قواعد الفقه الإسلامي | الرضا بالشيء رضا بما يتولد منه | ح15 | أ.د. علي جمعة

قواعد الفقه الإسلامي | الرضا بالشيء رضا بما يتولد منه | ح15 | أ.د. علي جمعة - فقه, قواعد الفقه الإسلامي
شكراً أولادنا، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع حلقة جديدة من حلقات قواعد الفقه الإسلامي، نتحدث اليوم عن قاعدة "الرضا بالشيء رضا بما يتولد عنه أو منه"، وقريب منها قاعدة أخرى "المتولد من مأذون فيه لا أثر له". الرضا بالشيء رضا بما... يتولد منه، فكأننا إذا رضينا بالشيء ابتداءً فإننا نرضى بكل الآثار التي تتولد من هذا الرضا الأول. فمثلاً، أحد الزوجين
رضي بعيب من الآخر، فهذا العيب زاد على مر الأيام، فلا خيار له على الصحيح. حتى نفهم هذا الفرع ينبغي علينا أن نفهم قضية عيوب الزواج وقضية أثر الخيار. من عدمه، الزوج إذا تزوج امرأة أو المرأة إذا تزوجت رجلاً فينبغي أن يكون هذا الزوج أو هذه الزوجة خالياً من العيوب التي تمنع من مقصد الزواج. مقصد الزواج هو حل الاستمتاع بين الزوجين، وهو بناء أسرة،
وهو أيضاً من مقاصد الزواج الإعفاف، ولذلك لو ظهر أن أحدهما مجنون فإنه... يجوز فسخ هذا الزواج لأنه ظهر أن هناك عيباً أساسياً في أحد الزوجين يمنع من تمام مقصد الزواج. نفترض أن أحدهما لديه عجز جنسي، ويتمثل هذا فيما يُسمى العُنَّة عند الرجل، ويتمثل أيضاً بانسداد المحل عند المرأة، فإنه يجوز بمثل هذه العيوب أن ينفسخ النكاح. إذاً هناك عيوب حددها
الفقهاء. في عيوبٍ ثمانيةٍ منها البرص والرتق والقَرْن والجَبُّ وهو انقطاع الذكر من الرجل والعُنَّة والجنون، وهكذا هذه الأشياء التي تمنع من تمام الاستمتاع أو تمنع من أهداف الزواج، يكون لأحد الزوجين السليم أن يفسخ النكاح، ويجوز له أن يستمر وأن يرضى، فمثلاً لو كان هناك برص (مرض جلدي) ولكنه في... اليد فقط ورضي أو رضيت الزوجة بهذا العيب البسيط فزاد وانتشر حتى عم الذراع أو عم الجسم فليس لها
الخيار. فما الخيار الذي كان لها أولاً؟ الخيار لأحد الزوجين من فسخ العقد يُرجع الأمر على ما كان عليه قبل العقد، يعني لو كان قد دفع مهراً فإنه له أن يسترده. المهر ولو كان قد قدم شبكة فإنه له أن يسترد هذه الشبكة وليست عليه نفقة وهكذا. وإذا كان قد دخل بها وهي التي بيدها الخيار، فلها أن تستوفي كل الصداق وأن تفسخ العقد ولا يترتب له شيء، لكن لما اختارت أو اختار العيب ورضيت به أو رضي بها
بالعيب. إن حدث سِدَادٌ (إغلاق) من طرف الزوجة، أو الزوجة وزاد هذا العَيْنُ، فقد رضي بشيء ثم لا بد عليه أن يرضى بما تولَّد عن هذا الشيء وهو زيادة العَيْن واستمرار العَيْن. مثلاً، القصاص والحدود شرعها الله، فإذا قطعنا يد سارق، أو الحاكم قطع يد سارق، أو أن أحدهم قد اعتدى فقطعها الحاكم. قطع يد هذا المعتدي. قطع اليد في هذه الصورة حق، وقطع اليد في هذه الصورة نرضى به. لماذا؟ لأنه من الشرع. إذاً فلا بد أن نرضى بما يتولد عنه
أو منه. قطع اليد هذا سبب في موت المقطوع. هو سرق فقط، فحد الله في أن تُقطع يده فقط. لا أن يموت، فعندما قطع يده لم يتحمل هذا القطع فمات، فلا ضمان على الحاكم ولا إثم عليه، لأن الرضا بالشيء رضا بما يتولد منه. ولذلك لو قطع قصاصاً أو حداً فسرى الجرح في جسمه فمات، فلا ضمان على الحاكم. فرق آخر: نحن في الصيام نتمضمض، والمضمضة هي إدخال الماء. في الفم هناك احتمال إذا ما بالغت في المضمضة أن يسبقني بعض الماء إلى الجوف.
فلو سبق ماء المضمضة إلى الجوف ولم أبالغ، أنا أرضى بعدم المبالغة لكنني لا أرضى بالمبالغة. لو بالغت وسبقني الماء فعليّ يوم، ولكن لو لم أبالغ ووضعت بعض الماء القليل في فمي من أجل المضمضة فسبقني الماء لا أُفطر ولا شيء عليَّ، لأن هذا العمل وهو وضع الماء في الفم أمر أنا أرضاه في الشرع، فلا بد عليَّ أن أرضى بما يتولد منه وهو احتمال - وإن كان احتمالاً ضعيفاً - احتمال سبق الماء إلى الجوف، ولذلك لا أحكم بفطر هذا الإنسان.
فروع كثيرة منها إننا في الحج بعد الإحرام نُمنع من وضع العطور والطيب في أجسادنا وفي ثيابنا، فمن محرمات الإحرام التطيب، ولكن يُسن أن نضع الطيب في أجسادنا قبل الإحرام لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا. أنا وضعت طيبًا في جسدي قبل الإحرام وبعد ذلك أحرمت ودخلت في الإحرام فصار. الطِّيب الذي في جسدي انتقل إلى ملابسي بعد الإحرام، كانت الملابس قد تطيَّبت وتعطَّرت بعد الإحرام، ونحن قلنا إنه ينبغي على الحاج
ألا يُطيِّب جسده أو ملابسه بعد الإحرام. أنا لم أُطيِّب جسدي بعد الإحرام، إنما هو قد انتشر وسرى الطِّيب الذي وضعته في جسدي قبل الإحرام وانتقل إلى ثيابي شيءٌ عليه لأنَّ الرضا بالشيء رضا بما يتولد منه. قاعدةٌ لطيفةٌ إذا ما تأملتها وجدت فيها من اليسر ما يوافق شرع الله سبحانه وتعالى. إلى اللقاء أيها المشاهدون الكرام إلى حلقةٍ أخرى من حلقات قواعد الفقه الإسلامي. أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة