ما جزاء من لم يبلغه دعوة الإسلام في عصرنا الحالي؟ | أ.د. علي جمعة

ما جزاء من لم يبلغه دعوة الإسلام في عصرنا الحالي؟ | أ.د. علي جمعة - فتاوي
يسأل سائل فيقول: شرحتم لنا أن الله لم يكن ليعذب حتى يبعث رسولاً، قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾، وقلتم لو أن الله لم ينهَ عن السرقة مثلاً لم يحاسب عليها أحد، واستشكل عندي لو أن غير المؤمن الذي لم تبلغه الرسالة ظلم وقتل وسعى في الأرض فساداً. ألا يكون له حساب زائد على الذي لم يؤذِ أحداً، وقد ورد أن الحيوانات لها قصاص فيما بينها يوم القيامة. أليس في الإنسان فطرة يعرف بها الخير والشر؟ المقصود هو أن
الأفعال البشرية ما الذي يترتب عليها من ثواب وما الذي يترتب عليها من عقاب وما الذي لا يترتب عليها. من ثواب أو عقاب فالفعل البشري هو الذي يوصف بالحكم والحكم الرباني أما أن يكون طلبا أو أن يكون تخييرا فإن كان طلبا فإما أن يطلب منك الفعل أو أن يترك منك الترك أما أن يكون ذلك الأمر للفعل جزما أو من غير جزم وإما أن يكون ذلك النهي جزما
أو من غير جزم، وأما أن يكون تخييراً فيكون مباحاً لا يدخل في نطاق الطلب إلا بالنية، أن توجه نيتك بالمباح لوجه الله تعالى فتُحسب لك في الترك وفي الفعل يُحسب لك الثواب. فالأفعال توصف بإحدى هذه الخمسة: الحرام، والمكروه، والواجب، والمندوب، والمباح، ولا يخرج فعل الإنسان عن هذه الأوصاف. التي هي أحكام رب العباد للعباد أتى بها الوحي فأمر ونهى وأباح
وأتاح أفعالنا بين هذه الخمسة لا يزيد. فما الحرام أن تظلم الناس، حرام سيترتب عليه عقاب، أن تقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق حرام يترتب عليها عقاب، أن تسعى في الأرض فساداً حرام يترتب عليها عقاب، ولكن هذا الإنسان لم يبلغه الوحي، مَن الذي يقول إن القتل حرام؟ مَن الذي يقول
إن الفساد حرام؟ مَن الذي يقول إن الكذب حرام، أو إن الزنا حرام، أو إن السرقة حرام؟ الله. وما معنى حرام؟ أن هذا الفعل سيترتب عليه عقاب من الله. العقل البشري هل وحده قبل رسالة الله؟ وقبل وحي الله يصف هذه الأفعال بأنها ممنوعة حرام، لا يستطيع أن يصف هذه الأفعال لأنه أصلاً لا يعرف معنى العقاب. العقل البشري المجرد لا يتخيل يوم القيامة، لا يتخيل الجنة والنار،
هو أصلاً لا يعرف أن هناك جنة ولا نار. إن الذي أخبرنا أن هناك جنة وناراً ليس إننا ذهبنا في رحلة سياحية ودخلنا الجنة ورأينا النار ورجعنا وقلنا: "يا إلهي، هذه أمور مختلفة". لم يحدث هذا، بل ما حدث هو أن الأنبياء قد أخبرونا عن الله سبحانه وتعالى أن هناك جنة وأن هناك ناراً. بدون طريق الأنبياء، لم يستطع عقلي إدراك ذلك. فالله خلقنا هنا وانتهى الأمر. وتركها لله هكذا نفعل ما نريده بعقولنا، فعندما أقتل أُقتَل، والقوي يغلب الضعيف،
فيصبح ما تكسبه تلعبه، ويأتي شخص مثل نيتشه ويقول لك نظرية السوبرمان، أي أن القوي يضرب الضعيف. هذا ما كان سيحدث من دون الله. أنا لا أعرف إذا كنت لن أستخدم قوتي لأن ذلك يغضب. ربنا لا يغضب، ربما لا يغضب، ربما هو أعطاني القوة لأفتري على الناس، ربما جعل هذا يُغضبني لأقتله. ما الذي قال لي إن قتلي للذي أغضبني هذا حرام؟ إذن الله - إذا تنحينا قضية الألوهية - تصبح الحياة سوداء وتصبح
خروجاً مُغرياً، خروجاً مُغرياً لا حل لها. ولا لها ضرورة، فالحياة من غير ربنا تصبح مصيبة سوداء. في تلك الساعة فعلاً يجب أن تقول: يا للمصيبة! إذن ماذا نفعل هنا؟ افعل ما يُفعل، ستكون مصيبة سوداء. ولذلك "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً"، وهي قمة من قمم الرحمة، فالعقل البشري لا يستطيع أن يدرك نظرية الحساب والعقاب والثواب بنفسه، بل
