ما حكم إنكار الثوابت القطعية المجمع عليها؟ | أ.د علي جمعة

ما حكم إنكار الثوابت القطعية المجمع عليها؟ هناك ثوابت قطعية مجمع عليها وهذه نوعان: النوع الأول ما لا يجوز العذر بجهله، والنوع الثاني ما يجوز العذر بجهله. إنما كلمة "مجمع عليه" تعني اتفاق أهل الحل والعقد والمجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم على أمر من الأمور الشرعية. في عصر من العصور، ومعنى هذا أنه لم يرد لنا ولا
رأي شاذ، فإذا ورد رأي شاذ فليس هناك إجماع. فالإجماع هو اتفاق الجميع، واتفاق الجميع يجعل الأمة بقيادتها تسير في اتجاه، فمن خالفها يسير في اتجاه آخر واتبع غير سبيل المؤمنين. لما قرأ الشافعي كتاب الله باحثاً عن حجية. الإجماع قرأه مرات حتى أنه وصل إلى هذه الآية بهذا الفهم أن الأمة إذا صارت في اتجاه وأجمعت عليه ولم يشذ منها أحد ثم جاء أحدهم يريد أن يغير فيما أجمع عليه فإنه يكون مخالفاً مردوداً للإجماع. أما
لو أن الأمة جلست فبحثت مسألة فقال عشرة من العلماء نعم وقال واحد منهم لا فإنه لا يتم الإجماع ولا يكون هناك إجماع، وهناك أسباب كثيرة لاختلاف الأمة فيما اختلفت فيه، كلها راجعة في مسائل غير أصلية، لكن الأمة اتفقت على حرمة الخمر، واتفقت على وجوب الصلاة، واتفقت على أن الوضوء إنما هو قبل الصلاة وليس بعد الصلاة، فلو قام أحدهم. الآن وقال أرى أن يكون الوضوء بعد الصلاة كان مردودًا عليه لأنه رأي شاذ منفرد لا حجة فيه، خالف
الإجماع، خالف الإجماع. ولذلك الإجماع بهذا المعنى وهو اتفاق الجميع عليه يتحرر في تلك المسائل وفي مسائل كثيرة: وجوب الزكاة، صيام رمضان. فيقوم أحدهم الآن ويقول هيا بنا نصوم شوال وهو. هذا شهر وهذا شهر لا يحدث فيه شيء، فيكون كلاماً باطلاً مخالفاً للإجماع قادحاً في هوية الإسلام، لأن هذا الإجماع يمثل هوية الإسلام. في بعض البلاد ضغط غير المسلمين على تنفيذ أحكام الإسلام حتى أن الناس تركت هناك الصلاة وتركت الصيام، إلا
أنه لا يشرب الخمر أبداً ولا يأكل الخنزير. أبداً فأصبحت هذه الأحكام تمثل هوية الإسلام. ماذا يعني أنك مسلم؟ يعني أنك لا تشرب الخمر ولا تأكل لحم الخنزير، حتى لو كان هذا الرجل لا يصلي ولا يصوم وتلهيه الدنيا، لكنه لا ينكر الصلاة ولا ينكر الصيام ولا غير ذلك، وإنما هو يرزح تحت وطأة هذه القسوة التي اتخذها هؤلاء الناس. فإنه لا يؤدي الصلاة عملياً، لكنه أبداً لا يقع في الزنا ولا في شرب الخمر ولا في أكل الخنزير، لأن هذه محرمات بالاتفاق والإجماع. فإذا جاء أحدهم وقال إن الزنا حلال، أو
إن عورة المرأة ليست بعورة، وعورة الرجل ليست بعورة، وأن الصلاة ليست واجبة، وأننا نصوم شوال بدل. رمضان أو شخص آخر يتظرف ويقول: "لا، فلنصم شعبان حتى نكون كمن قدم السبت فيجد الأحد أمامه"، وهكذا من العبث وسوء النية والتخلف العقلي. فكل هذا مردود على صاحبه. وعلى السائل أن يلاحظ الآن ما عليه ملحدو العرب، فلملحدي العرب ثلاثة أو أربعة مواقع على الإنترنت في ما... نسميهم بذبالة الإنترنت، يحاولون أن يشككوا في جميع الثوابت، ويقولون:
"عندما نشكك الناس في الثوابت، يصبح الناس تائهين". شكُّكم في الثوابت يعني ماذا؟ إنهم لا يفهمون معنى تشكيككم في الثوابت. قال لك: "ما هو اليوم؟" قلنا له: "اليوم الجمعة". فقال: "من الذي قال لك أنه الجمعة؟ أليس من الممكن أن يكون الثلاثاء؟" كان جُحا يمشي مع ابنه في الرصافة هناك في العراق، فقال له: "هل صلينا الجمعة متى يا ولد؟ في الأسبوع الماضي؟ في أي يوم؟" قال له: "تقريباً في يوم الثلاثاء". قالوا: "أتتصور؟ صحيح! هذا أي عمل؟ عمل مجانين! هو يريد أن يوصلك إلى هذه الحالة التي كنا نمزح بها". قديماً كنا
