قواعد الفقه الإسلامي | اليقين لا يزول بالشك جـ1 | ح25 | أ.د. علي جمعة

قواعد الفقه الإسلامي | اليقين لا يزول بالشك جـ1 | ح25 | أ.د. علي جمعة - فقه, قواعد الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مرحباً بكم وأهلاً وسهلاً في حلقة جديدة من حلقات قواعد الفقه الإسلامي مع قاعدة أساسية من القواعد الخمس الكبرى. نتذكر هذه القواعد الخمس التي جمعها الناظم فقال: خمس محررة قواعد مذهبي للشافعي بها تكون. بصيرة ضرر المزال وعادة قد حكمت وكذلك المشقة تجلب التيسير والشك لا يُرفع به متيقناً وخلوص النية إن أردت أجوره. قاعدتنا اليوم تقول:
اليقين لا يزول بالشك، قاعدة من الخمس الكبار: الأمور بمقاصدها، الضرر يزال، اليقين لا يزول بالشك، المشقة تجلب التيسير، إلى آخر ما هنالك. أخذوا هذا من مجموع. الشريعة فعند تتبع الفروع الفقهية وجدوا أن اليقين لا يزال بالشك، في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا انتاب أحدكم شيء في صلاته فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يشم ريحاً". قد يحدث للإنسان شك في صلاته ويحدث له شك في نقض وضوئه
وهو في الصلاة، وعندما هذا مع الصحابة سألوا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا فدلهم على تلك القاعدة أن الإنسان دائماً يبني أحكامه على اليقين الذي تيقنه ويسير معه ولا يخرج من هذا اليقين بالشك، فهو لا بد أن يتأكد أنه قد نقض وضوءه حتى يخرج من الصلاة أما مجرد الشك. فلا يسود له ذلك ويبقى على تلك الطهارة التي تيقنها. هناك فروع كثيرة في كل أبواب الفقه الإسلامي تندرج تحت هذه القاعدة، بل إن هناك قواعد
كثيرة كما سنرى في حلقات متتابعة تتفرع من تلك القاعدة الأم، منها أن الأصل في الأشياء الإباحة، ومنها أن الأصل في الأبضاع التحريم، ومنها. بقاء الحال على ما كان عليه، ومنها الكثير من القواعد التي جاءت وتولدت من هذه القاعدة الكبيرة. من فروع هذه القاعدة مثلاً: أنني صائم، وفي حال الصيام أنا متأكد أي متيقن أنني في النهار، ثم شككت: هل دخل وقت المغرب؟ هل
غربت الشمس؟ هل أذّن المؤذن لصلاة المغرب؟ هذا الشك اليقين في صورتنا هذه هو الصوم، وهو الامتناع عن الأكل، والشك هو انتهاء موعد الصوم. اطرح الشك وابقَ على صومك حتى إذا تجرأ أحدهم وشك في أن المغرب هل أُذِّن أم لا، فتجرأ وأكل، ثم ظهر أنه لم يؤذن، فعليه إعادة هذا اليوم. بالعكس لو أنني في الإفطار وفي السحور. أكل السُّحور، السُّحور بفتح السين يُطلق على الطعام، والسُّحور على
عملية الأكل نفسها، على عملية التسحُّر. فأمامي السُّحور وأنا في السُّحور، وشككت هل أذَّن الفجر أو لم يؤذن؟ في هذه الحالة أستصحب الأصل، أسير مع اليقين، واليقين هو بقاء الليل لأنني الآن في الليل. كان سيدنا ابن عباس يُدرك مثل... هذه القاعدة كان يرسل غلمانه حتى يرصد الفجر، إذ يرسل غلامين له ليرصدا الفجر، ثم يرجع الغلامان إلى ابن عباس فيقول أحدهما: ظهر الفجر، ويقول الآخر: الفجر لم يظهر بعد. فيقول
ابن عباس لهما: اختلفتما، ائتياني بسحوري، هاتوا الطعام لأنكما اختلفتما، فليس هناك يقين، بل هناك شك، واليقين هو بقاء ذلك يقول ربنا سبحانه وتعالى "حتى يتبين" وليس حتى تظنوا أو تتوهموا أو تشكوا "حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر". فاليقين لا يزول بالشك، ومن هذا اختلف الزوجان في التمكين، في تمكين الزوجة نفسها لزوجها، فقالت الزوجة: "سلمت نفسي إليك من
وقت كذا"، وأنكر الزوج، فالقول... قل له لأنَّ الأصلَ عدمُ التمكين. نعلمُ جميعاً أنَّ هناكَ فارقاً بينَ العقد وكتبِ الكتاب وبين الدخلة والبناء. فالزوجان يقومان بالعقد أولاً، ثم قد تمضي مدة شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين، ثم يحدث الدخول والبناء. في هذه الفترة ما بين العقد وبين الدخول، حدثَ نزاعٌ بين الزوجين ادَّعت القاضي أنه قد دخل بها زوجي هذا، دخل بي، وقال هو: لم أدخل بها. تعلمون أيضاً
أن هناك حقوقاً ستترتب على قضية الدخول وعلى قضية عدم الدخول، لأن الزوج إذا لم يدخل بها فإنه يدفع نصف المهر المسمى بينهما فقط، فإذا دخل بها استحقت المهر كله، فالأمور سيترتب عليها أمور. أخرى إذا لم يدخل بها وكانت هي حامل فليس هذا الولد منه، أما إذا دخل بها وكانت حاملاً فإن هذا الولد يُنسب إليه وإلى فراشه ويرثه، وتترتب أحكام كثيرة جداً على قضية الدخول وعدم الدخول، فهناك خطورة في هذا الحكم نحتاج إلى البت فيها، فماذا يفعل القاضي مع الزوجين الذي يدّعي الزوج أنه لم يدخل بها، وتدّعي الزوجة أنه
قد دخل بها وأنها مكّنت نفسها له. الأصل اليقين أنه لم يدخل، والشك الذي حدث في هذا النزاع هو