قواعد الفقه الإسلامي | الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة | ح24 | أ.د. علي جمعة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات، مرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات قواعد الفقه الإسلامي، ومع قاعدة جديدة نلقي عليها مزيداً من الضوء. القاعدة: تكون الولاية الخاصة أقوى. من الولاية العامة ينبغي علينا أن ندرك معنى الولاية. معناها من له القدرة على التصرف، ولذلك القدرة على التصرف أعطاها
الشرع للأب والجد مثلاً على تزويج الصغار وعلى التصرف في أموالهم، وهؤلاء هم الأولياء الطبيعيون. وهناك ولاية أعطاها الشرع للعصبة، ولاية النكاح فقط. وهناك ولاية أعطاها الشرع للوصي وهي... ولاية المال فقط إذا فُقدت تكون الولاية ومعناها القدرة على التصرف من غير إذن الذي تحت الولاية. هي القدرة على التصرف إما في الزواج والمال ويُطلق عليها الفقهاء في النفس
والمال، وإما في الزواج فقط، وإما في المال فقط. تكون هذه الولاية طبيعية وتكون إنشائية وضعية. الطبيعية مثل الأب العصبة للميراث والوضعية مثل الوكيل، فالوكيل له أن يتصرف عني بإذني فهو له ولاية، ومثل الوصي الذي أوصيه على أولاده فيتصرف في أموالهم ما داموا صغاراً، ومثل ناظر الوقف، فناظر الوقف يتصرف في الوقف بناءً على تعيين الواقف له، ويتصرف في هذه الأموال. إذاً هذه هي الولايات ولكنها ولايات كما. نرى ولايات خاصة والحاكم ولي
من لا ولي له، يجوز للحاكم أن يزوج ويجوز للحاكم أن يتصرف وأن يعين وصياً على الطفل وعلى أمواله، ويجوز للحاكم ما يجوز للأولياء عند غيابهم. وهذه هي القاعدة التي معنا أن الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة التي تكون للحاكم وعلى ذلك. إذا تعارضت الولايتان قدمنا الولاية الخاصة لأنها هي الأصل ولأن تدخل الحاكم في شؤون الناس لا يكون إلا بقدر الضرورة التي بها تسير الأمور وعلى الرغم من ذلك فإن تدخل الحاكم هذا لا يعطيه كل الحقوق التي للأولياء الخاصين فمثلاً وهنا تأتي القاعدة الولاية.
الخاصة أقوى من الولاية العامة، فالقاضي لا يستطيع أن يتصرف مع وجود الولي وأهليته. والقاضي، وهو نائب الحاكم وله الولاية العامة، يتصرف عند غياب الولي مسافة تزيد عن مسافة القصر، أي الخروج عن دائرة نصف قطرها ثمانون كيلومتراً. وهذا يختلف عما إذا كان الولي في دائرة نصف قطرها أقل خمسة وثمانين كيلومتراً فهو حاضر لأنه يمكن أن نستدعيه بسهولة ولا يكون في نطاق السفر. إذا
كان الولي حاضراً يقولون حاضراً قادراً. والمقصود بقادر هو ما نعبر عنه بأن القاضي لا يستطيع أن يحكم إلا عند غياب أهليته، إما غياب ذاته بنفسه كأن يكون خارج هذه الدائرة التي نصف قطرها. ثمانين كيلو أو يكون حاضراً بجسمه لكنه فاقد الأهلية، مجنون مثلاً. إذا كان الأب أو الجد أو غيرهما مجنوناً فلا سلطان له في التصرف في الزواج ولا في المال. فمن فروع هذه القاعدة أن القاضي لا يحكم مع وجود الولي الخاص مع حضوره، لا يحكم إلا بغيابه أو فقده. أهليته مثلاً المرأة
لا بد عندما تتزوج أن تتزوج كفؤاً لها من ناحية الحسب والنسب. الحسب هو الوضع الاجتماعي والنسب هو العائلة التي تنتمي إليها. حتى لو كانت هي فقيرة أو أصلها فقيرة، لكن العائلة التي تنتمي إليها لا بد أن تتكافأ مع العائلة الأخرى. إنما هذا حق من حقوق. المرأة حتى لا تقع تحت سلطان شخص خارج عن بيئتها، خارج عن فكرها، خارج عما اعتادت عليه، فلا يتوافق معها، فلا تتوافق معه هذه الكفاءة. يمكن إذاً للمرأة أن تتنازل عنها لأنها حق من حقوقها، فيمكن
للمرأة أن تقول لوليها الخاص: يا أبي أو يا جدي أو يا أخي لقد... تنازلتُ عن الكفاءة فارتضيتُ بهذا الإنسان لأنني أحبه، فيمكن للأب أن يوافقها على هذا، وبذلك نُهمل شرط الكفاءة وتتزوج الفتاة ممن أحبت حتى لو كان من مستوى أقل من مستواها. ولكن الحاكم لا يجوز له أن يفعل هذا ولو أذِنت له الفتاة، فالفتاة عندما تقول للمأذون أنا تنازلت عن الكفاءة. هي ذات حسب ونسب ويرى المأذون أمامه أنها سوف تتزوج بشخص لا يتناسب معها اجتماعياً، فيرفض، لأن الولاية الخاصة
التي يستطيع فيها الولي أن يقبل هذا الكلام من البنت أقوى من الولاية العامة التي لا يستطيع فيها الحاكم ولا من أذن له الحاكم بالتزويج أن يزوج هذه الفتاة مثلاً. عندنا في القصاص أولياء القتيل، حتى يُبرِّد الشرع قلوبهم، لهم أن يطالبوا بالقصاص بأن نقتل القاتل، ولهم أن يطالبوا بالدية، نعم، لا نريد أن نقتل القاتل لكن يدفع الدية، ولهم أن يعفوا مجاناً. فلهم أن يفعلوا واحداً من هذه الثلاثة: إما أن يصروا على قتل القاتل، وإما
أن يأخذوا الدية. ولا يقتلون القاتل ويعفون عنه في مقابل الدية، وإما أن يعفوا عن القاتل بدون دية وبدون مقابل مجاناً. أما سبحان الله، لو كان الحاكم فإنه لا يجوز له أن يعفو مجاناً، يجوز له أن يطالب بقصاص تهدئةً لقلوب أهل الميت، ويجوز له أن يطالب بالدية لمصلحة القُصَّر أو الصغار. كذا إلى آخره، لكن أو لمصلحة حتى بيت المال إذا لم يكن له أهل، لكنه ليس له أن يعفو مجاناً. إذاً، فالولاية الخاصة وهي الأصل أقوى من الولاية العامة. إلى
لقاء آخر، أستودعكم الله.