قواعد الفقه الإسلامي | هل العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني أو بالألفاظ والمباني ؟ | ح19

قواعد الفقه الإسلامي | هل العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني أو بالألفاظ والمباني ؟ | ح19 - فقه, قواعد الفقه الإسلامي
اشتهرت في حياة الناس هذه القاعدة، وتختلف باختلاف الفروع، ولذلك نراهم صاغوها في صورة سؤال، يقولون: هل العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني أو بالألفاظ والمباني؟ عندما يختلف الترجيح في الفروع فإنهم يأتون ويضعون القاعدة بهذه الصيغة العامة التي فيها سؤال وليس فيها جزم بواحدة منهما، لم يقولوا أن... العبرة
بالمعاني، أو يقولون مثلاً إن العبرة بالمباني والألفاظ والمعاني، أي بالمقاصد وصورها في سياق السؤال. لأنه في بعض العقود تكون العبرة بالمقاصد والمعاني، وفي بعضها تكون العبرة بالألفاظ والمباني. ومن أجل ذلك نريد أن نطبق هذه القاعدة، فمثلاً عقد البيع، العقد دائماً عندما يُعقد بين اثنين يعبّر عن... اتفاق الإرادتين العقد له ثلاثة أركان إجمالاً وهي ستة تفصيلاً.
يتكون العقد من الطرفين المتعاقدين، ولنضرب مثلاً بعقد البيع: البائع والمشتري، والمحل وهو الثمن والمثمن، والصيغة وهي القبول والإيجاب. يقول البائع: "بعتك هذا الشيء بكذا من الثمن"، فيقول المشتري: "اشتريت". قوله "بعت" و"اشتريت" عندما يتفقون على السلعة وعلى الثمن يسمى فالعقد له في هذه المرة نية البائع ونية المشتري وهو نقل ملكية السلعة من أحدهما إلى الآخر، وفي نفس الوقت هم يريدون أن ينتقل الثمن من المشتري إلى البائع حتى يتمتع البائع
بذلك الثمن وحتى يتمتع المشتري بتلك السلعة، ولكن افترض أن البائع والمشتري لم يذكرا كلمة البيع والشراء. إنما قال أحدهما للآخر أعطيتك أو وهبتك هذا الشيء في مقابل هذا الثمن. كلمة "وهبتك" كلمة لا تعني أن يكون فيه مقابل، لا تعني أن هناك مقابلاً سيُدفع، لكن هو قال هكذا: "وهبتك هذا الشيء في مقابل خمسة جنيهات". ماذا نفعل وبماذا نحكم؟ هل هذا عقد بيع؟ لو اتجهنا إلى... النيات. نعم، هذا الرجل يريد أن يبيع سلعته، وهذا الرجل يريد أن يشتري
تلك السلعة. لو اتجهنا إلى الله، هذا ليس فيه بيع وليس فيه شراء، هذا فيه خلط بين المعاوضة وبين التبرع؛ لأنه قال: "وهبتك"، ثم رجع وقال: "في مقابل". فماذا نفعل؟ هل نصحح هذا العقد؟ قالوا: نعم. يمكن أن نصحح هذا العقد ونعتبر أن العبرة إنما هي بالمقاصد والمعاني، ولكن هناك عقود هي غاية في الخطورة لأنها يترتب عليها ما لا يترتب على مثل البيع والشراء. عقود الزواج ليست كالبيع والشراء، فالبيع والشراء مسألة سهلة وتتم كل يوم في أطعمتنا وفي ألبستنا وفي حياتنا كلها. بملايين الجُنيهات
تتم، وبالقليل تتم، بالقروش القليلة تتم، لكن الزواج أمر خطير يترتب عليه نسب، يترتب عليه أولاد، يترتب عليه ميراث، يترتب عليه وجوب نفقة إلى آخره من المستلزمات والآثار التي تترتب على عقد الزواج. هذا العقد، عقد الزواج، لا بد إذًا أن نتحرى فيه وألا نكتفي فيه فيما لو... قال رجل لآخر: أعطيتك ابنتي، فقال: قبلتُ في مقابل نهر كذا. الحقيقة أن المعاني التي يقصدها العاقدان هو الزواج، ولكن لا نقبل أبداً إلا بالألفاظ الصريحة في هذا العقد لشدة خطورته.
يبقى هناك معنى قائم في العقد جعله متميزاً عن العقود الأخرى، ولذلك لا نأخذ فيه بالمقاصد والمعاني وإنما... لا بُدَّ أن نشترط أيضاً الألفاظ والمباني. كلمة المقاصد هي نفسها كلمة المعاني، وكلمة الألفاظ هي نفسها كلمة المباني، أي كلمة دمية، الكلمة التي تشتمل والتي هي قالب للمعنى أو للمقصد. إذا أنا هنا في عقد زاد أرفض وأقول هذا عقد باطل وإن كانت المعاني إنما هي معانٍ واحدة. الذي كان يقصده الرجل من قوله "أُعطيك ابنتي في مقابل كذا من النهر" يقصد الزواج، ولكننا لا نعقد بهذا الزواج، بل لا بد له أن يقول "أنكحتك" أو "زوجتك ابنتي"
على صداق كذا بشهادة الحاضرين العالمين أن هذا عقد زواج شرعي، وهكذا لها صيغة ولا يمكن أن نخرج من هذه. الصيغة إذا، فالقاعدة عندما تشتمل على نوعين من أنواع الفروع المتخالفة فإننا نراهم يصوغونها في صورة سؤال: هل العبرة بالألفاظ والمباني أو بالمقاصد والمعاني؟ سؤال لماذا؟ لأن هذا السؤال ينبغي أن يظل هكذا لاختلاف ما في ما تحته من الفروع. إلى لقاء قريب مع قاعدة أخرى من قواعد. الفقه الإسلامي السلام عليكم ورحمة الله