كيفية النهي عن المنكر بالقلب | أ.د علي جمعة

ما كيفية النهي عن المنكر بالقلب وهل يأثم من رأى منكراً ولم ينكره؟ الذي يعيش... نحن لدينا نماذج أربعة لرسول الله: رسول الله في مكة، ورسول الله في صورة أصحابه في الحبشة، ورسول الله مهاجراً في المدينة أولاً فيها المنافق والمشرك والمسلم واليهودي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في... المدينة أخيراً بعد جلاء اليهود ككتلة كانت من مكونات مجتمع المدينة في
كل واحدة من دول. هكذا هي الدنيا؛ إما دولة تحاربك وتحارب الإسلام والدين مثل مكة، وإما دولة ليست مسلمة ولكن لا بأس أن تعيش فيها وتوافق على ذلك مثل كل دول الغرب والديمقراطيات، وإما أن تكون دولة مواطنة مثل مصر فيها المسيح وفيها اليهودي وفيها المسلم، وأما أن تكون دولة خالية إلا من المسلمين مثل المدينة ومكة، فعندما تذهب لا تجد إلا المسلمين، وتجد الناس جالسة تصلي، تخرج من صلاة وتدخل صلاة، تخرج من صلاة وكفى، أنشأ حياته على ذلك، فتح محلاته على ذلك، عمل يعني عاش هذا
الأخير. هذا الجو الأخير، لكن رسول الله دلنا على كيفية العيش في كل النماذج، وأنت في الحبشة وأنت في غرب أوروبا، تدخل فتجد الخمر تُباع في الصيدلية، وتجلس في أي مطعم لتناول لقمتين فتجد الخمر تُدار حولك، والخنزير موجود في قائمة الطعام، وهكذا. فماذا نصنع؟ اصنع ما صنعه الصحابة. في الحبشة عاشوا ولم يأكلوا الخنزير ولم يشربوا الخمر ولم يتركوا صلاتهم، فعلوا كل ما في الإسلام ولم يتحول هذا المخالف إلى
شيء يصطدمون معه. بالعكس، جعفر عليه السلام عرض على النجاشي أن يشترك في صد الهجوم مرتين: مرة وافق النجاشي ومرة رفض. رفض أولاً ثم وافق بعد ذلك، أي أنه من الممكن أن يُدخل جيشه. لكي تدافع عن وطنك، افترض أن شخصًا مسلمًا إنجليزيًا أو ألمانيًا أو أمريكيًا لا يعرف في الدنيا إلا الإنجليزية، هو إنجليزي أصلي. إذًا، فعلينا أن نتفهم معنى إنكار المنكر. إنكار المنكر واضح؛ ألا تقع في المنكر. هذا سلوك. احذر أن تشرب الخمر في أي مكان في العالم، احذر أن تأكل الخنزير، احذر. لا تترك صلاتك، واحذر أن تقع في سرقة أو زنا
أو قتل، لأن كل هذا محرم في دينك. احذر أن تمارس الخداع أو الكذب أو شهادة الزور أو الغيبة أو النميمة. إياك أن تترك الصيام أو أن تترك الحج إلى بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً، أو أن تترك الزكاة. لا تفعل هذا وعش. حيثما كنت سواء كنت في مكة أو سواء كنت في الحبشة أو سواء كنت في المدينة واليهود بها أو سواء كنت في المدينة وقد خلصت للمسلمين، أربعة نماذج نحن نعيش فيها، عش حيثما كنت. ولذلك جماعات الإرهاب والبلاء هذا لا يعرفون النماذج الأربعة، هم يقولون لك النموذج. الأخير فقط أقاتل عليه. لولا ذلك لما كانت الدعوة
عالمية، ولكنا نقول: اجلس في بيتك ولا شأن لك بالعالم. لكن حدثت هذه المناقضات ممن فقدوا فكرة النماذج الأربعة، وهم لا ينتبهون إلى أن من أراد سنة رسول الله فليطبق ما فعل، لا أن يتخيل أو يطبق جزءاً ويُهمل جزءاً. أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟ ربنا نعى على هؤلاء الذين يقسمون ويجتزئون وينطقون ما أرادوا ثم يتركون الدين. الدين جملة واحدة.