قواعد الفقه الإسلامي | الرخص لا تناط بالمعاصي | ح11 | أ.د. علي جمعة

قواعد الفقه الإسلامي | الرخص لا تناط بالمعاصي | ح11 | أ.د. علي جمعة - فقه, قواعد الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع حلقة جديدة من حلقات قواعد الفقه الإسلامي. معنا اليوم قاعدة تقول: "الرخص لا تناط بالمعاصي". الرخصة هي حكم ثبت على خلاف الدليل لعذر، هذا العذر هو المشقة والحرج، فالله سبحانه وتعالى يريد رفع جعل علينا في الدين من حرج رحمة منه ومن أجل ذلك فإنه أنزل الأحكام الشرعية فأسمينا هذه الأحكام والتكاليف بالعزيمة وهو الحكم الذي ثبت على وفق الدليل
الصلاة الصيام الحج الجهاد الزواج البيع الشراء الميراث كل هذا إنما هو عزيمة ثم بعد ذلك جاء تخفيف فأجاز لنا أن نفطر في رمضان إذا كنا مسافرين وأُجيز لنا أن نقصر الصلاة وأُجيز لنا أن نجمع بين الصلاتين المتوائمتين، الظهر والعصر معاً جمع تقديم أو جمع تأخير، والمغرب والعشاء معاً جمع تقديم أو جمع تأخير، وأُجيز لنا أن نمسح على الخف في الوضوء وأُجيز لنا أن يستمر هذا المسح لمدة يوم كامل. وعشرين ساعة في
الحضر، وإذا كنا في السفر فإنه أجاز لنا المسح على الخفين ثلاثة أيام. يبدأ اليوم في المسح على الخف من حين نقض الوضوء بعد لبسه، فمثلاً لو توضأت الساعة العاشرة صباحاً ثم بعد ذلك لبست الخف في الساعة الثانية ظهراً وأنا متوضئ، لأنه لا بد في لِبسُ الخُفِّ يتطلب أن أكون متوضئاً، ثم بعد ذلك في الساعة الخامسة نقضتُ هذا الوضوء الذي لبستُ فيه الخُفَّ، فإن الأربعة والعشرين ساعة أو الثلاثة أيام التي في السفر تبدأ من حين الساعة الخامسة هذه، لا من حين الساعة العاشرة صباحاً ولا من حين الساعة الثانية ظهراً، بل من حين الوضوء بعد لبس
الخف وهي الساعة الخامسة رُخَصٌ كثيرة يقول فيها ربنا سبحانه وتعالى: "إلا من اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه". حرَّم علينا الخمر والميتة والخنزير ثم أجاز لنا أن نأكل عند الضرورة إذا خفنا على أنفسنا الهلاك. رُخَصٌ كثيرة في الشريعة الإسلامية جاءت لرفع المشقة. والحرج إذًا فهو رحمة من عند ربنا، ولكن الرخص لا تُناط بالمعاصي. يعني الرخص التي فيها تخفيف لم يجعلها ربنا سبحانه وتعالى حتى نستعملها ونحن نرتكب المعصية ونقول نحن سنرتكب
هذه المعصية ونتمتع في نفس الوقت بالرخصة، لأن الرخصة لا تتعلق ولا تُناط بالمعاصي. فلو أن هناك من سافر في معصية سافر في معصية فالسفر هنا سفر معصية، وهناك فرق بين المعصية بالسفر والمعصية في السفر، وسوف نخصص حلقة للفرق بينهما لأننا في حاجة إليها في عصرنا الحاضر، التفريق بين الأمرين: المعصية بالسفر أنني أسافر لأقتل، أنني أسافر لأقطع الرحم، أنني أسافر لأفسد في الأرض، هذه معصية بالسفر. أصبح وسيلة للمعصية، لا يجوز أثناء السفر أن أتمتع
برخصه. لا يجوز لي وأنا مسافر وهذا السفر معصية في حد ذاته أن أمسح على الخفين، ولا أن أقصر الصلاة، ولا أن أتيمم، ولا أن أقصر أو أجمع بين الصلاتين، ولا أن أفطر في الصيام، وهكذا لا صيام ولا صلاة ولا كذا إلى آخره أتمتع فيها بالرخصة لأن الرخص لا تُناط بالمعاصي. أما المعصية في السفر فيمكن لي أن أتمتع بالرخصة. المعصية في السفر أنني سافرت من أجل طلب العلم أو من أجل العمل أو من أجل الجهاد في سبيل الله أو من أجل زيارة الوالدين وبرهما أو صلة الرحم. ثم وأنا مسافر ارتكبت معصية عَرَضاً لم يكن للسفر
تعلق بها، هي معصية من المعاصي التي يمكن لأي إنسان أن يرتكبها في أي مكان وفي أي زمان. إذاً، هناك فرق ما بين المعصية بالسفر والمعصية في السفر. إذا كان السفر معصية في حد ذاته فلا يمكن أن أتمتع بالرخص المتعلقة. إذا كان لا إنما سافرت سفراً مباحاً أو مندوباً أو واجباً مثل الجهاد وأنا في هذا السفر ارتكبت معصية ومخالفة فهذا لا علاقة له بالرخصة لأن الرخصة إنما تعلقت بالسفر والسفر هنا ليس بمعصية. إذاً أنفذ الرخص: أمسح على الخفين لمدة ثلاثة أيام، أقصر الصلاة، أفطر في رمضان لي. هذا إلى آخره إذا المعصية أو الرخص لا تناط بالمعاصي. من أمثلة هذه القاعدة ومن فروعها
الاستنجاء، يجوز أن يكون بالماء وهو إزالة النجاسة بعد قضاء الحاجة من بول أو غائط، ويجوز أيضاً أن يكون بالأحجار. والأحجار هنا مفهومها أنها كل جامد قالع لعين النجاسة، رافع لعين النجاسة، يعني طاهر. لا يكون نجساً غير محترم، فإذا كان محترماً مثل الطعام، مثل الخبز مثلاً، لا يجوز أن نستنجي بالخبز لأن الخبز مُكرَّم، كما ورد في الحديث الصحيح. حرام أن نفعل ذلك، فهذه نعمة من الله سبحانه وتعالى، ولا يجوز استخدامها في إزالة النجاسات، إذ يكون في ذلك بطر
وعدم احترام. وإذا النجاسة هل تزول؟ قالوا: الرخص لا تناط بالمعاصي، ولذلك لا تزول. حرّم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم آنية الذهب والفضة وقال: "هي لهم في الدنيا ولنا في الآخرة"، ونهى عنها أن نأكل في صحاف الذهب والفضة، وقاس العلماء على ذلك كل الأدوات المصنوعة من الذهب والفضة يحرم على... الرجال والنساء معاً، يجوز استعمالها للرجال أن يلبسوا خاتم الفضة ولا يجوز لهم أن يلبسوا الذهب. يجوز للنساء أن يلبسن الذهب والفضة، لكن استعمال الأواني والأدوات ممنوع أن تُصنع من الذهب والفضة. إذا أتى أحدهم بشيء
كحجر الاستنجاء من ذهب أو من فضة واستنجى بها، هل يكون قد أتم ما منه وهو قد استعمل حراماً، قالوا: الرخص لا تناط بالمعاصي. كثيرة جداً هي فروع هذه القاعدة، والوقت لا يسمح لشرحها وبيان أحوالها كلها، ولكن يمكن بما ذُكر أن تستدل على غيره. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.