قواعد الفقه الإسلامي | الحر لا يدخل تحت اليد | ح8 | أ.د. علي جمعة

قواعد الفقه الإسلامي | الحر لا يدخل تحت اليد | ح8 | أ.د. علي جمعة - فقه, قواعد الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، مرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات قواعد الفقه الإسلامي. وقاعدتنا اليوم تقول: "الحر لا يدخل تحت اليد". وفي الحقيقة أن الفقه الإسلامي اهتم كثيراً بأحكام العبيد، وكثير من الناس اليوم... لا يهتمون بدراسة هذا الجانب في الفقه الإسلامي وأرى ذلك قصوراً أو تقصيراً لأن هذه الأحكام حتى ولو لم يعد هناك رق ولم تعد هناك عبودية إلا أن هذه
الأحكام في حقيقة الأمر تمثل ثروة كبيرة للفقه الإسلامي في قضية الإلحاق بها تنفعنا كثيراً في معالجتنا لقضايا الشخصية الاعتبارية أو تداخل الذمم في نحو الشركات المساهمة أو في نحو المؤسسات الحديثة التي لم يعرفها زمن الفقهاء العظام، فدراسة مثل هذه الفروع المتعلقة بالرق وبالعبد وبعلاقته مع سيده دراسة مفيدة جداً لأننا نستطيع أن نلحق بها أشياء كثيرة تفوت علينا منفعتها إذا ما نحن أهملناها، ومن أجل ذلك تخيرت لكم
اليوم. هذه القاعدة حتى ولو كانت متعلقة بالعبودية التي ذهب زمانها ووافق علماء المسلمين وحكامهم على أن تذهب لأن الشرع الشريف في أصله متشوف للحرية ولإلغاء العبودية، ولذلك ليس هناك فرع يختلف فيه النظر فيما إذا كان يُعتق هذا العبد أو لا يُعتق إلا وأفتى العلماء بعتقه لأنه يسير مع أصل. الشرع أنه متشوف للحرية ولكن دراستنا لهذه الناحية من مناحي الفقه الإسلامي تتأتى للاستفادة منها فيما قد حل بنا من مسائل معاصرة. نقول:
الحر لا يدخل تحت اليد، يعني تحت السلطان، يعني الحر لا يمكن أن أتصرف فيه كما أتصرف في العبد. العبودية تنقل الإنسان إلى عالم الأشياء ومن أجل... ذلك والاحترام الإنساني كإنسان، تَرى الشرع الشريف للعتق وجعله واسعاً وسدَّ كثيراً من منافذ الرق، لكن الحر يبقى حراً لا يمكن أن يدخل تحت استيلاء وتحت سلطان وتحت يد وتحت قهر، كل هذا بمعنى واحد. ولذلك لو حبس شخص ما، حبس إنساناً حراً ولم يمنعه الطعام والشراب
وكذا إلى... آخره لكنه حبسه عنده فمات، مات بأجله، جاء أجله فمات، كما يقولون: مات حتف أنفه، لا بسبب هذا الحابس، لما يعذبه، لما يمنع عنه الطعام، بل هو مات بشكل طبيعي، يعني حتف أنفه، فإن هذا الحابس لا يضمن، لا يعد قاتلاً له يستوجب القصاص مثلاً، أما لو أنه قد عذبه أو... منعه الطعام فإنه يقص، أما لو فعل هذا الفعل مع العبد، قبض على عبد ووضعه في محبسه ولم يمنعه الطعام ولا الشراب ولم يعذبه ولم يؤذيه ولم يقتله ومات العبد حتف أنفه، فإنه يضمن لأن العبد هذا في
معاملته كأنه شيء تحول إلى شيء، مثلاً هناك كما شرحنا مرات ما. يُسمَّى بوطء الشبهة أن يطأ الإنسان امرأة وهو يعتقد أنها زوجته فيظهر أنها ليست زوجته، هذا يُسمَّى بوطء الشبهة. لنفترض أنه فعل هذا مع امرأة حرَّة فحملت منه، فلما حملت منه وجاءت للولادة، ماتت وهي تلد، فلا شيء عليه. ننتقل إلى الصورة الأخرى، هو فعل هذا مع أَمَة. ظنها أنها أمة (جارية) وهي بنت ليست بأمة، وأوقعها مع أمة حملت منه. ماتت الأمة وهي تضع (تلد)، مثل الصورة الأولى، ولكن
هذه كانت حرة، وهذه معنا الآن. أما الرقيق فإنه يدفع ثمنها ويضمن، وفي الأولى لا يضمن. مثلاً لو طاوعته حرة - والعياذ بالله تعالى - على الزنا، ووافقت معه على الزنا. فإنه لا مهر لها بإجماع المسلمين، في حين أن الأمة لو طاوعتها على الزنا فلها المهر في أحد الآراء. لماذا؟ لأن الحر، وهي هذه الحرة، ليست تحت سلطانه، إنما هي فعلت مطاوعة من نفسها، أسقطت حقها في الزواج منه بذلك، بتلك المعصية وبهذه المطاوعة. لو أن امرأة حرة تزوجت...
برجلٍ وإذا بنا برجلٍ آخر يأتي ويقول هذه المرأة زوجتي، فمن نحاكم؟ نوجه القضية ضد من؟ ضد هذه المرأة ونقول لها إن هناك رجلاً جاء يدعي أنك زوجته، وبيني لنا الحقيقة: أنت زوجة هذا أم زوجة ذاك؟ أو نوجه هذا إلى الرجل زوجها الذي يُعد في سورتنا هذه الزوج. الثاني انصح الدعوة، الرجل الأول هذا فقال: الحر لا يدخل تحت اليد، ما ذنب هذا الرجل وقد جاءته هذه المرأة وادعت أنها خالية من الموانع الشرعية وتزوجها، فإذا بها متزوجة بآخر. فلأن الحر لا يدخل تحت اليد، توجه القضية إليها ولا
توجه القضية إليه إلا إذا ظهر وبان أنه كان. يعلم ذلك ففي علمه بهذا تلاعب بالشريعة لأنه يعلم أن زواجه باطل وأن ما يتم بينهما إنما هو زنا وأن هذا حرام. أما إذا كان لا يعلم فإنه لا يؤخذ بجريرة هذه المرأة، فلو أنها كانت أمه مثلاً وكانت زوجة لغيره فإن في هذه الحالة يؤخذ هذا الرجل بجريرة تلك. الأمة الحر لا يدخل تحت اليد كلام وإن تعلق بالعتق وبالرق وبالحرية وهي أمور والحمد لله عافانا الله منها
في العصر الحديث واتفقنا مع جملة البشر على إنهاء الرق وهو ما أمر به الإسلام في أثناء تعليمه إلا أننا نستفيد من تلك الثروة الكبيرة الضخمة التي تركها لنا علماء المسلمين. في بحوثهم متعددة إلى لقاء قريب مع حلقة جديدة أخرى من حلقات قواعد الفقه الإسلامي، أستودعكم الله سبحانه وتعالى، والسلام عليكم ورحمة الله.