قواعد الفقه الإسلامي | المتعدي أفضل من القاصر | ح18 | أ.د. علي جمعة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مرحبًا بكم أيها الإخوة المشاهدون في هذه الحلقة الجديدة من حلقات قواعد الفقه الإسلامي ومع قاعدة جديدة من قواعد ذلك الفقه الثري. تقول القاعدة: المتعدي أفضل من القاصر. نعم. المتعدي هو ما كان نفعه يتعدى من الشخص إلى الآخرين، والقاصر هو الذي تكون منفعته قاصرة على الإنسان وحده. ولذلك
كان طلب العلم أفضل من الاشتغال والتفرغ للعبادات، وكان أيضاً طلب الرزق أفضل من الاحتباس للعبادات. بالرغم من أن فضل العبادات والنوافل كبير، إلا أنه لما كان قاصراً عندما أصلي الثواب وآثار الصلاة تعود عليّ، ولكن عندما أُعلِّم أو أتعلم فإن أثر العلم يعود بالنفع على غيري وأيضاً عليّ. يقول الناظم: "وداوم على العلم
بالمذاكرة، فحياة العلم المذاكرة". فالعالم بتعليمه يستفيد ويُفيد، إذاً فهذا هو معنى أنه متعدٍّ؛ أي أن الفعل المتعدي الذي يتعدى ثوابه ونفعه وأثره إلى الآخرين أفضل كما تعودنا في القواعد الفقهية لا ننسى أن هذه القواعد قواعد أغلبية وليست كلية، ولذلك يقول العز بن عبد السلام إن هذه القاعدة ليست على إطلاقها، لأن الإيمان بالله وهو قاصر على العبد، هذا الإيمان بالله الذي يوجد في قلب العبد أفضل من كل الطاعات وهو عنده حق، فإن
الإيمان هو أساس كل الشريعة، فإذا لم يكن هناك إيمان فليس هناك شريعة ولا تشريع ولا طلب للثواب ولا إيمان بيوم آخر ولا بعقاب ولا بأي شيء. الإيمان بالله هو الأساس، هو البداية الصحيحة لكل شيء، ولذلك فهو أفضل الأعمال. هل الإيمان عمل؟ نعم، الإيمان عمل من أعمال القلب. هناك أعمال. للقلب أعمال مثل التوكل على الله، ومثل التوبة، ومثل الحب في الله والبغض في الله. وهناك أعمال للجوارح مثل الصلاة، ومثل الصيام، ومثل الزكاة، ومثل الحج. وهناك أعمال للسان مثل الشهادتين، ومثل شهادة الخير، ومثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومثل الدعاء، ومثل
الذكر، ومثل التلاوة. إذاً، فهناك أعمال بالأبدان باللسان وأعمال بالجنان وهو القلب، كلها أعمال، فالإيمان أفضل الأعمال، ولذلك كانت قاعدة المتعدي أفضل من القاصر قاعدة أغلبية، ومن هنا تكلم الفقهاء على مدى أفضلية فرض الكفاية عن فرض العين. ما هو فرض العين؟ فرض العين هو المهم الذي يُقصد حصوله من كل شخص مثل الصلاة، صلاة الفريضة، ولكن فرض الكفاية مهم يُقصد بحصوله
فقط. المهم في فرض الكفاية أن يقع الفعل، ولكن المهم في فرض العين هو أن كل شخص يفعله. فرض الكفاية مثل صلاة الجنازة، ومثل الجهاد في سبيل الله، ومثل الاشتغال بالصنائع والحرف التي فيها عمار الدنيا. فلو أن بعض الناس صلوا الجنازة يكفي فرض صلاة. الجنازة ليست فرضاً على كل شخص. إذا كان الجيش النظامي كافياً في القتال ضد العدو، يكفي وسقط الجهاد عن الجميع. إذا كان الأطباء بعددٍ كافٍ لعلاج الأمة، يكفي. أما إذا قلّوا عن حد الكفاية، أصبح فرضاً على كل من كان قادراً على تعلم
الطب أن يشتغل بتعلم الطب أو تعلمه. الهندسة أن يعمل بتعلم الهندسة فرض إلى أن يُسد الكفاية، فالمقصود من فرض الكفاية أن يوجد في الدنيا أن يقع الفعل من أي أحد، ولكن المقصود من فرض العين أن يكون شخصياً يقع من كل أحد. هنا من أي أحد وفي فرض العين من كل أحد. فرض الكفاية القائمون به. يصدون عن الأمة الإثم إذا فهو متعدٍ، فائدته متعدية، خيره متعدٍ. وفرض العين يرفع الإثم عن نفسه. فالسؤال الذي سأله الفقهاء: هل فرض الكفاية لأنه متعدٍ في فائدته أفضل وأحسن من فرض العين؟ ذهبت
طائفة كثيرة من العلماء إلى أن فرض الكفاية أفضل من فرض العين لأن المتعدي أفضل من. القاصر وذهب بعضهم إلى أن فرض العين مطلوب به في كل وقت وحين ومطلوب به كل شخص فهو مهم جداً، ولكن فرض الكفاية مطلوب به البعض، ولذلك يكون أقل أهمية. الراجح عندي أن فرض الكفاية أفضل من فرض العين لأن فرض الكفاية متعدٍ وفرض العين قاصر عند بعض الناس. أن توجد تفاضلاً بين العبادات المختلفة فيسأل مثلاً هل الصدقة أفضل والاشتغال بها والأضحية والذبح لله
سبحانه وتعالى أو الصلاة النافلة هي الأفضل؟ فتتبع القاعدة: الصدقة تنفع الغير، أخرجها فتُثاب وينتفع بها أخي الفقير الذي أخذها، الأضحية تنفع الغير، الذبح لله ينفع الغير، فكل هذه الأشياء متعدية فتكون أفضل وأبر. عند الله من الأشياء القَصْرِيَّة عندما نقارن بين الأشياء أن نلتفت إلى أننا نقارن الفرض بالفرض والنفل بالنفل، بمعنى أننا لا نقارن ما بين النفل والفرض. فالصلاة الفريضة تسبق النافلة، ليست أفضل منها لأن
الفريضة أفضل من النفل، ولكننا نتكلم في المتعدي والقاصر إذا اتحد النفل والفرض، نقارن بين فرضين نقارن بين نافلتين ولكن لا نقارن بين نافلة وفريضة أبداً لأن الفريضة دائماً أفضل من النافلة وأوسع منها. هذه قاعدة مهمة كما ذكرنا، ودائماً يسعى الإنسان إلى تحصيل الثواب الأكثر وإلى الاشتغال بالأهم، لأن الإنسان ينبغي ألا يكون زاهداً في الخير. مع حلقة أخرى، وإلى
حلقة أخرى، وإلى لقاء. قريباً أستودعكم الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.