قواعد الفقه الإسلامي | ما ثبت بالشرع مقدم على ما ثبت بالشرط | ح39 | أ.د. علي جمعة

قواعد الفقه الإسلامي | ما ثبت بالشرع مقدم على ما ثبت بالشرط | ح39 | أ.د. علي جمعة - فقه, قواعد الفقه الإسلامي
مرحباً وأهلاً بكم في حلقة جديدة من حلقات قواعد الفقه الإسلامي، ومع قاعدة لطيفة من القواعد المهمة يقول فيها الفقهاء: ما ثبت بالشرع مقدم على ما ثبت بالشرط. هنا نسمع كلمة الشرع، والشرع هو ما ثبت في الكتاب والسنة، ونسمع كلمة الشرط، والشرط هنا هو ما اشترطه الإنسان من نفسه. يقولون هذا بجعل الشارع وهذا بجعل المكلف، جعل أي أن الشارع هو الذي جعل هذا شرطاً في المسألة الفلانية، وجعل المكلف معناه أنني
أنا الذي جعلت هذا شرطاً في المسألة الفلانية. قديماً كانوا يقولون قاعدة أخرى: المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، أي أنه إذا شاع عرف ما بين الناس فإن هذا العرف يرجع إليه في العقود عندما نفسر العقد الذي نشأ بين اثنين في بلد معينة قالوا فيها أن أنا قد بعت أو اشتريت أو أجرت هذا الشيء بمبلغ ألف ولم يذكر ألف ماذا، ألف جنيه أو ألف دولار أو ألف ريال، فإن المعروف عرفاً في هذا البلد هو استعمال الدولار. أو الجنيه كالمشروط شرطاً كأنه شرطوه وقالوا ألف جنيه. العقود تفسر في بيئتها، وهذا معنى أن المعروف عرفاً المنتشر بين الناس المستقر كالمشروط
شرطاً كأننا قد شرطناه، والمسلمون عند شروطهم، هذا نص الحديث. يقولون: شرط الواقف كنص الشارع، إذا أوقفت وحبست مالاً معيناً حتى يُصرف على جهة طلبة العلم أو... الفقراء أو على أولاد معينين وشرطت فيه شرطاً، هذا الشرط كأن الشارع شرطه. إذا جعل المكلف للشيء شرطاً له مكانته في الفقه، له اعتباره، له احترامه. ولكن عندما يثبت شيء بالنص وبالشرع وآتي أنا فأشترط هذا الشرط يعارض أو لا يتسق؛ لأنه في بعض الأحيان يكون
على سبيل تحصيل الحاصل. كما سنرى لا يتسق مع نص الشارع فإن المقدم هو نص الشارع، المقدم هو ما ثبت بالشرع فما ثبت بالشرع مقدم على ما ثبت بالشرع. من فروع هذه المسألة قضية النذر، معلوم أنني لي أن أنذر لله، النذر لا يكون على محرم، يعني لا أستطيع أن أقول لو أن الله سبحانه... وتعالى أكرمني بالنجاح في القضية الفلانية أن أعصي الله لا يجوز، نذر على أن أعصي الله لا يجوز هذا ولا ينعقد النذر، لأن النذر قربة إلى الله، والقربة إلى الله لا تكون إلا بما يرضى عنه الله سبحانه وتعالى، إلا بما يرضى عنه الله وإلا بما شرعه الله، وهكذا
إذا. فلا نذر في جانب الحرام، أنا سأنذر في جانب الواجب. هذا تحصيل حاصل، أقول لله عليّ أن أصلي الظهر. أنت مفروض عليك أن تصلي الظهر، ماذا جئت بالجديد؟ أين القربى التي أوجبتها على نفسك تطوعاً فوجبت عليك من إيجاب نفسك أنت؟ لأنه يسلك بالنذر مسلك الواجب، يعني أن الإنسان عندما ينذر نذراً يصير فرضاً عليه الشارع لم يفرضه عليه. الشارع لم يقل له تصدق ولا بد، اذبح لله وللفقراء ولا بد، صلِّ ركعتين لله ولا بد. هو الذي قال لا بد، هذا هو الذي أوجب على نفسه النذر. إذاً فلا يصح نذر الواجب، لا يصح أن أقول إذا
أنجحني الله. سبحانه وتعالى في كذا فلله علي أن أصلي الظهر هذا نذر باطل لا يجوز، إنما أقول لله علي أن أصلي ركعتين، أن أصوم يوماً أو يومين، أن أذبح لله وأوزع على الفقراء وهكذا. فالنذر إنما يكون في المستحبات، لا يكون في الحرام ولا يكون في الواجب. الشرع شرط هذا شرط. أن تصلي الظهر نصاً على أن تصلي الظهر فلا تستطيع أن تشرب على نفسك هذا الشرط، فما ثبت بالشرع مقدم على ما ثبت بالشرط، ما ثبت بالنص بجعل الشارع مقدم على ما ثبت بجعل المكلف، ولذلك هناك شيء في الفقه الإسلامي وإن كنا لا نستعمله كثيراً وهو يحل.