لا بد أن يسمع الوحي وأن يؤمن بالرسل فأرسلهم الله وبعثهم بما بمثله يؤمن الناس من خوارق للعادات ومعجزات تجعل الناس تقول هذا شخص غير عادي ولذلك أنا أصدقه فيما يقول فقالوا لنا هذه الأشياء حرام ومعها مكروه وهذه الأشياء واجبة ومعها مندوب وسألته عن أكل الملوخية فقال لي مباح. طيب والبطاطس مباحة، طيب أحب الفاكهة الفلانية مباحة، كل الأعمال أصبحت بعد ذلك مباحة. تمسك
الحرام فتجد عشرة أو عشرين أمراً، يعني لا تسرق، لا تزنِ، لا تخدع، لا تقتل، لا تكذب، لا تشهد الزور، لا تؤذِ الناس، لا تفسد. يعني لو عددتهم لن يبلغوا العشرين. صلِّ، صُم، زكِّ، حُجَّ، اذكر. ادعُ أعملْ سوياً عشرين هم أيضاً تزوج بالطريقة الفلانية لا تتزوج بالطريقة الفلانية طلق بالطريقة العلانية لا تطلق بالطريقة الفلانية وهكذا تعدهم لا تجدهم عشرين أيضاً وأصبحت أفعالنا كأنها مباحة أصبحت الأفعال كلها مباحة يعني لا ثواب ولا عقاب يعني ترك لنا مساحة كبيرة أفعل ولا تفعل السؤال
هو العقل ليس في البشر فطرة يعرف بها الصواب من الخطأ بمفرده هكذا، لا، لن يعرف، ولو تركناه وحده ستحدث مصائب، والفعل الواحد يختلف فيه البشر، وجدنا دولاً تقول إن هذه المخدرات ليس هناك أفضل منها ويوزعونها مجاناً، يوزعونها مجاناً، ودول أخرى تقول لا، هذه حرام، إنها تُذهب العقل وتسبب الإدمان. هذا يجعل الإنسان غير مسيطر على أفعاله فيرتكب مخالفات وجرائم. بعض
الناس يقولون: "اشرب الخمر، فلماذا خلقه الله؟" وآخرون يقولون: "الخمر حرام، والذي يشرب الخمر يفقد عقله ويتصرف تصرفات غير صحيحة". وبعد ذلك، حتى جاء الأطباء وقالوا أنه يدمر الكبد أيضاً، أي ضرر فوق ضرر، فتوقفوا عن شربها. في سنة تسع وعشرين في أمريكا كانت الخمر محرمة قانوناً، فغضب مزارعو العنب لأنهم يصنعون الخمر والنبيذ من العنب، وغضب مزارعو التفاح لأجل الشمبانيا، وغضب مزارعو البصل لأجل الويسكي المصنوع من البصل. ماذا سنفعل؟ ضغطوا على الحكومة فألغت القانون. نعم، لكن من يشرب
تصيبه حالة تسمى الفيل الأزرق فيجلس. وهكذا، وبعد ذلك، يتخيل أن هناك فيلاً خرج من الحائط بسبب الإدمان، وهذا ضلال. فالخمر عندنا نجسة، ليس ذلك فحسب، بل بالإضافة إلى أنها نجسة، فإنها تسبب الإدمان وتسبب رؤية ذلك الفيل الأزرق الذي على الحائط. فهم أناس عاقلون وقد ذهبوا إلى القمر والمريخ وما إلى ذلك. وسأضعك في الحجر الصحي. نعم، يعني إذا قلنا غلطاً وأنت
ستقول صواباً. في الدول الاسكندنافية أصبحت المخدرات صحيحة في بلجيكا وهولندا وأماكن أخرى وإنجلترا وألمانيا وفرنسا. الدعارة حلال في أمريكا حتى اليوم، والدعارة حرام في تركيا. الدعارة تجلب أكبر دخل تُسدد له ضرائب، فالسيدة التي تدير الدعارة في تركيا تسدد أعلى. ضرائب في البلاد فتأخذ الجائزة، تأخذ الجائزة. الله! أهذه هي دار الخلافة؟ إنها أمرٌ تضحك منه الثكلى، وتُسقط منه الحبلى، ويشيب منه الأقرع. الأقرع يشيب مما نحن فيه! فما الفرق بين العقل البشري والعقل الحيواني؟ الذي
يحدد الحلال والحرام هو الله عن طريق الرسل، وما كنا معذبين حتى نبعث. رسولاً ليس هكذا، لا يوجد غير ذلك. العقل لا يتوصل أصلاً. الأشاعرة قالوا، ولا الإيمان بالله. عندما ذهبنا إلى أستراليا واكتشفناها، دخلنا ووجدنا شيئاً يُسمى السكان الأصليين. سألنا السكان الأصليين في أستراليا: "يا جماعة، ماذا تعبدون؟" قالوا: "نحن لا نعبد شيئاً". قلنا لهم: "يعني لا يوجد إله مثلاً؟" قال: "لا، لا نعرفه". حسناً. تعبدون صنماً؟ لا. حجراً؟ لا.
