قواعد الفقه الإسلامي | ما حرم أخذه حرم إعطاؤه | ح31 | أ.د. علي جمعة

قواعد الفقه الإسلامي | ما حرم أخذه حرم إعطاؤه | ح31 | أ.د. علي جمعة - فقه, قواعد الفقه الإسلامي
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها المشاهدون الأعزاء، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. في هذه الحلقة اليوم نعيش مع قاعدة فقهية كلية من قواعد الفقهاء الأجلاء، يقول فيها الفقهاء: "ما حرم أخذه حرم إعطاؤه". هذه المقابلة منطقية، فإن الرشوة مثلاً يحرم إعطاؤها ويحرم. أخذُها بالسرقة يُحَرِّم تداولَها لأن
مَن سرق شيئاً وجب عليه أن يُعيدَه إلى صاحبه، فيحرم عليه أن يتصرف فيه. كل ما حَلَّ أخذُه حَلَّ إعطاؤُه، لأن الأخذ والإعطاء في مقابلة بعضهما البعض، فإذا كان هذا حلالاً كان هذا حلالاً، وإذا كان حراماً كان حراماً. فالقاعدة منطقية. لكنهم استثنوا من هذه القاعدة أموراً، ونحن تحدثنا عن قضية الاستثناء في القواعد الفقهية. القواعد الفقهية هي قواعد أغلبية، أي أنها تدل غالباً على جزئيات
أحكامها الجزئية، ولكن هناك أشياء تخرج عن القاعدة، تكون من القاعدة وتخرج عنها. المستثنى من القواعد نوعان: ما اشتبه على الفقيه أنه من القاعدة وليس من القاعدة في الحقيقة فهذا نسميه أن هذا الفرع خارج عن القاعدة، والنوع الثالث هو ما كان من القاعدة ولكنه لا يأخذ حكمها إنما يُستثنى منها، وهذا نسميه الفروع المستثناة. فهناك فروع خارجة وهناك فروع مستثناة. الخارجة ليست من القاعدة أصلاً، أما ما يحدث الاشتباه فيها والمستثناة إنما هي قد... استُثنيت من أجل غرض معين من أجل أن توافق مصلحة، أن توافق نصاً، أن توافق إجماعاً، أن يكون في مراعاتها
حفظاً للمقاصد الكلية، وغير ذلك من أنواع التنازع الذي يحدث بين القواعد على فروع بعينها، فتتردد هذه الفروع بين قاعدتين، ثم يميل الفقيه بذلك الفرع إلى قاعدة لأنها أقوى دليلاً. في هذا الفرع أو لأن هناك إجماعاً إلى آخر ما ذكرنا، ما حرم أخذه حرم إعطاؤه إلا في فروع معينة. قال: الرشوة ليتوصل بها إلى حقه. هذا نص كلام الإمام السيوطي، وهو إن كان في ظاهره غير مقبول اجتماعياً، إلا أنه في الحقيقة يحل كثيراً من المشكلات، لأننا
لا... أنجيز للناس عند شيوع الفساد أن تفسد كما فسد الناس؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يكونن أحدكم إمعة، يقول أنا مع الناس، إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساؤوا أسأت". وطنوا أنفسكم على أنهم إن أحسنوا فأحسنوا، وإن أساؤوا فأحسنوا. النهي أي أنه مع كل شخص، ويقول: "وإذا رأيت..." هوىً متَّبَعاً وإعجاب كل ذي رأي برأيه وشُحّاً مطاعاً ودنيا مؤثرة، فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة. هذه الأحاديث وغيرها الكثير تبين أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يُرى ثم يُجزاه الجزاء الأوفى. تبين أن الإنسان ينبغي أن يستقل
في التزامه عمن حوله لكن يأتيني شخص ويقول فعلاً هذا المتعمد المرتشي إذا لم يأخذ هذه الرشوة في هذه الحالة ضاع حقي وخربت البيوت وضاعت الأموال، ماذا أقول له؟ هنا يَخرج هذا الفرع المستثنى من القاعدة. نعم، ما حُرِّم أخذه وحُرِّم إعطاؤه، ولكن إذا وصلت المسألة إلى خراب البيوت وضياع الأموال. وتشتيت الأسر وضياع الحقوق، فإن هذه الأموال التي تُعطى حلال من دافعها الذي يريد أن يستخلص حقه الضائع الذي سُدت أمامه كل السبل. أنا لا
أقول بذلك إلا إذا سُدت كل السبل، وإلا إذا ترتب عليه ضرر بليغ فوري إذا لم يفعل ذلك، فإنما نبيح له أن يعطي وهو يقول. عند العطاء نقول حسبنا الله ونعم الوكيل، ثم بعد ذلك نقول للآخر: أنت عليك حرام وسُحت. ولذلك يُسمي بعض العلماء هذه الصورة أنها ليست رشوة في الحقيقة، إنما هي سُحت على الآخذ. هذه الحالة لا يمكن أن تكون إلا وقد تمحض الحق لهذا الدافع فعلاً، وليس يدفع من... أجل أن يأخذ حق غيره وإلا فهي رشوة بلا نزاع وفساد عريض في الأرض بلا نزاع وهي من الكبائر بلا نزاع ولكن نحن هنا في صورة معينة يجوز دفع
هذا السحت فيها ليتوصل بها إلى حقه المستقر الذي لا نزاع فيه والذي لا يمكن أن يحصله إلا بهذا ولذلك أضرب مثالاً آخر بفرع آخر قد يقرب الصورة لأن هذه المسألة مسألة حساسة وينبغي علينا أن نلتفت إليها ونحن في حاجة إليها عند شيوع الفساد حتى لا نترك ديننا وحتى أيضاً لا ينتشر الفساد فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أساس كبير من أسس دين الله سبحانه وتعالى هذا الفرع. الثاني فيه فداء الأسير، فإذا وقع أسير عند العدو في الجهاد، هل يجوز لي أن أعطي ذلك العدو
مالاً؟ يحرم على المسلم أن يعطي العدو مالاً، يحرم عليه ذلك لأنه يتقوى به العدو على المسلمين ويؤذيهم ويحاربهم. ولكن حرام على هذا العدو في ديني أن يأخذ هذا المال ولكن... يحلو لي من أجل أن أفدي ابني الأسير عنده أن أعطيه المال. هذا المال سحت للآخذ، حلال من المعطي، إذاً فهو مخالف للقاعدة التي تقول: ما حرم أخذه حرم إعطاؤه، إلا في تلك الحالة. لنزيد الإيضاح أيضاً نذكر فرعاً وهو ما لو أن هناك غاصب، هناك غاصب استولى على أرض. يتيم فأنا أدفع له مالاً
حتى يترك مال اليتيم، هذا الدفع أنا أدفعه قهراً، أنا أدفعه غصباً، أنا أدفعه من أجل أن أحمي مال اليتيم وأن أحمي أرضه. هذه الحماية جائزة، ويُستثنى ذلك الفرع من تلك الفروع، وتصبح عندي القاعدة مستمرة وقائمة، وهي أنه ما حُرِّم أخذه حُرِّم إعطاؤه إلا... في بعض الصور القليلة التي نصَّ عليها الفقهاء والتي لا تزيد في مجملها عن خمس صور. هذا وبالله التوفيق وإلى لقاء قريب، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.