لقاء السبت | إنكار المجمع عليه والمتفق عليه والمعلوم من الدين بالضرورة

لقاء السبت | إنكار المجمع عليه والمتفق عليه والمعلوم من الدين بالضرورة - عقيدة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كثير من شبابنا يسأل عن الفرق بين المعلوم من الدين بالضرورة وبين المجمع عليه وبين المتفق عليه، وما أهمية هذه الأشياء واهتم العلماء عبر القرون وهذا واضح في كتبهم. بتلك المعاني، فلماذا المعلومة من الدين بالضرورة معناها أن كل من عاش وسط المسلمين سيعلم هذه المعلومات؟ لكن من كان حديث عهد بالإسلام، دخل الإسلام قريباً، أو كان بعيداً
عن المسلمين وهو مسلم، لكنه تربى في بلاد غير المسلمين، فإنه يتعجب من هذه الأشياء وقد لا يعرفها. شاهدنا من كان... حديث عهد بالإسلام وهو لا يعرف نواقض الوضوء لأنه لم يرها في دينه السابق ولأنه لا يجد رابطاً عقلياً ما بين خروج الريح من الإنسان وبين وجوب الوضوء للصلاة، ولذلك هو لا يتصور لماذا وقد توضأت ثم جاء ناقض الوضوء أن أذهب فأتوضأ مرة أخرى، وكأنه يرى أن الوضوء
يكون مثلًا مرة في اليوم تكفي للصلاة، ولو أن الله سبحانه وتعالى فرض علينا ذلك لم تُثَنَّ، ولكن لأننا نعيش في وسط المسلمين، تربينا معهم، سمعنا آباءنا وأمهاتنا وأجدادنا وهم نازلون إلى الصلاة ثم يقولون: "لا، أنا نقضت وضوئي"، ونحن صغار أخذناها كمعلومة أساسية ضرورية، لكن هناك أشياء وأحكام في القرآن. قد لا يعرفها المسلمون، فهذا ليس من باب المعلوم من الدين بالضرورة، مثل أحكام الإيلاء. بعض المسلمين لا يعرف ما معنى الإيلاء، ولا يعرف أنه موجود في القرآن أصلاً، ولا يعرف هل هذا صحيح أو غير صحيح، ولذلك هذا
ليس - وإن كان في القرآن وإن كان مجمعاً عليه - أنه ليس من المعلوم من الدين بالضرورة، المعلوم من الدين بالضرورة يمثل المعلومات الشائعة الذائعة التي تربى عليها المسلمون نحو الوضوء والصلاة وأن الظهر أربع ركعات وأن الظهر نصليها سراً والمغرب نصلي الركعتين الأوليين منها جهراً وأن السرقة حرام وأن القتل حرام وأن الزنا حرام وأن الكذب حرام، كل هذه. الأشياء كانت في التنشئة وفي التربية كأنها أبجديات كأنها أوليات ولذلك سُميت بالمعلوم من الدين بالضرورة، لكن هناك أحكام أجمع عليها المسلمون ولم يختلفوا
فيها من لدن الصحابة وإلى يومنا هذا. قد يكون لها دليل في الكتاب وقد يكون لها دليل في السنة، فالمجمع عليه يمثل ما نسميه بهوية الإسلام. هوية الإسلام شكل الإسلام، هكذا رأينا المسلمين في روسيا الشيوعية وفي الصين لا يعرفون تقريباً شيئاً عن الإسلام إلا أنهم يعرفون أن الخمر حرام وأن الخنزير حرام، ومعنى الإسلام عندهم أنه ممتنع عن شرب الخمر وعن تناول الخنزير، وهذا الحكم على بساطته هو الذي أبقى للمسلمين هويتهم في بلاد لا يُذكر
فيها اسم الله، وفي زمن طويل استمر سبعين وثمانين سنة، والمسلمون يُمنعون قهراً من أداء شعائرهم، إلى أن زال هذا الحال والحمد لله. ولكن إذا كان الأمر مُجمعاً عليه لم يختلف فيه اثنان ولم يجتهد فيه المجتهدون، سواء كان له دليل في الكتاب والسنة أو لم يكن له دليل والسنة فهو محل إجماع فهو يمثل هوية الإسلام، لا يستطيع شخص أن يقول أن الله سبحانه وتعالى لم يحرم الخمر باللفظ التحريمي في القرآن الكريم وهو صحيح، إنما أمر سبحانه بالاجتناب "فاجتنبوه"،
وكذلك الزنا والعياذ بالله تعالى، فإن الله لم يقل حرم عليكم الزنا ولكن قال ما هو أكثر عمقاً. من هذا قال: "ولا تقربوا الزنا"، يعني النظر بشهوة حرام، يعني الخلوة بين غير المحارم حرام، يعني مقدمات الزنا حرام، يعني الزنا حرام. "ولا تقربوا الزنا"، إذًا فالأمر هنا ليس فقط تحريم الزنا، بل هو تحريم ما هو أبعد وهو من أوائل الطريق الذي قد يوصل إلى هذا، وكذلك "فاجتنبوه". ليست الخمر حراماً فقط، بل العنب حرام أن يُزرع من أجلها. أما إذا زُرع
كفاكهة فلا بأس بذلك. حملها حرام، والجلوس في مجلسها حرام، إلى آخر ما هنالك من أحكام. حُرِّم في الخمر عشرة أمور مجمع عليها غير قابلة للنقاش. أولاً: هو ينقل الدليل الظني إلى أنه قطعي، فلا يكون ليس للمجتهدين ولا للمفكرين ولا للمبتدعين ولا لأي أحد من المسلمين أن يخرج عن الإجماع، لأنه يقدح في هوية الإسلام. له حقيقة، وهو يقدح في حقيقة الإسلام. فإذا تبنى شيئاً غير المجمع عليه وكان قاصداً عالماً مختاراً بهذه الشروط الثلاثة، لم يكن مسلماً. هو اختار لنفسه،
