لا تعاند الله | الحكم العطائية | حـ 17 | أ.د علي جمعة

لا تعاند الله | الحكم العطائية | حـ 17 | أ.د علي جمعة - الحكم العطائية, تصوف
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بكم في حلقة جديدة من حلقات حِكَم ابن عطاء الله السكندري. اليوم ينبهنا ابن عطاء رضي الله تعالى عنه. ورضيَ عنه، فيقول: "ما ترك من الجهل شيئاً من أراد أن يُحدث في الوقت غير ما أظهره الله فيه". يعني هذا
شخص جاهل كل الجهل، جاهل بحيث أنه لم يترك أي نوع من أنواع الجهل إلا واتصف به. الجهل منه جهل بسيط وهو أنك لا تعرف شيئاً ما، ومنه مركب وهو أنك تعرف شيئًا على خلاف الواقع فقد جمعت بين جهلين فسُمي الجهل المركب. أولًا جهلت الحقيقة، وثانيًا اعتقدت أنك تعلم لأنك ظننت شيئًا لم يكن هو الواقع بل شيء آخر. فالجهل نوعان: جهل بسيط وجهل مركب. الجهل البسيط يزول بالمعرفة بالتعلم، فالإنسان
عندما يشعر في نفسه أنه قد جَهِلَ جهلاً بسيطاً يَسأل، فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. يتعلَّمُ، خيركم من تعلَّم العلم وعلَّمَ. يسلك طريقاً يلتمس فيه علماً، فييسِّر الله له به طريقاً إلى الجنة. الجهل البسيط سهلٌ، لأن الإنسان يزيل جهالته بالسؤال والتعلم وطلب العلم، حتى بالتفكر يمكن أن يربط أموراً بعضها مع بعض. فيصل إلى نتائج هذه النتيجة التي يصل إليها هي نتيجة محترمة أو نتيجة صحيحة لأنها موافقة للواقع. الجهل البسيط أما الجهل المركب فيحتاج إلى مزيد من العمل لأنك تحتاج إلى أن تصحح في ذهنه أولاً المعلومة، وثانياً أن تزيل اعتقاده
في صحة القديم. هذا الذي يريد أن يعارض الله سبحانه. وتعالى في جريان مجريات كونه يشبه المتفرج الذي يشاهد الفيلم ويريد وهو من مجلسه أن يدخل الفيلم مع أفراده وأن يغير فيه. الفيلم أُنتِج خلاص والممثلون مثَّلوا أدوارهم خلاص وذهب إلى دار العرض السينمائي خلاص وهو يُعرض عليك الآن. ما الذي يجعلك تريد أن تدخل في الفيلم داخله؟ ما رأيك؟ إنك لم تترك شيئاً من الجهل لأنك جهلت
طبيعة الفيلم الذي أمامك وطبيعة إنتاجه وطبيعة عرضه وموقعك أنت. فلا أنت المخرج ولا أنت المنتج ولا أنت المصور ولا أنت أحد الممثلين ولا أنت كاتب السيناريو ولا أنت أي شيء، فكيف تريد أن ترفع الواقع؟ ولذلك قالوا قاعدة جليلة في... هذا المقام وهو الواقع لا يرتفع. أنا بالأمس ذهبت إلى المسجد. نريد ألا أذهب إلى المسجد بالأمس؟ لا يمكن، لأن الواقع لا يرتفع. ما دمت قد ذهبت خلاص، فكيف أمسح وأمحو ما وقع فعلاً؟ هذا الكون ملك الله، والذي يرتبه هو الله، والذي يرسم أحداثه هو الله، والذي
يخلق كل فيه هو الله سبحانه وتعالى إذا هذه الحكمة مرتبطة بعقيدة وهذه العقيدة مرتبطة بالخلق وهذا الخلق هو التسليم والرضا وهذا يترتب عليه عدم الغضب عدم الصدام عدم العنف يترتب عليه الرحمة ويترتب عليه الهدوء النفسي ويترتب عليه التوكل حق التوكل على الله سبحانه وتعالى ويترتب عليه من السلوكيات الطيبة اللجوء إلى الله ودعاء الله ويترتب عليه أيضًا شكر الله سبحانه وتعالى، ويترتب عليه تعظيم النعمة التي أنعم الله علينا بها، ويترتب عليه ألّا تخالف إرادتك إرادة الله سبحانه وتعالى. كان هناك
بعض العارفين يقول: "منذ أربعين سنة ما أقامني الله في حالٍ فكرهتُه". هذه الحكمة توصل إلى هذا الحال الطيب. المستقر مع الله سبحانه وتعالى: ما أقامني الله في حالٍ فكرهته. طبعًا الحال متغير، فقد يكون حال خيرٍ وقد يكون حال ضيقٍ وشدة، ولكنه كان راضي القلب في كلٍ من حاليه الضر والنفع، أو السرور والضيق والشدة. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "هكذا عجبٌ أمر المؤمن إن أمره كله..." له خير فإن أصابته سراء شكر وإن أصابته ضراء صبر، حتى الشوكة يشاكها
المؤمن تكفر عنه سيئاته وتغفر ذنوبه وترفع درجاته. لماذا أربعين سنة ما أقامني له في حال فكرهته ولا نقلني إلى غيره فسخطته؟ يعني ينقله من حال إلى حال، من الفقر إلى الغنى، من الغنى إلى الفقر، من... الفقر مرة ثانية إلى الغنى وهو راضٍ، ولذلك كل ما يصدر عنه يصدر لله، لا يتبرم ولا يعترض ولا يحدث عنده هم وحزن يعطله عن إكمال الطريق، فإن سخط الإنسان على الحالة التي يكون عليها وتشوفه إلى
الانتقال عنها بنفسه وأراد أن يُحدث غير ما أظهره الله سبحانه وتعالى في فقد بلغ غاية الجهل بربه وأساء الأدب في حضرته سبحانه وتعالى. حكمة الحقيقة مرتبطة بمجموعة من الأخلاقيات تصل بك في النهاية إلى الله رب العالمين، تصل بك في النهاية إلى أن تكون مؤدباً مع الله. ولذلك كان من دعاء الصالحين: "اللهم علمنا الأدب معك"، كما يقول ابن عطاء الله السكندري لنا هذه الدقائق. عينه على اللهم علمنا الأدب معك. عينه على أن نتعلم الأدب مع الله سبحانه
وتعالى. ولذلك فقضية الرضا وقضية التسليم وقضية التوكل وقضية الدعاء وقضية الشكر وقضية الصبر وقضية التسليم، كل هذه القضايا في الحقيقة في النهاية تعتمد على معرفة صفات الله سبحانه وتعالى، والمعرفة ضد الجهل. والجهل ضد المعرفة، ومن هنا كانت هذه الحكمة البليغة: "ما ترك من الجهل شيئًا من أراد أن يُحدث في الوقت غير ما أظهره الله فيه". كلمة "الوقت" هنا جعلت العلماء يتكلمون عما يُسمى بواجب
الوقت، فإن الله سبحانه وتعالى في هذا الوقت الذي أنت فيه قد كلّفك بمهام وبعبادة. بها ولذلك عند أهل الله سبحانه وتعالى ليس هناك قضاء للوازم والواجبات والمندوبات التي عليك، لماذا؟ لأنك لو تركت في فترة ما الذكر مثلاً، تركت الذكر أمس، فاليوم أنت مكلف بذكر آخر، ولذلك فأنت في حال آخر مع الله، فكل وقت له واجب. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم. ورحمة الله وبركاته