نعتبرها مزحة ونضحك، أصبحت معروضة الآن في العالم غير المعقول الذي نعيش فيه. اليوم ليس الجمعة، لماذا؟ لماذا أيها العالم الجليل، اليوم ليس الجمعة؟ قال: لأنه كان هناك بابا عند الكاثوليك اسمه جريجور، وجريجور عدّل في التواريخ، فمن هنا هو عدّل، ربما انظر الآن. الكلام أصبح انظر إلى الكلام، انظر إلى الكلام، ربما أنه يكون صحيحاً في أيام الأسبوع أو أنا مخطئ. قلنا له يعني حسناً، لكنه لم يصحح. نحن نعرف ما فعله البابا جريجوري والتقويم الذي
نعمل به هذا حتى يومنا هذا في العالم كله اسمه تقويم جريجوري. من هو جريجوري هذا؟ هو جريجور هذا البابا الذي للفاتيكان الذي شعر بأن هناك فارقاً أتى من تراكم السنين فأجرى إصلاحات، هذه الإصلاحات أثّرت عند المسيحيين ما بين الشرقيين والغربيين، والذين كتبوا جريجور والحسابات التي لجريجور نعرفها، أنتم البعيدون لا تعرفونها، لكننا نعرفها، تحت أيدينا كلمة كلمة وحرفاً حرفاً، واليوم هو يوم الجمعة فاسألوا. أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، لكن انظر إلى القصارى دون القنارة، هذا يثير شبهات
في الشاب المسكين، فيقول: حسناً، ربما يكون صحيحاً. فتجنب القدح في الثوابت. أي ثوابت؟ هو لن يقربك إلى الصلاة والخمر وما شابه، بل سيأتي ليشكك حتى في اليوم، لكي تظل متشككاً في نفسك وجالساً يا... عيني، امضِ هكذا. تاجه، هل اليوم الجمعة أم الثلاثاء أم الأربعاء؟ لا أدري، إن المرء لا يعرف. يريد أن يوصلك لهذا الحال. حسناً، وماذا ينتج عن ذلك؟ ينتج عنه أنك في النهاية لا تعرف شيئاً في أي شيء. وهذا ما كنا نسميه ونحن صغار "الماحي في جميع النواحي". هو يريدك أن يوصلك. هكذا إلى أن تكون الماحي في جميع النواحي مدعياً أنه عندما تكون أنت الماحي في جميع النواحي ستُبنى بك
حضارة. كيف بالله يعني هذه الفوضى سيُبنى عليها حضارة؟ إن إنسان الحضارة إنسان مفكر، إنسان مبدع، إنسان مدقق، إنسان محقق، إنسان عارف الأمور على مستوى المسلمات والبدهيات، فكيف تنتظر من هذا الإنسان التائه الضائع في جميع النواحي تنتظر منه بناء حضارة، إذاً فهذه دعوة كاسدة فاسدة، ومنها أن الجمعة ليست جمعة، وأن رمضان ليس رمضان، وأنه لا توجد معجزات للأنبياء، وأن الإسراء ليس إسراء، والمعراج لا يوجد شيء اسمه معراج، وأن وأن وأنه، ويستمر في الإلحاح عليك بالطعن.
في الثوابت معتقدًا أنك عندما تشك في كل شيء أنك ستكون رجل حضارة، لا، أنت عندما تشك في كل شيء لن تستطيع التفكير وستظل تائهًا وستظل ماحيًا في جميع النواحي، وحينئذٍ فأنت ضعيف، وحينئذٍ فلا إبداع ولا عمارة للأرض والأكوان، ولا عبادة للرب والرحمن، ولا تزكية للنفس وللإنسان، وهنا افتقدنا. مرادُ اللهِ في خلقهِ وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلا ليعبدون هو أنشأكم من الأرضِ واستعمركم فيها أي طلبَ منكم عمارتَها قد أفلحَ من زكَّاها وقد خابَ من دسَّاها سنفقدُ الطريقَ وحينئذٍ سيفرحُ هؤلاءِ بالضياعِ بما
توهَّموهُ من خيالاتٍ وقيسوا الأمورَ بنظائرِها وأشباهِها أنا ضربتُ لكم أمثلةً إنما في الأيامِ القادمةِ ستأتي أمثلة أخرى، ستأتي أمثلة أخرى، سيشككون في القبلة، وسيشككون في الصلاة، وسيشككون في الخمر، وسيشككون وهكذا، وحينئذ يقول لك: انطلق، كن حراً طليقاً. لا، هذه ليست حرية، هذا اسمه تفلت. هناك فرق بين الحرية والتفلت واللعب بالمصطلحات. هذه أذنين المهمة الخاصة به، إبالسة الجن والإنس. لا، إياك أن تتوه. منكَ الطريق وإلا ستَضِلّ، والذي سيَضِلّ سيذهب في الضلال إلى أبعد ما يكون. كمن أراد ركوب قطار الإسكندرية فركب قطار أسوان، فيكون
في ضلال بعيد، يبتعد في كل لحظة عن الحق والحقيقة.