فمن شاء فليؤمن من شاء فليكفر، فحرية الاعتقاد شيء، وكون أن هذا من الإسلام أو من غير الإسلام شيء آخر. فبعض الناس قابلناهم في حياتنا يقول مثلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أُرسل إلى العرب خاصة، فهو مؤمن بالله ومؤمن برسوله ومؤمن بأن القرآن كلام الله، لكنه يقول هذا الإسلام للعرب فقط محمد فقط وأنا مؤمن بكل هذا، شاهدناهم وجلسنا معهم واستمعنا إليهم. هو ارتضى غير الإسلام، ليس هذا هو الإسلام الذي نزل على سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قضية أن
له حرية الاعتقاد "لكم دينكم ولي دين" و"ما أرسلناك عليهم حفيظا" و"لست عليهم بمسيطر"، ولكن هذه قضية وقضية ما. الإسلام وما هويته وهو إما أن يكون مُجمَعاً عليه وإما أن يكون عاماً يعرفه كل أحد فهو المعلوم من الدين بالضرورة. كلمة "المتفق عليه" أقل من هذا، يعني شائعة لم نسمع. فمن الشائع مثلاً أن المرتد يُقتل، هذا شائع في الفقه الإسلامي لكنه ليس مُجمَعاً عليه، حيث خالف بعضهم في... هذا النطاق نعم
هناك مجادلة علمية ولكن في النهاية هو ليس مُجمعاً عليه مثل الوضوء ومثل الصلاة ومثل حجاب المرأة المسلمة ومثل مثل هذه المُجمع عليها، بعد ذلك نرى بعضهم يعني يريد أن تتحجب النساء، هذا رأيه الشخصي ولا علاقة له بدين الإسلام حتى المرأة غير المحجبة يجب. عليها أن تعتقد أن الحجاب فرض هي لا تستطيع أن تفعله وهذا أمر آخر، لكنه خطأ حرام ومعصية. في يوم من الأيام الله سبحانه وتعالى يوفقها، والله سبحانه وتعالى يتوب عليها، والله سبحانه وتعالى يتقبل
منها. ولكن مثل الذي لا يصلي الجمعة، هذا حرام. رجل مقيم مستوطن ولا يصلي الجمعة غير عذر حرام، ولكن إذا كان بعذر فلا بأس بذلك. ولكن حتى هذا الذي يرتكب الحرام عليه أن يعرف وأن يوقن أنه في يوم من الأيام يتمنى ويريد أن يطيع الله سبحانه وتعالى في هذا الأمر. إذاً هذه الثلاثة الألفاظ مجمع عليها، أي أنه لم يخالف أحد من المسلمين فيها. بعضه معلوم من الدين بالضرورة يعني شائع في وسط المسلمين ولا يجهله إلا الذي تربى خارج الإسلام، وهناك درجة أدنى من هذا وهي
المتفق عليه، شائع بين العلماء وأغلب الفقهاء من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والأئمة المتبوعين عليه. لِمَ نتمسك بهذا؟ احفظوا هذه العبارة وفقكم الله حفاظاً على هوية الإسلام. ومن أجل هذا كان الإسلام واحداً تعجب الغرب: لِمَ اختلفت المسيحية على هذا العدد الكبير جداً من المذاهب ولِمَ لم يكن في الإسلام كذلك؟ الإسلام هو أصلاً مبني على الوحدة: وحدة الألوهية، وحدة النبوة فلا نبي بعده، وحدة الكتاب فليس هناك كتابان نتنازعهما، وحدة القبلة، وحدة شهر الصيام، وحدة وهكذا. فالأصل عندنا هو الوحدة، يريدون
أن يحطموا هذه الوحدة بتحطيم هوية الإسلام. فالإجابة: نحن نريد أن نحافظ على هوية الإسلام لأنه دين واحد لرب واحد من نبي واحد بكتاب واحد. هذا أوضح من الواضحات، وهذه الخطط مستمرة منذ القرن السابع عشر، ألف وستمائة وأربعين بدأت هذه الخطط ضد الإسلام. من أجل تفتيته مضت أكثر من أربعمائة عام، لم يفلحوا ولن يفلحوا. لماذا؟ لأن المسلم يستشعر في قلبه هذه الوحدة، يراها في الحج، ويراها في العمل، ويراها في اتفاق كتابه بين المشارق والمغارب، سلفاً وخلفاً، قديماً وحديثاً. أما هذا الشتات وهذا الذي يُبنى على الفوضى الخلاقة أو غير الخلاقة... في الحقيقة
إنه سيفشل كما فشلت جميع المشاريع التي أُنشئت من أجل هذا. كثير من الناس في وسائل التواصل الاجتماعي ونتيجة لكثرة الاتصالات والمواصلات بدأوا يتداولون هذه المسائل، لكن الأمر أبلج وواضح وسهل. الإسلام دين واحد، الإسلام فيه ما هو معلوم من الدين بالضرورة، الإسلام فيه ما هو مُجمع عليه، ثقافة سائدة ومتفق عليها، الإسلام له هوية يجب الحفاظ عليها وذلك من أجل الوحدة وعدم الشتات. شكراً لكم وإلى لقاء قريب، أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.