قواعد الفقه الإسلامي | الضرر لا يزال بالضرر | ح16 | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، مرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات قواعد الفقه الإسلامي مع قاعدة أخرى نلقي عليها مزيداً من الضوء. قاعدة اليوم تقول: "الضرر لا يزال بالضرر". تتذكرون القاعدة الكبرى "الضرر يزال" فكان... هذه القاعدة جاءت تخصص عموم تلك القاعدة الكبيرة. نعم، الشريعة متطلعة إلى إزالة الضرر ومتطلعة إلى أن الضرر يُزال، لكن لا
يُزال بضرر آخر، بل يُزال بحيث ينتهي الضرر عن الجميع. لأن في الحقيقة إزالة الضرر بضرر آخر يعني أننا لم نفعل شيئاً، أزلنا ضرراً وأوجدنا ضرراً آخر وليس واحداً. ليس أحد الضررين أولى من صاحبه، ولذلك فمنطقياً الضرر لا يُزال بالضرر. هذه القاعدة التي خصصت القاعدة الكبرى "الضرر يُزال"، فكأننا نقول: الضرر يُزال ولكن لا يُزال بالضرر. لها فروع من فروعها
على المذهب الجديد للإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه، وهو فيها خلاف بين الشافعية والحنفية: عدم وجوب العمارة الشريك: إذا كان هناك حائط بين اثنين وهذا الحائط يحتاج إلى عمارة ويحتاج إلى تجديد من جانب أحد الشركاء، من جانب شريك من الشريكين، فهل يجب شرعاً على الآخر أن يقوم بالإصلاح؟ أم أن الشريك ليس عليه واجب في هذا، ومن تضرر هو الذي عليه أن يقوم بتلك العمارة وأن... يتحمل
تكليفها الشافعي في الجديد، إذ يقول بعدم وجوب العمارة على الشريك. هذه المسائل كثيراً ما نُسأل عنها في قضايا الشركاء أو السكان، خاصة في دورات المياه التي كثيراً ما تحدث مشاكل في الأدوار المتعددة. فيسألون: هل عندما شاركته في السقف فأصبح هناك وجوب العمارة علي؟ أبو حنيفة يقول: نعم، أن يقوم الشريك بالاشتراك في التكلفة في الإصلاح، الشافعي يقول لا، مستدلاً بهذه القاعدة، أو جارياً بمعنى صحة هذه
القاعدة على ذلك الفرع. عدم وجوب العمارة على الشريك فيها خلاف، ولكن هذا فرع يصور لنا معنى القاعدة: أنا لا أريد أن أزيل الضرر الذي حدث لأحد الشركاء بضرر آخر يقع. على عاتق ويقع عبء على الشريك الآخر لأن الضرر لا يزال بالضرر. أيضاً عدم إجبار الجار على وضع الجائز على حائط جاره، وهذا يوجد في الريف عندما تتلاصق البيوت ويحتاج الجار إلى أن يضع الجائز الذي يسقف به بيته على حائط الجار الآخر، فإننا لا نُجبر هذا الجار
على الموافقة. فله أن يثقف لأن الضرر لا يزال بالضرر، فله أن يبني إذا كان الحائط لنفسه ويضع عليه تلك الجذوع. لا يأكل المضطر طعام مضطر آخر، لا يجوز أن أزيل ضرر نفسي وأوقع الضرر بالشخص المقابل. في كتب الفقه يقولون: "إلا أن يكون نبياً". ويتساءل بعض الناس: "لماذا يذكرون هكذا في إلا أن يكون نبيًا. في الحقيقة أنهم راعوا في ذلك الأحاديث التي وردت في نزول سيدنا المسيح عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام في آخر الزمان، فقد تواترت الأحاديث عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
بنزول عيسى، وأنه قد رُفِعَ إلى السماء بجسده العنصري، وسوف ينزل. في آخر الزمان حكماً عدلاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويرفض الجزية ويلقي الإسلام بجيرانه في الأرض، فالمسلمون ينتظرون نزول المسيح عليه السلام كما ثبت في السنة الصحيحة. من أجل ذلك نجد الفقهاء يكتبون في كتبهم مثل ذلك الفرق، لأن عيسى كما ورد في الآثار عندما ينزل ستكون هناك ملاحم كبيرة. وقتال وسيكون وقت هو أشبه بوقت الضرورات، فإذا ما كان الإنسان المسلم مع عيسى في حالة اضطرار فإنه يفضل على نفسه ذلك
النبي، لأنه لا يفضل - لا نستطيع تفضيل الواحد على الآخر إلا إذا كان هذا الآخر نبياً، ولذلك قالوا هذا الفرق: لا يأكل المضطر طعام مضطر آخر إلا يكون نبياً أيضاً. تصوروا لو أن في الحرب وقع شخص على جريح، والجرحى في الحرب كثيرون. عندما وقع على الجريح وسقط عليه، نظر يميناً ويساراً فوجد أنه لو انتقل من الجريح الذي سقط عليه إلى الجريح الذي بجواره قتله، ولو استمر باقياً وهو غير قادر على القيام لسبب أو
لآخر. قَتْلُ مَنْ هُوَ تَحْتَ الضَّرَرِ لا يُزَالُ بِالضَّرَرِ. الضَّرَرُ الَّذِي أَصَابَ اللهُ بِهِ ذَلِكَ الْجَرِيحَ الَّذِي سَقَطَ عَلَيْهِ هَذَا الْإِنْسَانُ لا نُزِيلُهُ بِضَرَرٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَتَحَوَّلَ إِلَى آخَرَ فَيَقْتُلَهُ. وَلِذَلِكَ اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ هُنَا التَّكَافُؤَ، أَنْ يَكُونَ الْجَرِيحُ هَذَا كُفْءًا لِهَذَا الْجَرِيحِ الْآخَرِ، فَإِذَا كَانَ هُنَاكَ تَكَافُؤٌ بَيْنَ الْجَرِيحَيْنِ فَإِنَّهُ... يستمر الفتوى على ما هو عليه لأن الضرر لا يُزال بالضرر. متى يكون هذا الجريح ليس كفؤاً لهذا الجريح؟ إذا كان هذا قائد المعركة أو كان الجريح الذي سقطت عليه معه أسرار أو عنده خطة تنفع المسلمين، أو بموته يُضار المسلمون كثيراً،
والآخر لا يجب عليه. الانتقال لكن إذا تساوى وتكافأ فالاستمرار أولى. الضرر لا يُزال بالضرر، قاعدة متفرعة من "الضرر يُزال". مع حلقة أخرى وإلى حلقة أخرى وإلى لقاء آخر. أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.