قواعد الفقه الإسلامي | المشغول لا يشغل | ح20 | أ.د. علي جمعة

الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، أيها الإخوة المشاهدون أيتها الأخوات المشاهدات، مرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات قواعد الفقه الإسلامي ومع قاعدة جديدة يقول فيها الفقهاء: المشغول لا يُشغل، وهي قاعدة دليلها العقل فلا يختلف اثنان أن المشغول لا يُشغل. والشرع نفهمه بواسطة العقل. العقل لا يرتب ولا يستطيع أن يصل إلى الأفعال التي يترتب عليها ثواب ولا يترتب عليها إيقاف في الآخرة، لكنه يستطيع أن يفهم النص ويفهم
مراد الله ورسوله، ويفهم كيف يطبق هذا النص على الواقع، ويفهم كيف يغير الواقع حتى يهيئه لإيقاع النص عليه. العقل. يقوم بكل هذا لكن العقل لا يشرع، ومعنى عدم تشريع العقل هو أنه لا يستطيع وحده من غير نصوص الشرع أن يدرك هل الفعل الفلاني يترتب عليه ثواب في الآخرة. هل ذكر الله مثلاً يترتب عليه ثواب في الآخرة؟ العقل وحده لا يدرك، لأن العقل كعقل يمكن أن يبرر الموقفين. الموقف الذي يقول إن ذكر الله الإنسان يُثاب عليه أو الذي يقول إن ذكر الله الإنسان لا يُثاب عليه، يقول أحدهم: كيف أذكر الله وكل
النعم التي أنعم بها علينا إنما هي قطرة من فيض بحار بحاره سبحانه وتعالى ومن نعمه، فأنا أخاف أن أشكره وأن أذكره فيكون هذا في مقابلة القليل كالملك إذا ما وهب شخصًا حبة قمح ثم جلس هذا الشخص طوال حياته يشكر الملك، فقد يكون هذا إساءة أدب مع الملك. والثاني يقول: أبدًا، هذه النعم بالنسبة لنا أن نعدها لا نحصيها، "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها"، ومن هنا وجب علينا الشكر لما نزل الشرع. نزل بهذا وبين هذا أن الله سبحانه وتعالى يحب منا أن نشكره ويحب منا أن نذكره واذكروني أذكركم واشكروا
لي ولا تكفرون، ومدح قال والذاكرين الله كثيراً والذاكرات. المشغول لا يُشغل، الكوب الذي امتلأ بالماء مشغول، كيف أشغله بشيء آخر؟ بل وكيف حتى أشغله بالماء نفسه بماء آخر فلا أستطيع. أن أضع في هذا الإناء الممتلئ المشغول أي شيء آخر لأنه مشغول، ولأنه لا يمكن في محل واحد أن يقوم معنيان أو أن يقوم أمران متعارضان غاية التعارض في وقت واحد ومن جهة واحدة. ممكن من جهتين، نعم. ممكن في وقتين متتاليين، نعم. إذاً
فهو ليس بمشغول، لكن القاعدة... تقول المشغول لا يجعل ولذلك المرأة المتزوجة لا يمكن أن تزوج، فلو كانت هناك امرأة متزوجة يأتي رجل يتزوجها، فعقد الزواج الذي أنشأه هذا الثاني باطل لا يقع ولا محل له. الكوب مليء، فقضية الزواج هي أنها تتزوج رجلاً واحداً، والرجل الواحد مع متزوجها، ولذلك الآخر هذا لا مكان له، فالمشغول. لا يُشغَل. لو أنَّ رجلاً - وقد أباح الشرع للرجل أن يتزوج أربعة - قد تزوَّج الأربعة وأراد أن يتزوج الخامسة، ذمته امتلأت شرعاً.
شُغِلَت، والمشغول لا يُشغَل. لو عقد على الخامسة فعقده باطل كأن لم يكن، حتى لو طلَّق امرأة من الأربعة. في هذه الحالة، حالة غريبة يصبح فيها أو من... الحالات التي يصبح فيها للرجل عدة. نحن نعلم أن المرأة تمكث مدة يمكن فيها أن يرجعها زوجها إلى عصمته وهي المسمى بالعدة: ثلاثة شهور لمن لا تحيض أو لمن لا تتحيض كالآيسة، أو ثلاثة حيضات لمن هي في سن الحيض. ولكن هذا الرجل ليست له عدة، لكن الرجل هذا له. عدة لأنه عندما طلق واحدة من الأربعة ما زالت على ذمته، ما زال يمكن، ما زالت
لديه إمكانية لإرجاعها، ومن هنا فإنه لا بد أن ينتظر حتى تنتهي عدتها، وهنا يتصور للرجل عدة كذلك. رجل متزوج من امرأة وطلقها يريد أن يتزوج أختها أو عمتها أو خالتها، يحرم على الإنسان. يحرم على المسلم أن يجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها، وأن تكون له عدة ينتظر فيها انتهاء عدة تلك المرأة التي كانت في عصمته حتى يستطيع أن يتزوج أختها أو عمتها أو خالتها. المشغول لا
يشغل، كذلك أنا في الحج وفي منى هكذا أكون متلبساً بأفعال من أفعال الحج. لا يجوز لي أن أُحرِم بعمرة لأنني مشغول بالحج، ولا يجوز إدخال العمرة في أثناء وقت الحج. طبعاً أولى من هذه الصورة أن أكون بعرفة وأنا في الحج فأضجر، فأفعل عمرة مثلاً. لا يكون هذا، لماذا؟ لأنني مشتغل بعبادة أخرى قد أخذت هذا الوقت. مثلاً لا يجوز لي التشريك في النية بين الفرض والنفل إذا كانا متعارضين، فأنا أصوم
رمضان فآتي وأقول: أنا سأصوم رمضان غداً، يوم رمضان سأصومه وأصومه أيضاً بنية أنه نفل. لا يجوز هذا لأنني مشتغل بالفرض، فلا يجوز إضافة نية النفل فيه. كذلك في باب من أبواب العقود، أنا رهنت بيتاً معيناً، والرهن عبارة عن وثيقة. شيءٌ موثوقٌ يعني أيّ مرهونٍ محبوسٍ كوثيقةٍ يُستوفى منها الدَّيْن عند تعذر السداد. أنا رهنتُ هذا البيت للدَّيْن لهذا الدائن حتى يستوفي منه، لا يجوز أن أرهنه لدَيْنٍ آخر. أنا بعتُ هذه العين، بعتُها لأحدهم فلا يجوز أن أبيعها لشخصٍ آخر. مشغولٌ لا يُشغل،
قاعدةٌ مهمةٌ جداً. تفك كثيراً من المشكلات لدينا وإلى لقاء قريب، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.