لماذا كتب الله على نفسه ألا يرزقنا إلا من حيث لا نعلم ؟ | أ.د. علي جمعة

لماذا كتب الله على نفسه ألا يرزقنا إلا من حيث لا نعلم ؟ | أ.د. علي جمعة - فتاوي
يسأل سائل فيقول: لماذا كتب الله على نفسه ألا يرزقنا إلا من حيث لا نعلم؟ ولماذا لا يكون الرزق من نفس طلب السائل في الدعاء؟ وهل في ذلك حكمة؟ الله مالك الكون ولست أنت مالكه، وهو الرزاق ولست أنت الرزاق، لا لنفسك ولا لأبنائك ومن تعول ولا لأحد ممن عندك. من العمال والموظفين بل الله سبحانه وتعالى وحده كما أنه خالق وحده فهو رزاق وحده وهو محيي وحده وهو مميت وحده وسبب ذلك
أنه مالك لهذا الكون فهو عادل العدل المطلق لأن الظلم هو أن تتصرف في ملك الغير فلما كان هذا الكون بمن فيه وما فيه ملكاً له كان الله فعّالٌ لما يريد، يوسع الرزق على من يشاء ويضيقه على من يشاء، ويختبر الناس بما شاء من غنى أو من فقر. ولكن إذا كان الرزق مرتبطاً بالدعاء، كنت من قبل الاستحقاق متصرفاً في الكون، والله يأبى أن يتصرف في الكون سواه، لأنه هو الرزاق الخالق المحيي المميت. لِمَ
هذا؟ لأنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير، فلما فقدت أنت العلم المطلق وفقدت أنت القدرة المطلقة لم تعد رزاقاً لا لنفسك ولا لغيرك، فهذا هو السبب. لو ترك الله سبحانه وتعالى الكون عبثاً وفوضى يسير كما يحلو للناس، تتضارب المصالح، وبعلمك القاصر وبقدرتك المحدودة يفسد الكون. فهذا الكون لو لو كان هناك آلهة إلا الله
لفسدت السماوات والأرض، إذاً فالله الرزاق لأنه هو العليم، والله الرزاق لأنه هو القادر، والله الرزاق لأنه هو الملك والمالك، وبهما قُرئت الفاتحة "مَلِكِ يوم الدين" "مالِكِ يوم الدين"، وهناك فرق بين المالك والملك، فالملك له سلطان لكنه لا يتدخل في ملك غيره أو... في ملك غيره ولكن المالك يتصرف في ملكه كيف ما يشاء والله جمع بينهما فيتصرف في ملكه كيف يشاء وفي ملكه كيف يشاء ولذلك
فهو واسع وهو سبحانه وتعالى عظيم وهو سبحانه وتعالى بكل شيء محيط ومن هنا تبرز هذه الأسماء والصفات العلى التي وصف بها ربنا نفسه في كتاب الله وفي سنة سيدنا رسول الله على لسان سيدنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، هذه الأسماء الكثيرة التي فاقت المائتين وعشرين تبين لنا من نعبد، أننا نعبد حكيماً عالماً عليماً قوياً قديراً مالكاً قديراً عالمياً عليماً، ولكنه سبحانه وتعالى حي، وسبحانه
وتعالى له كلام، وسبحانه وتعالى مفارق. للأكوان ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، هذا هو الله الذي نعبده والذي يخبرنا القرآن عن صفاته المتتالية، أكثر من مائة وخمسين اسماً لله في القرآن الكريم، وأكثر من مائة وستين اسماً في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانت العرب إذا أحبت أحداً أو خافته أكثرت من أسمائه. فكثرت أسماء الله سبحانه وتعالى طمعًا ورهبةً له