ما حكم الغش في الامتحانات؟ وهل هو من الكبائر؟ | أ.د علي جمعة

ما حكم الغش في الامتحانات؟ وهل هو من الكبائر؟ | أ.د علي جمعة - فتاوي
يسأل سائل فيقول: اقتربت امتحانات آخر العام، فما حكم الغش في الامتحانات، وهل هو من الكبائر أم من الصغائر؟ يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما استدل به العلماء على حرمة الغش في الامتحان: "المتشبع بما لم يُعط كلابس ثوبي زور"، يعني من غش في الامتحان فقد أظهر. لنا مستوى
من المعرفة والحفظ والأداء وفهم السؤال والتلقي عن العلم لم يكن هو فيه على الحقيقة، فهو متشبع بما لم يعطه الله له، فهو كلابس ثوبي زور، وثوب الزور كان هو الثوب الذي إذا ما رأيناه رأينا كأنه يلبس ثوبين وهو يلبس ثوباً واحداً، فيأتي هنا ويعمل كمه. صغيرٌ هكذا، فأنت تظن أن هذه جلبية تحت جلبية وثوب تحت ثوب، والذي هو في الحقيقة ثوب واحد يسمونها في
أسواقنا عندما يصنعونها في البولفرات "توينز". وماذا يعني "توينز"؟ يعني توأم، فيجلب لك قطعة واحدة فيها لونان، فأنت وأنت ترتديها تجعل الناظر من الخارج يظن. أنه يرتدي ثوبين وهو في الحقيقة يرتدي ثوباً واحداً. هذا هو ثوب الزور، وزور الشيء أي جمّله وحسّنه على غير ما هو عليه، ولذلك جاء منها التزوير. عندما نزوّر النقود، فأنت ترى المائة جنيه فتظن أنها المائة جنيه الحقيقية، لكنها ليست كذلك، بل هي مزورة
من شخص ما، أي أنه جمّلها لتجعلك تنخدع من محاولة التجميل هذه. فأزوِّرُ يعني أي جملة قال: "وكنت قد زوَّرتُ في نفسي حجة"، فالمزوِّر هو من يُجمِّل الحجة. كيف أعرضها لكي يقتنع السامع؟ "وإن من البيان لسحراً"، فقد أزوِّر كلاماً أقوله فيكون كلاماً جميلاً مقبولاً. السامع يقول: نعم، هذا كلام صحيح، لأنه مرتب، ولأنه عرف مداخل الأمر ومخارجه كلها. ثوبي زور يكون من الخارج
"الله الله" ومن الداخل يعلم الله، يكون حرامًا. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا". يكون هذا حديثًا مباشرًا. صحيح أنه ورد في غش السلع التجارية، لكنه عام، لم يقل "من غشنا في البيع والشراء" ولا قال "من غشنا في". التجارة والمعاملات، ولم يقل: "من غشنا في الأسواق"، بل قال: "من غشنا فليس منا"، يعني ليس من أخلاقنا. والسؤال الثاني: هل هو من الصغائر؟ الحقيقة أن الكبيرة كما يقول
ابن فورك إمام أهل السنة: إما أن يكون عليها الوعيد الشديد كالخلود في النار كالقتل والزنا وما إلى آخره، وإما... أن يكون بإزائها حد في حد أمامها، فتكون إذًا هذه كبيرة. وإما أن يكون بإزائها لعن: "لعن الله كذا، لعن الله كذا". وإما أن يكون بإزائها تبرؤ - وانتبه - "ليس منا"، نعم، هذا يتبرأ من فعل كذا وفعل كذا وفعل كذا. فتكون كل هذه من علامات الكبيرة. فمن غشنا...
فليس منا. يا للعجب! ما هو الفرق بين معنى الكبيرة ومعنى الصغيرة؟ الكبيرة فيها نار أو فيها لعن أو فيها حد أو فيها وعيد. هذه هي الكبيرة. حسناً، والتي ليس فيها ذلك تكون صغيرة. إذن شهادة الزور من أي صنف؟ كبيرة، بل أكبر. الكبائر هذه منصوص عليها: "اتقوا السبع الموبقات: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، والتولي يوم الزحف، والسحر". فهذه كلها كبائر، كذلك الربا من الكبائر، بل من أكبر الكبائر، وشرب الخمر
أم الخبائث. فإذا عرفنا ما هي الكبيرة، فماذا عن الصغيرة؟ هناك علماء من أهل العلم قالوا هذا السؤال غير صحيح، وأنا... لا يعجبني موضوع الكبيرة والصغيرة هذا. قلنا له ماذا؟ قال هذا هو الذنب، يعني ماذا؟ يعني شيء يكرهه ربنا. كيف تفعل الشيء الذي يكرهه ربنا؟ أليس لديك ذرة ملح في عينك؟ ما هي الصغيرة وما هي الكبيرة؟ فابن المعتز أخذ هذا المعنى وقال: خلِّ الذنوب كبيرها وصغيرها، ذاك التقى، واصنع كماشٍ فوق أرض. الشوك يحذر ما يرى، لا
تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى. أستجلس إذن لتقول لي هذه صغيرة وهذه كذا؟ أليست الجبال من الحصى؟ أليست هي صغيرة مثل صغيرة زائد صغيرة ستصنع المصائب؟ فلنترك إذن حكاية الصغيرة والكبيرة. ويا أخانا لا تغش في الامتحانات. حسناً لن أغش ولا تغش أنت أيضاً. وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان لأنك تعين أخاك على المعصية، ليس عليك بالضرورة أن تفعل ذلك. صحيح أن الكلام الذي قلناه معناه أنه لو التزم وداوم عليه وظهر أمام الناس وأمام الإدارة وأمام المجتمع وأمام الدنيا وأمام التاريخ
أن درجته هكذا، إلا أنه لا يوجد. مانع يعني نعطي، فمن استطعمك فأطعمه. لا، ليس هنا. ليست في الامتحان يا عزيزي، الامتحان تكون فيه متعاوناً معه على الإثم والعدوان وليس على البر والتقوى. إذاً، إذا غش أحد أو ساعد غيره على الغش فهذا حرام أيضاً.