعة

والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، اليوم مع قاعدة جديدة من قواعد الفقه الإسلامي العريق، يقول الفقهاء فيها أن الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة، فالحاجة العامة أي التي تعم كل الناس، والحاجة الخاصة هي التي تخص طائفة دون طائفة، العامة مثل احتياج الناس. إلى الإيجار دائماً في عقود المعاوضات، العقود التي نسميها عقود المعاوضات أي
أن هناك تبادلاً بين اثنين، هذا يدفع شيئاً وهذا يدفع شيئاً مقابلاً له، مثل عقد البيع فهو من عقود المعاوضات لأن البائع يدفع السلعة والمشتري يدفع الثمن في مقابل هذه السلعة، فهناك معاوضة، هناك تبادل بينهما في عقود. المعاوضات ينبغي أن تكون خالية من الغرر، والغرر معناه تردد الشيء بين أمرين أخوفهما أعظمهما. فتردد الشيء بين أمرين أخوفهما أعظمهما يجعلنا ننزه العقد من الغرر ومن شبهة الغرر. الغرر
كبيع الطير في الهواء أو السمك في الماء، كأن أتفق مع شخص أن نلقي بالشبكة في النهر والذي يخرج من السمك. يكون في مقابل عشرة جنيهات فقد يخرج بمائة وقد لا يخرج شيء فليكون هذا غرر. العقود دائماً نحاول أن نبرئها من الغرر، ولكن عقد الإيجار عقد فيه غرر لأن الإنسان الذي يريد أن يستأجر بيتاً فإنه يريد أن ينتفع بهذا البيت لمدة شهر قادم. هذه المنفعة ليست موجودة الآن ولا. اعرف إذا ما كنت سأحصل عليها على الوجه الذي ينبغي أو لا، وهنا يأتي غرر في
الإيجار، إلا أن حاجة الناس إليه قد جوَّزت هذا العقد، فأباح رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيجار على سبيل الرخصة. كذلك هناك عقود التوريدات، أدفع الآن نقوداً ثم بعد ذلك أستلم السلعة التي قد اتفقنا عليها ووصفناها وصفاً تاماً، بعد ذلك بعد شهر أو شهرين يوردها له صانعها أو بائعها. إذا السلعة ليست موجودة لدي الآن، هذه السلعة وإن كانت مفقودة، وإن كان هذا الفقد فيه شيء من الغرر، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص - أي جعلها رخصة - أرخص في السلم. هذه هذا العقد عقد التوريد هذا نسميه
السلم. إذاً الإيجار والسلم ونحوهما من العقود قد أبيحت في الشريعة الإسلامية من أجل رفع الحاجة عن الناس. لن يموت الإنسان إذا لم يستأجر، ولن يموت الإنسان إذا لم يقم بعقود التوريدات، ولكن ستصيبه مشقة بالغة تجعله في حرج والدين. يرفع هذا الحرج كذلك الحاجة الخاصة فإنها تبيح المحظور، ويظهر هذا كثيراً في قضايا الطب، لأن الحاجة إلى المخدر حتى تتم العملية
الجراحية في سهولة ويسر من غير أن يصاب الإنسان بصدمة عصبية قد تودي بحياته، أو يتحمل من الألم الفظيع ما لا يطيق، فإنه يجوز له أن يتناول. المخدر بالرغم أن المخدر هذا في أصله حرام لأنه يزيل العقل والعقل مناط التكليف، والتكليف متعلق بالعقل، فلا بد أن يكون الإنسان المسلم واعياً لأمور عمارة الدنيا وعبادة الله سبحانه وتعالى، ومن أجل ذلك كانت المحافظة على العقل من أهم المقاصد التي راعاها الشارع وأمر بها، ولكن أنا نأتي ارتكاباً. لأخف الضررين، ولذلك هناك قاعدة أخرى تقول
إن ارتكاب أخف الضررين واجب، ارتكاب أخف الضررين واجب. هذه قاعدة مهمة جدًا، وسنفرد لها لقاءً خاصًا؛ لأنها يتفرع عليها الكثير مما نحتاجه في عصرنا الحاضر؛ لأننا لو لم نرتكب الضرر الأقل لارتكبنا ووقعنا في الضرر الأبلغ والأكبر، ولولا أن نأخذ المخدر لأهدرنا الحياة. أو تحملنا ما لا نطيقه من الألم وتشوشت علينا حياتنا وتشوشت علينا صحتنا وتشوشت علينا عبادتنا وهكذا، ومن أجل ذلك كانت الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة.
أفتى العلماء كثيراً بهذه القاعدة عندما عمت البلوى على الناس بأمور لا يستطيعون أن يفروا منها مثل ما حدث في قضايا الدفن. فإن أصل الشريعة أن يُدفن كل واحد على حدة، كل إنسان يُدفن وحده في شق أو في لحد، ولكن في بلد مثل مصر مثلاً نرى المدافن من قديم الزمن يُدفن فيها أكثر من شخص. الفقهاء نصوا على أن ذلك لا يكون إلا بضرورة ولحاجة، ولأن أرض مصر من النيل أرض اضطر الناس أن يبنوا هذه المقابر على هذه الهيئة وأن يدفنوا في كل مقبرة واحدة أكثر من
جثمان وأكثر من إنسان لأن الفرد لو أننا استعملنا الصحراء هذا ممكن ولكنه فيه مشقة بالغة وكبيرة في الانتقال وفي الذهاب إلى هذه الأماكن النائية البعيدة عن تلك الأرض بهذه الخاصية فأفتى العلماء بجواز ذلك لا لأن أصل الدين يأمر بذلك لا ولكن لأن هذه الحالة حالة خاصة ينبغي أن نراعيها وينبغي أن نفتي الناس بما يسهل عليهم أمر دينهم فالحاجة وهي إذا لم يتناولها الإنسان أصابته مشقة كما ذكرنا قبل ذلك
الحاجة تنزل منزلة الضرورة وهي التي إذا ما لم يتناولها الإنسان هلك أو قارب على الهلاك، سواء كانت هذه الحاجة عامة أي في كل الأشخاص أو في كل زمان أو في كل مكان أو في كل الأحوال، أو كانت خاصة بزمان معين أو مكان معين أو أشخاص معينين أو حالة معينة. وإلى لقاء آخر في حلقة أخرى، أستودعكم الله والسلام. عليكم ورحمة الله وبركاته