كثيرٌ من مشكلات الأسرة التي لم توفق في الاستمرار وهو ما يسمى بالخلع. الخلع هو عبارة عن طلاق تفتدي به المرأة نفسها، تعطي للرجل مقابلاً لطلاقها. جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة وقد ضاقت ذرعاً من زوجها وتعذرت الحياة بينهما، فقال لها: "هو أعطاك حديقة مهراً، أتردين عليه حديقته؟" قالت نعم يا رسول الله، فقالت: رُدَّ عليه الحديقة. فقال له: وطلقها تطليقًا. هذه تحل مشكلات كثيرة، أنه لِمَ لا تطلق أيها الرجل وتتعمد في عدم الطلاق؟ قال: لأنني لست كل
يوم أدفع مهرًا وأُجهِّز شقة وأصرف، ثم تأتيني وتقول: لا أريد، لا أرغب، من غير سبب هكذا، ماذا؟ أفعل فقلت له لك حق إذا ترد عليك إن كانت الكراهية من قبلها وهي التي لا تريد الاستمرار ترد عليك حديقتك، حديقتك هنا هي عبارة عن رمز لقضية النهر لقضية المقابل، تعطيك ما دفعته ثم تطلقه. بعض الفقهاء بل كثير منهم يقولون تعطيه ما أراد لا ما أعطاها فقط لأنه. قد تختلف القيم باختلاف الأزمان وهذا يطول شرحه، ولكن الخلع هو طلاق في مقابل أن تعطي المرأة للرجل ألفاً أو ألفين وهو يطلق. فلو قال
طلاق الخلع، فالخلع يقع طلاقاً بائناً. ما معنى طلاق بائن؟ الطلاق نوعان: طلاق رجعي يستطيع الرجل خلال ثلاث حيضات تحيضها المرأة سواء في ثلاثة شهور في... ستة أشهر في أي مكان فترة ثلاث حيضات يستطيع الرجل خلالها أن يُرجع زوجته حتى لو لم ترد. الطلاق من النوع الثاني اسمه الطلاق البائن يعني الطلاق المنتهي، يعني لا يستطيع الرجل أن يُرجع زوجته. فهنا في هذه الحالة نجد أنه لا يستطيع أن يُرجع زوجته في حالة الخلع. لأنها دفعت من أجل أن تُطلق، لا من أجل أن يتلاعب بها فيطلقها الإنسان ثم يعيدها مرة أخرى ويقول لها: أعطيني ألفاً أخرى. فلا
يصلح هذا، فالخلع طلاق بائن. قال لها: طلقتك بألف على أن لي الرجعة. انظر الشرط الذي شرطه هذا المكلف، طلقتك بألف، هذا كلام لازم لا بد منه. أن يكون بائناً، فإذا يقول: "على أن لي الرجعة"، اشترط شرطاً يخالف الشرع، سقطت الألف وأصبحت هذه طلقة رجعية، وتُحسب من الطلاق. فلو كان طلقها قبل الآن مرتين وهذه الثالثة، أو لو كان لم يطلقها، فهذه الأولى أو الثانية وهكذا. "على أن لي الرجعة" شرط من المكلف كُره واصطدم مع الشرط. الشرعي وهو أن الطلاق في المقابل داء وليس رجعي إذا ما ثبت بالشرع مقدم
على ما ثبت بالشرع إلى لقاء قريب استودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته