كيفية التعامل مع الشواذ | أ.د علي جمعة

سائل يسأل ويقول: كيف نتعامل مع الشواذ على مستوى الدولة وعلى مستوى الأفراد؟ متى نعاقبهم؟ هل ننبذهم أم نحتويهم؟ هل يختلف الحكم بين من يجاهر بهذه المعصية وبين من يتكتم عليها؟ يقول الإمام القرطبي في معصية كانت نائمة ثم شاعت وسط الناس: "ويا ليتها ما صارت قيلة"، يعني ليتها ما انتشرت.
مشاهد هكذا لأن كل الناس أصبحت تسأل عن المعصية التي يتحدث عنها الإمام القرطبي، وهي ليست الشواذ، ولكن الأئمة الأعلام علّمونا أن نتحدث عن هذه القاذورات إذا انتشرت. أولاً، لا نتكلم ولا نذكر سيرتها، وعندما نجد شخصاً يسأل سؤالاً، نسكت ونجعل الحل في الغرف المغلقة عند الأطباء في... الستر فإذا شاعت وذاعت تصدّوا لها لماذا؟ لأن هذا الشيوع مع السكوت يؤذن بالرضا. لما هي شاعت وذاعت لماذا لم تتكلموا؟ إذن السكوت
له وقت والكلام له وقت، والحكمة أن تتكلم بالكلام المناسب في الوقت المناسب في المكان المناسب في الحال المناسب مع الشخص المناسب. هذه هي الحكمة المناسبة. فإذا رأينا أنهم عدُّوا هذا الفعل الخبيث الذي اتفقت عليه الأديان، وليس هناك حاجة تسمى الأديان الإبراهيمية المنسوبة إلى سيدنا إبراهيم. سيدنا إبراهيم وسيدنا موسى وسيدنا عيسى وسيدنا محمد يسمونهم بالأديان الإبراهيمية. وهناك شيء يُسمى الأديان، هذه الأديان يعني حتى الأديان الموضوعة، دين وضعه شخص ما هكذا
وقال: مُت الآن يا أبناء. نصنع ديناً مثل البهائية أو مثل ما لا أعرفه من التنياسيكيو في اليابان أو مثل دينٍ آخر مثل الشنتو، هؤلاء الشنتو يعبدون ثلاثة آلاف إله، ثلاثة آلاف إله! إنا لله وإنا إليه راجعون. يعني الجاهلية كانت تعبد صنماً أو اثنين، هذه القبيلة تعبد واحداً، وهذه القبيلة تعبد هُبَل وما شابه ذلك، لكن لا، هؤلاء... مساكين يعبدون ثلاثة آلاف إله، الله يكون في العون. والله اجتمعوا في بروكسل في بلجيكا ثلاثون ديناً. ربما أنت عندما تعد الأديان التي تعرفها لا تجدها عشرة، لكنهم
ثلاثون ديناً، ورأوا أن الشذوذ انحراف عن الخلقة الأصلية ومعصية للرب. كل الناس أصحاب دين يرون أن هذا الكلام هو انحراف. تدخل الإنترنت فتجدهم في أمريكا، منذ أن ساعد كلينتون اعتبروه من حقوق الإنسان، يا للعجب! وجاءنا أناس من هناك يقولون: لماذا أنتم غاضبون من الشذوذ؟ إنه من حقوق الإنسان. فأجبناهم وقلنا: إن حقوق الإنسان المعتبرة المتفق
عليها دائماً هي التي تبقى في لسانك باستمرار، ليست هذه. أنتم الذين تصورتم أنها حقوق إنسان عندكم حتى تفسدوا في الأرض وحتى تصلوا إلى ما يسمى بالصفحات البيضاء. الرجل ليس رجلاً والمرأة ليست امرأة، والرجل والمرأة ليسا... ما هذا؟! ما هذا القرف؟! فإذاً، كل هذا ناتج من ماذا؟ من التدهور الذي حصل لهم بعد نيتشه. من إنكار وجود الله، ما دام الله غير موجود، فلأي شخص أن يقول أي شيء، وإذا لم تستح فاصنع ما شئت. إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت". لو خرجنا عن الحياء لآل بنا
الأمر إلى هذا السؤال، ثم تذهب إلى الإنترنت وتفتح فتجد. حوالي أنا حصرتُهم وجدتُهم الذين أنا حصرتُهم خمسين ألف بحث، انظر الإغراق! خمسين ألف بحث، ليس خمسين ألف ورقة، خمسين ألف بحث يدعون إلى الشذوذ. هذا هو الدجل! خمسين ألف بحث يدعون إلى الشذوذ والعياذ بالله تعالى، وكأن السابقين كانوا في ضلال مبين، وكأنه فعل يولد به الإنسان فلا. يستطيع مقاومته،
والحاصل غير ذلك، والله أعلم بما هنالك. وفي أحد البرامج الأمريكية قامت أستاذة كبيرة مختصة في هذا الشأن وقالت لهم: "حرام عليكم، إن هؤلاء الأولاد في جحيم وأنتم تدفعونهم إلى مزيد من الجحيم، والعلاج على طرف الثمام، فاتقوا الله". فقاموا عليها جميعًا بالإنكار وأسكتوها. ها إغراق الفساد الفساد. يجلب الماء ليُغرق الناس جميعها، ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس. كل هذا الكلام نعرفه، ونعرف الخمسين
ألف بحث، ونعرف أين الدجل فيها؛ لأنها تصف فتعالج بغير ما يقتضيه الوصف. الرغبة الجنسية عند بني البشر موجودة، لكن كون أنك تعتبر يا فرويد أن الإنسان لا بد عليه أن يطيع النفس الأمارة بالسوء، هذا هو الخطأ. أما وجود النفس الأمارة بالسوء فيعرفه كل أحد، فنحن نقول له: نعم، ولكن أجل، توجد نفس أمارة تدعو الناس للانحراف، ولكن علاجها أن
نقول لها: اشبعي من الحرام، اشبعي من هذه الأوامر الفاسدة. والنفس كالطفل، إن... أهمله شبّ على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم، وخالف النفس والشيطان واعصهما، فإن هما محضاك النصح فاتهمهما، ولا تطع منهما خصماً ولا حكماً، فأنت تعلم كيد الخصم والحكم. هذا كلامنا النظيف العفيف الحلو الجميل، لكننا ندفع الناس إلى المعصية حتى يشبعوا، ولن يشبعوا، ولذلك يذهبون في وحل هذه
المعصية كل. قليلاً وستتدخل السماء على هؤلاء كما تدخلت مع قوم لوط عندما عصوا نبيهم. لعل في هذه المقدمة، وهي محاولات مستميتة بعد سيجموند فرويد وبعد نيتشه، محاولات مستميتة، وأول من قال: "يا جماعة، الدين لا يمنع من هذا" كانوا اليهود، وأتوا ببعض الآيات من التوراة تدعم موقفهم وكان هذا سنة ألف وتسعمائة وخمسين، يعني مرّ
علينا سبعة وستون عاماً، ومازال يأتينا السؤال الآن. وريثما أنتقل خطوة خطوة من هناك إلى هنا، ستجد أن هذا السؤال (الذي يعود إلى) ألف وتسعمائة وخمسين حين بدأت جماعات اليهود تبرر ذلك دينياً. حسناً، معنى ذلك أنك تريد أن تشيع هذه الفاحشة في الذين آمنوا. معنى ذلك أنك لم تعمل الخمسين ألف بحث من أجل الوصف في العلاج بل من أجل الوصف في الانهيار، ما أنت فعلته هكذا، وهذا وراءه بعد ذلك في سنة أربعة وسبعين
بدأت بعض الجماعات المسيحية تدعو إلى ذات نفس ما دعا إليه اليهود، المسلمون بعيدون عن هذه الحكاية إلى أن فوجئنا سنة ألف. وتسع مائة اثنين وتسعين ظهر منتدى اسمه الفاتحة، يبدو أنهم الفاتحة على أرواحهم وأرواح الذين أنجبوهم. سموا أنفسهم الفاتحة، ودعوا فيه إلى ذات نفس هذا العمل الخبيث والانحراف المشين الذي لا أساس له من الصحة ولا من الدين ولا من الفطرة ولا من واقع الناس. هذه ثقافة أكثر منها أي شيء آخر. شيء آخر
بخلاف ما يذكرونه في الخمسين ألف آية، باحث ما، نحن لسنا أصحاب دجل، نحن إنما نؤمن بحقوق الإنسان المتفق عليها: ألا نعذبه، ألا نحرمه من العدالة، ألا نضيق عليه في الطعام والشراب واللباس والاحتياجات الأساسية. هذه هي حقوق الإنسان، وليست حقوق الإنسان هي الانحراف وقلة الدين وقلة الأدب، فهم محترقون يا للأسف. منذ عام اثنين وتسعين سموها الفاتحة، وبقي اسمها الفاتحة، وكنا نجد عند البحث عن كلمة "الفاتحة" على الإنترنت نتائج كثيرة، إلى أن وقعت أحداث الحادي
عشر من سبتمبر، فقام الأمريكيون الذين لم يكونوا هكذا من قبل بالقول إن أي شيء فيه "قال" يكون خاصاً بالمسلمين، وأي شيء فيه "قال" أو "الهدى" أو "البركة" أو "النور" أو "الفاتحة" يكون خاصاً بالمسلمين، وكذلك الألف واللام هذه. هذه خاصة بالعرب، ففي البداية وجدت نفسها محاطة بقوات الأمن الأمريكية الذين قالوا لهم: "تعالوا هنا، أأنتم إرهابيون أم ماذا؟" فردوا عليهم: "لا، نحن تائهون ووجدناها. سنغير اسمنا"، فغيروه منذ سنة ألفين وواحد وأصبح اسمهم مخفياً على الإنترنت.
إذاً هذا هو السر العجيب الذي ظهر بعدما قال نيتشه الذي جُنَّ في... اثنتي عشرة سنة الأخيرة من حياته لأنه جُنّ سنة ألف وثمان مئة ثمانية وثمانين ومات سنة ألف وتسع مئة. الاثنتي عشرة سنة كان مجنوناً. نشهد أنه جُنّ، لكنه دعا إلى النسبيات المطلقة، فلاقت رواجاً عند من أرادوا هدم المقررات الأساسية: اللغة والأسرة والدولة والدين والثقافة، خمسة تقرأهم هكذا. وتفهمهم والحمد لله أغلب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها
سيكون هذا الكلام جديداً عليهم ولا يعرفونه أصلاً، لماذا؟ لأنه كلام أقرب إلى الحمق في تصرفاتهم الذميمة منه إلى الحق. أما عندما نجد وسائل الإعلام بدأت تتيح الكلام والمخفي والظاهر والأفلام على هذا الشأن الخبيث فإننا نحذر ونقول هذا حرام. باتفاق أهل الأديان ليس في الإسلام فقط، بل باتفاق أهل الأديان جميعاً. نحن سبعة مليارات الآن، ستة ونصف يقولون هذا فعل قبيح، وخمسمائة يريدون أن يخربوا فيها ويفسدوا في الأرض. هذه هي
القصة، وبهذه المقدمة يُجاب عن كل الأسئلة التي أمامنا.