لا تستأخر الإستجابة | الحكم العطائية | حـ 6 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات الحكم العطائية. اليوم معنا حكمة يقول فيها سيدنا ابن عطاء الله السكندري. وهو يرسم لنا العلاقة بين الإنسان وربه في طريق السلوك إليه سبحانه وتعالى، لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجباً ليأسك، فهو ضمن
لك الإجابة فيما يختاره لك لا فيما تختاره لنفسك، وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد، وهذه حكمة غالية يُسأل عنها. يقول كثير من الناس إنني أدعو وألح في الدعاء ولا يستجيب ربنا سبحانه وتعالى، وأول شيء ننصحه به أن يحقق شروط استجابة الدعاء. ومن أول شروط استجابة الدعاء هي المطاعم الحلال والطعام الحلال في جانبين: الجانب الأول أن تأتي أموالي ودخلي من حلال، والجانب
الثاني ألا آكل الحرام فقد حرم. الله حرم الخنزير وحرم الله الخمر وحرم الله الميتة وحرم الله النجسات وحرم الله هكذا، فإذا ابتعدت عن أن يكون مورد رزقي من الحرام وأن أستعمل المورد الحلال في أكل حرام في الشريعة الإسلامية فإنني بذلك أكون قد تطهرت، فإذا حدث هذا التطهر فإنه يكون أرجى للدعاء، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "رب أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي
بالحرام، أنى يستجاب لهذا". فقد يكون عدم الاستجابة ناتجاً من تخلف شرط من شروط الدعاء. وهناك أيضاً أوقات مباركة وأماكن مباركة يدعو الإنسان فيها ربه فيستجيب. من هذه الأوقات وقت نزول المطر، من هذه... الأوقات: السَّحَر في ثُلُثِ الليل الأخير من هذه الأوقات، يوم الجمعة من هذه الأوقات، ليلة القدر من هذه الأوقات، يوم عرفة سواء أكان بعرفة أم في العالم كله من هذه الأوقات، الوقت الذي يشعر القلب فيه وهو حال من الأحوال حالة المظلوم، فإن دعوة
المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب. الأماكن الشريفة التي يُستجاب الدعاء فيها: عند الكعبة المشرفة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يا عمر، ها هنا تُسكب العبرات"، وتحت الميزاب، وعند الملتزم. وسُمي الملتزم لأنه يُلتزم في استجابة الدعاء. ومن الأوقات أيضاً الشريفة: بعد الصلوات، في دُبر كل صلاة. إذاً هناك أوقات وهناك أماكن وهناك أيضاً طلب. الدعاء من الأشخاص الصالحين، وهناك أيضاً أحوال للإنسان فيها، عند الزحف وفي الجهاد وكذا إلى آخره. كل هذه الأشياء هي مساعدات لاستجابة
الدعاء. كذلك الدعاء يُستجاب بعد ختم القرآن، ويُستجاب وهو الإنسان في السجود. كل هذا يساعد على استجابة الدعاء. استمر في الدعاء وحقق شروطه، فهو لم يأكل الحرام ولم يدخله حرام وفي نفس الوقت كل ما ذكرناه هكذا من طاعات من تقديم صدقة من ركعتين من سجود من كذا إلى آخره فعله والح في الدعاء ولم يستجب ربنا سبحانه وتعالى وهنا تأتي حكمة ابن عطاء وهو يرشدنا كيف نتعامل مع هذه الحالة لا يكن تأخر أمد العطاء يعني ربنا سيعطيك سيعطيك ما دمت دعوت فالله سبحانه وتعالى سوف يعطيك إما بتنفيذ دعائك وإما
سيأتي في الوقت المناسب وإما يدخر لك ثوابًا يعطيه لك يوم القيامة فأنت في كل الأحوال الفائز ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول الدعاء هو العبادة وكان يقول في حديث آخر الدعاء مخ العبادة الدعاء هو العبادة أصح سنداً من الدعاء مخ العبادة، لكن سواء كان الدعاء هو ذات العبادة أو الدعاء هو أكبر شيء في العبادة وهو رأس العبادة، فالدعاء لا يضيع عليك، إما أن يتحقق في الدنيا وإما أن يُدخر في الآخرة، وما تحقق في الدنيا إما أن يكون عاجلاً وإما أن يكون آجلاً لا يكن تأخر أمد العطاء، ولذلك كأنك كلما دعوت كأنه استجيب لك سواء تحقق مرادك أو
لم يتحقق، فاسمه العطاء. مع الإلحاح في الدعاء موجباً ليأسك لأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. هذا لو عرفنا أن الله حكيم وأن الله على كل شيء قدير وسلمنا. أنفسنا لله، هنا قضية التسليم والرضا. كأنني أسأل ربنا: "يا ربنا، أُعطى الآن أم لا أُعطى؟"، فأجابني وقال: "لا يُعطى الآن". فما رأيك في هذه الاستشارة؟ أنت تستشير ربنا، ولله المثل الأعلى جل جلاله. ألا تطيعه؟ ألا ترضى عندما يقول لك يعني ليس الآن؟ فتخيل وأنت تدعو ويتأخر الدعاء.
أن ربنا يقول لك ليس الآن، حاضر، فيكون هناك تسليم وهناك رضا وهناك توكل حق التوكل على الله. تسلم لأمره وترضى بحكمته سبحانه وتعالى. ستشعر في قلبك بهذه الحكمة لذة ما بعدها لذة، لأنك في كنف الله، لأنك تحب الله، لأنك تثق به، لأنك ترضى برضاه، وهنا يربيك بن عطاء الله السكندري ويربينا على أن تكون إرادتنا ورغبتنا هي إرادة الله سبحانه وتعالى، الله يريد هكذا، يريد تأخير الدعاء الآن. إذا أنا موافق وأردت هكذا، أريد أيضاً ألا يُستجاب الآن. ولذلك قالوا: الخيرة فيما اختاره الله،
ولو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع من رحمة الله، لأنه هو الرحمن الرحيم. لأنه هو الغفور الرحيم، لأنه هو الحكيم وهو على كل شيء قدير. فكان يمكن أن يعطي كل أحد سأله كل شيء سأله، ولو قام كل من في الأرض في صعيد واحد يدعون ربهم فاستجاب لكل واحد وأعطاه ما يريد، فإن ذلك لا ينقص من ملكه شيئًا إلا كما. ينقص المخيط؟ غمسناه في البحر وأخرجناه، أخذ قدر ماذا من مياه البحر؟ يكاد يكون لا شيء، مثل تبلل بسيط هكذا. هذا عطاء الله سبحانه وتعالى، فهو ضمن لك الإجابة وقال: "ربكم ادعوني استجب لكم". إذاً خلاص استجاب، وهذا وعده وعطاؤه
الآن. هي الاستجابة فيما يختاره لك لا. فيما تختاره يكون الخير فيما اختار الله لنفسك، وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد أنت، فلا بد أن تعبد الله كما يريد لا كما تريد. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله.