ما الفرق بين الذي لا ديانة له و بين الذي لا دين له؟ | أ.د علي جمعة

ما الفرق بين الذي لا ديانة له و بين الذي لا دين له؟ | أ.د علي جمعة - فتاوي
الذين ليس لديهم ديانة والذين ليس لديهم دين، الذين ليس لديهم ديانة والذين ليس لديهم دين. هذا كلام جديد، أي أن الشخص الذي ليس لديه ديانة هو الذي ليس لديه دين. لكنهم عندما اكتشفوا أستراليا وجدوا أن الناس ليس لديهم ديانة، ليس لديهم ديانة، لا توجد ديانة يتدين بها السكان الأصليون. مسؤولو أستراليا والسكان الأصليون لأستراليا، توجد بجانب أستراليا جزيرة صغيرة نسبياً، كبيرة بمعنى ما، لكنها صغيرة بالنسبة لأستراليا، اسمها تسمانيا. آخر شخص مات في تسمانيا كان سنة ألف ثمان مائة وثلاثين، ولم يبق أحد من السكان الأصليين لأستراليا بعد سنة ألف وثمان مائة وثلاثين، فعندما دخلوا أستراليا لم يجدوا
أحداً. فيها دين. أنت ما هي ديانتك؟ مسلم، مسيحي، يهودي، بوذي، هندوسي، شنتو، جيتا، أي شيء. لكن هؤلاء ليس لديهم ديانة أصلاً، ولا لديهم فكرة أن هناك ديانة، أو أن هناك شريعة، أو أن هناك حلالاً وحراماً، أو أن هناك أي شيء في أي شيء. فهؤلاء ليس لديهم ديانة، ولكن وجدوا عندهم. نوعٌ من أنواع الطقوس السحرية، طقوس تتعلق بالسحر، يقومون فيها بحركات معينة كوضع حجر فوق الآخر، وينتظرون الصاعقة لتأتي وتُشعل النار في بعض القش. إنها أشياء بدائية تماماً من هذا
القبيل. لكنهم أُعجبوا فيما بعد بدراسات الشعوب البدائية من قبائل الماكو في البرازيل، في مستنقعات في البرازيل لم يصلها الإنسان ولا... حتى الهنود الحمر تركوا هذه المستنقعات لسلالة معينة سموها الماكو، وهؤلاء الماكو دخلوا فلم يجدوا لهم سكنًا. وكانت معايير الدراسات الخاصة بالبدائيين تعتبر أن الذي ليس له ديانة من الأصناف المنحطة من البشر، فأحط شيء هو من ليس له ديانة. لذلك كانت أستراليا مصنفة بأن سكانها
الأصليين هم آخر آخر الناس، لماذا؟ لأنهم... ليس لديهم دين، عندما نذهب إلى أفريقيا نجد أناساً كانوا يعبدون شيئاً يسمى الطوطم. والطوطم هذا يعني مثل النهر أو نوع معين من الشجر، يُعتقد أن أرواح الأسلاف قد حلّت فيه وأنه شيء مقدس. فيسجدون للشجرة أو يسجدون أمام النهر أو شيء من هذا القبيل، فسمّوها توتم. الطوتم هذا له ديانة، لكن الذي ليس له ديانة من أهل أستراليا هذا أحط منه، حتى عندما دخلوا مستنقعات الماكو وقبائل الماكو وجدوهم أخس وأحط من سكان
أستراليا. كيف ليس لهم سكن؟ ليس لهم سكن! فأصبحت دراسات البدائيين تعتبر أن من لا سكن له أحط ممن لا ديانة له. لماذا؟ قالوا... شيء غريب جداً عندما لم يعد للإنسان سكن، فلم تعد هناك أسرة، وعندما لم تعد هناك أسرة، فلم يعد هناك جيش يدافع عن القبيلة، ولم يعد هناك انتماء، ولم يعد هناك نسب أو عمود نسب حاكم. إذ إن المرأة يتزوجها أي شخص فتنجب أي
