لماذا اختص الله العرب بنزول الإسلام ؟ | أ.د. علي جمعة

يسأل فيقول لِمَ اختص الله العرب بالإسلام، يعني سؤال فيه بعض التعصب. يقول لك: يا أخي، ألم يكن من الأفضل أن ينزله الله في اليابان لكي يصنعوا لنا بعض التكنولوجيا في الوضوء أو في غيره من الأمور؟ شيء من هذا القبيل. هذا السؤال كان من الأسئلة الشائعة المنتشرة في أوائل القرن العشرين وتعرض. أجابه العلماء، ومن بينهم
الأستاذ عبد الحميد الفراهي من الهند. فلما عُرض عليه هذا السؤال قال إنه أعيته الحيلة في الإجابة على هذا السؤال: لماذا اختص الله العرب بالإسلام والقرآن، واختص هذا المكان بالنزول المقدس المشرف لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم؟ قال: فأخذت في التدبر والتأمل فوجدت خصلتين تمثلان... مدخل
كل خير الصدق والكرم، وبحثت في حال العرب في تلك الأمم التي كانت في القرن السادس الميلادي والسابع الميلادي في هذه الفترة التي أُرسل فيها مصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فوجدت أن الناس أغلبهم كان همجاً، وأصحاب الحضارة كالرومان والهنود والصينيين وغيرهم لا...
تتوفر فيهما الخصلتان الصدق والكرم والذي كان يميز العرب الصدق والكرم، فالعربي أصلاً لا يكذب، فمن العيب عنده أن يكذب، والعربي كريم بطبعه. طبعاً كتب الأدب عندنا مليئة بما يثبت هذا الكلام الذي قاله الشيخ الفراهي، يعني تماماً وفعلاً كان العربي مشهوراً بالصدق ومشهوراً بالكرم، وكان العرب كلما اشتدت عليهم شدة الصحراء. وهكذا يزداد صدقًا لا
يزداد كذبًا، يزداد صدقًا. علة العرب كانت العجرفة والكبر، متعجرف جدًا غير متواضع، لكن رأيت الشريعة هكذا يقول: بُنيت على العبادات والمعاملات. العبادات مبناها الصدق "مخلصين له الدين ولو كره الكافرون" و"كونوا مع الصادقين" قل صدق الله هكذا دائمًا، والمعاملات مبناها الكرم.
عندما تتأمل في المعاملات في الشريعة الإسلامية تجدها كثيرة جداً، ومن دقائقها وتفاصيلها يُحَلُّ بالكرم، ولا تنسوا الفضل بينكم، دعوها علينا. وبالصدق والكرم كان العرب أقرب الناس لحمل شريعة النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وسلم، ثم إن الإسلام في أخلاقه هذَّب العجرفة والكِبر فقال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه". مثقال حبة من خردل من كِبر، هذبهم
ورباهم على التواضع، فمن تواضع لله رفعه. كسر فيهم حدة الكبر بالسجود، حتى أن بعضهم كان يأتي بحصاة فيسجد عليها ويقول: "لا أجعل مؤخرتي فوق رأسي". ما الذي تفعله يا محمد؟ أهو من الكبر؟ أهو من الفخر؟ هكذا كسر هذا الجانب فيهم. حتى بالصلاة، صلاة المسلمين فيها غاية التذلل والتواضع لله رب العالمين، لكن الأساس الذي لن نعرف منشأه الصدق والكرم، فهذا كان أحد إجابات العلماء على مثل هذا السؤال. سيدنا
الشيخ الحافظ التجاني أجاب عن ذلك في مجلته في هذا المجال وقال إن اللغة العربية لغة فريدة اختصت بالاشتقاق الأكبر وهذا. الاشتقاق الأكبر لا وجود له في لغة حتى يومنا هذا، عندما أحصينا اللغات وفئاتها، وجدنا خمسة آلاف لغة في الأرض. هذه الخمسة آلاف لغة تموت منها لغة كل عشرين يوماً، كما أفادت اليونسكو، بموت آخر من كان ينطق بها. يموت شخص واحد وخلاص، أين اللغة الفلانية هذه؟ لم
تعد موجودة، لكن... اللغة العربية فيها هذه الخاصية العجيبة الغريبة التي تقلب فيها الحروف فتعطي شيئاً وراء المعنى بأي ترتيب كان، وما يسمونه بالاشتقاق الكبير أو الأكبر، والذي يتكلم عنه بتوسع الخليل بن أحمد في العين وابن فارس في مقاييس اللغة. أن مالك الملك لما تذهب إلى الإنجليزي هكذا
يقول لك انجل ملك انجل. ما معنى أن يكون ثعبان ينظر إليك هكذا، يعني شيء ضعيف؟ أما الملك الذي نتحدث عنه، فالعربي يتخيل دائماً أنه شيء قوي جداً، لماذا؟ قال: لأن هناك شيئاً داخل حروف الميم واللام والكاف يجعل العربي الأصيل يعرف أن هذا قوي، ومنها كلمة "ملك"، هذا الملك الذي هو... الحاكم الكبير، ومنها مالك المالك الذي يتصرف في الشيء كما يشاء، ومنها "لكما"، ما هذا؟ لقد غيّرت الحروف
وجعلت اللهاء من أول "ل ك م"، قال "لكم" ضخم هكذا. هو قال أعطى له لكم في وجهه هكذا. هل "ل ك م" هذه قوة أم ضعف؟ إنها قوة، ومنها. كمولة، نعم، ضد نقصة، لا، ما معنى كمولة؟ فيها كمال وفيها شيء جميل، ومنها كلم بمعنى جرح، تكلم، الكلام أقوى من السكوت. ما هذا؟ أنت مهما فعلت لا كما، كمولا، كلام مالك، وهكذا، تملي فيها كلها القوة. لا، هذه الحكاية لا
تجدها في ماذا؟ في عمك الإنجليزي ولا. الفرنسية أو الصينية أو اليابانية أو أي لغة أخرى، هل توجد لغة اسمها كذا وكذا؟ لنفترض أن هناك لغة بهذا الاسم، لن تجد فيها هذه القضية. إذاً هذه اللغة فيها أسرار وخصائص لا وجود لها في أي لغة أخرى. يقول لك إن لفظ الجلالة يدل على الذات العلية بكلها، ما هذا؟ الله أزِل الألف هكذا "لله"، حسناً أزِل اللام هكذا "له"، حسناً أزِل اللام الثانية "هو"، هل الله هذا لن ينتهي ويُعطينا؟ حسناً أزِل اللام الأولى "إله"، حسناً
أزِل اللام، ماذا؟ قل: "لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة"، يقول أبو بكر: القول هو الله إذا أعطى معنى آخر من جانب. الثاني هو الخاص بالفراهيدي، والخاص بالفراهي، والآخر خاص بمن؟ سيدنا الشيخ بحمد الحافظ. وهكذا من عجائب الأمور، الدكتور سليمان حزين رحمه الله تعالى حصل على الدكتوراه الخاصة به من إنجلترا في المناخ، فقال إن مناخ الجزيرة العربية كان سببًا في اختيار الله لهذا النبي الكريم وتلك البقعة
المباركة في هذا الوقت والألف. الرسالات على ذلك