شجرة طيب؟ لا. إذن تعبدون معنى؟ تعبدون نهراً مثلاً؟ تعبدونه بقرة؟ تعبدونه أي شيء؟ لا مطلقاً. جده قال له: أبداً، ولا نعرف الذي أنتم تقولونه هذا ما هو. إذن هم بشر، ها نحن نبحث في البشرية أصلاً، لا نعرف ما لهم. مَن الذي؟ من الذي صنع هذه الشمس والقمر؟ من الذي خلق الشمس والقمر وهذه السماء وهذا الأمر؟ قال: والله لم تخطر ببالنا هذه الفكرة، يعني لم أفكر في
من الذي خلقها، وما شأني؟ إنه عقل بشري. آخر امرأة ماتت في تسمانيا - وهي جزيرة بجانب أستراليا - عام ألف وثمانمائة وثلاثين من السكان الأصليين. آخر واحدة لا يوجد بها سكان أصليون، ولكن عندما دخلنا وتحدثنا مع الناس لم تكن لديهم فكرة بهذا الشأن. إذاً، هم لم يأتهم رسول ولم يذهب إليهم نبي، فعلى أي شيء سيحاسبهم الله؟ فهو الذي خلقهم وهو الذي جعلهم هكذا، فهؤلاء لا حساب عليهم من رحمة الله. ماذا عن الحيوانات؟ تتخاصم مع بعضها يوم القيامة أو تطلب القصاص حتى يُستوفى للشاة الجلحاء من الشاة القرناء، يعني هناك معزة لها قرنان نطحت
معزة ليس لها قرون، القرون الخاصة بها إما صغيرة أو غير موجودة، فيأتي الاثنان ويقفان في الحساب، نعم، لأن هذا ليس فيه عقل وترتيب وتكليف، فهو غير موجود، ولكن هذا... أصلاً السؤال المطروح هو: هل سيستوي يوم القيامة من لم يظلم من غير المؤمنين مع من ظلم من غير المؤمنين؟ ربنا قال: "ولا يظلم ربك أحداً". الذي ظلم سيُحاسب على ظلمه، والذي لم يظلم "إن الله لا يضيع أجر المحسنين". فيكون هذا أحسن، فيأخذ... هل
سيدخلان الجنة هما الاثنان لأنه ما... لا يوجد تكليف، فعندما يدخلون الجنة، لن يدخل الجنة أحدٌ بعمله إنما برحمة الله. قومٌ رحمهم ربنا - الاثنين غير المؤمنين هؤلاء - وأدخلهم الجنة. اختيارهم لأماكن الجنة بأعمالهم، فيأتي الرجل الذي لم يظلم فيقول له: "يا رب، أنا كنت أطعم الطعام، وكنت أساعد الضعيف، وكنت - يعني - أكف شري عن الناس"، فيقول له: "أنت..." اختر موضعاً لروحك في الجنة. فتجيب الروح: شيء جميل. ويقول الآخر: لا يا ربي، ذلك الشاب الذي ظلم وقتل وأفسد، أريد الموضع الذي
أخذه هذا الرجل. إنها النقرة. لقد كان ظالماً في الدنيا. فيقول له: لا، ليس لك حق. اخترت لك مكاناً آخر، فهذا المكان قد حُجز بالفعل. إذاً، التفاضل في الجنة والدرجات فيها تكون طبقاً للأعمال. وهنا هذا عمله أسود وذاك عمله أبيض، والأبيض يتفوق على الأسود. هذه هي المسألة، فلا تحمل الهم ولا تخف، يعني نم واسترح يأتيك النجاح. أي أن هذه مسألة لا تستحق حمل الهم. الذي يحمل الهم هو غير المؤمن، الذي ليس مؤمناً. والذي ظلم والذي هَمّ، التفت يا إخوان إلى نفسك، زد الذكر قليلاً، زد العلم، زد الخير، وافعلوا الخير لعلكم تفلحون، لا يهمك.