شيء، من هذا؟ هذا ابنها. أين أبوه؟ لا أعرف. هل تعلمون أين عمّه؟ إذا كنا لا نعرف أباه، فبالتأكيد لا نعرف عمّه. فأصبح الإنسان بلا سلسلة نسب، وهذا أسوأ شيء وجدناه في البشرية، أن يكون ما نهايته انعدام سلسلة النسب. سلسلة النسب تعني أن أعرف أبي وأمي، فأعرف عمي وخالي، وبالتالي أعرف بنت خالتي وبنت... عمتي وأعرف هذا العمود، وجاءت الشرائع وحرمت، قال: لا يجوز لك أن تتزوج أمك ولا ابنتك ولا عمتك. وفي الشريعة الموسوية كانت العمة لم تحرم بعد، فكان عمران أبو موسى متزوجاً من عمته يوخانده، إذ
لم تكن العمة محرمة حينها. ثم حُرمت العمة بعد ذلك في الشريعة العيسوية والشريعة المحمدية، لكن سيدنا موسى... قبل سيدنا موسى كان الرجل يتزوج عمته ولا يحدث شيء. فالدنيا من غير عمود النسب تنهار. هذا هو الكلام: الدنيا من غير عمود النسب تنهار، ولا يبقى وطن، ولا يبقى جيش، ولا تبقى إدارة، ولا تبقى أسرة، وكل واحد يسير - والعياذ بالله تعالى - مثل الحيوان. هكذا تركه لنا لأنه لا يوجد بيت يسترهم، لا يوجد سكن، لا يوجد بيت. فوضع علماء البدائيات عدم السكن هو وضع شيء موجود ولم
يجدوا إلا حالة الماكو. هؤلاء الماكو هم فقط البشر، يعني مكلف الإنسان يكون مكلفاً. بعد ذلك قلة الأديان أو يعني عدم وجود الديانة. بعد ذلك عدم تطور اللغة، فاللغة البدائية تستعمل الإشارات مع الصوت، أي تكون خليطاً ما بين إشارات اليد والفم والعين وهكذا وتقلصات الوجه مع الصوت كجزء من الحروف. فهذا أيضاً يضعونه في نهاية القوائم، لكن الأخس فقد الآية السكن، والذي فوقه فقد الديانة،
والذي فوقه فقد اللغة أو عدمها. وجود الإضافة مثلاً، نحن لدينا في اللغة العربية يقال لك: شجرة مانجا، شجرة ياسمين، شجرة زيتون (مضاف ومضاف إليه). هناك شجرة المانجا (توكو توكو)، شجرة الزيتون (سيميتا)، الله! ما هذه؟ يعني أين؟ ليست هي (توكو) شيء، أي شيء، لا، لا توجد إضافة أصلاً. فكل شيء له شيء، فتجد بدلاً من أن تستعمل... لك ثلاثة آلاف كلمة يكتب بها، بينما يستعمل ثلاثين وأربعين ألف كلمة، فهذا دليل التخلف. انتبه أنه كلما زادت الكلمات قلت البلاغة وقلّ التفكير. اللغة والفكر وجهان لعملة واحدة، فإذا لم يكن عنده
دين فهذا يعني أنه ليس لديه أبداً شيء يتدين به، فلا يوجد ديانة مسيحية ولا. مسلمة أو بوذية أو أي شيء آخر. أما الرجل الذي ليس لديه دين، أي لا يراعي أحكام ربنا، فهو شخص فاسق. شخص فاسق يعرف أن هناك صلاة وصوماً وزكاة، ولكنه غير راضٍ، غير راضٍ أن يؤديها. فهذا يُعتبر قليل الدين. وبما أن الدين والديانة مترادفان، فيجوز أن تعكس المفهومين فتقول... قلة الدين هي الأولى وقلة الديانة هي الثانية، أو عدم وجودهما يُقال عنه أنه ليس عنده دين أو ليس عنده ديانة. اختر لنفسك، لكن هناك مفهومان: المفهوم الأول هو مفهوم مقياس البدائية، والمفهوم
الثاني هو مفهوم الانحراف عن الشريعة. أجبت.