ما معنى قاعدة الأصل بالعبادات التحريم؟ | أ.د. علي جمعة

يسأل سائل فيقول ما معنى قاعدة الأصل في العبادات التحريم؟ القاعدة المشهورة أن الأصل في العبادات التوقيف، والأصل في الأشياء الإباحة، والأصل في الأبضاع التحريم. هذه هي الأصول الثلاثة بنصوصها، وبعضهم من السلف الصالح يعبر: الأصل في العبادات المنع. ومعنى هذا أننا لا نزيد ولا ننقص في ذات العبادة، فالظهر أربع ركعات. فلا يقول أحدهم أريد الزيادة مع الله وأريد أن أعبد الله كثيراً
فلنصلي الظهر خمسة أو ستة أو عشرة، هذا لا يصح، لا بد أن يكون الأمر على ما تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أن يرى أحدهم أن الوضوء بعد الصلاة وليس قبلها لا يجوز، ممنوع، لأن الأصل في العبادات توقيفية كما جاءت تكون، ولكن علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصل الصلاة وأنها عبارة عن تكبير يسمى بتكبيرة الإحرام؛ لأنه يحرم علينا بعدها أن نتكلم كلام الناس، ثم الفاتحة،
ثم سورة مما تيسر من القرآن، ثم الركوع والقيام من الركوع، ثم السجود والقيام من السجود، وأن هذا. هو أقل ما هنالك في الوتر ركعة يتلو ذلك التحيات ثم السلام. إذاً هذه الصورة هي التي أتت، وصلاة النهار مثنى مثنى، ركعتين ركعتين، لا توجد ركعة واحدة في النهار. وصلاة الليل مثنى مثنى، ويمكن أن يوتر بواحدة. وترك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار أن نصل بين الوتر. والشفق أو أن نفصل بينهما فنصلي كل واحدة منهما بسلام أو أن نصليها
مثلما نصلي المغرب بدون تحيات في الوسط أو أن نجمع ذلك كله في سلام واحد خمس ركعات سبع ركعات تسع ركعات في سلام واحد وهكذا فكل هذا ما دام قد ورد نتوقف عند الوارد أي نصلي هكذا أما أن إنساناً يصلي في الضحى عشرين ركعة وهذه العشرون لم ترد لكنها ورد أصلها لأن رسول الله رغب في صلاة الضحى، وعندما نصلي نصلي على هيئة رسول الله أن صلاة النهار مثنى مثنى، فلا بأس لأنه ثبت في الشرع الشريف كتاباً وسنةً أن الإكثار من العبادة
ليس ببدعة أو. أن يخترع أمام تصرفات معينة صلاة معينة على هيئة صلاة رسول الله كما اخترع الصحابي عند الشهادة ركعتين القتل الصبر هذا الذي قتله المشركون فجائز أو يخترع سيدنا بلال أن يصلي ركعتين عند كل وضوء فجائز وهكذا فالعبادات في أصولها إنما هي على التوقيف وإنما الزيادة فيها على المنع ولكن التصرف في العبادات ليس كذلك وليس ببدعة، ومن سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم الدين. ولذلك رأينا العُبَّاد أنشؤوا صلاة الأوابين
بين المغرب والعشاء، وأنشؤوا صلاة التراويح في رمضان على عشرين ركعة، وفي حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزد عن إحدى. عشر ركعات أو ثلاث عشرة ركعة في حياته، ولكن الذي جعلها عشرين هو سيدنا عمر الذي قال فيه رسول الله: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور". فكان ما فعله سيدنا عمر تصريفاً وتطبيقاً لمراد رسول الله من قيام ليل رمضان، وكذلك لما تسامع أهل المدينة أيام الإمام مالك أن المكيين
يطوفون حول البيت سبعاً بين كل أربع ركعات، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. زادوا عدد ركعات التراويح إلى ست وثلاثين، عشرين كما كان يفعل عمر، وستة عشر زيادة مكان الطواف الذي يفعله أهل مكة، حتى لا يكونوا قد حصلوا ثواباً أكثر مني. المدينة هذا هو مفهوم الأئمة الكبار الذين نقلوا إلينا الدين، وكل من أراد أن يعيش زمن النبي صلى الله عليه وسلم فهو مبتدع لأنه أتى لنا بدين آخر غير الذي أراده سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد وسع مجال الأذكار فمن ضيقها فهو مبتدع،
وقد وسع شأن العبادة. والإكثار فيها فمن ضيقها فهو مبتدع، وهكذا، فهذه القاعدة "الأصل في العبادات التحريم" لم أرها بهذا النص، ولكن الأصل في العبادات المنع أو التوقف، يعني نقف عند الوارد. أما قولهم "الأصل في الأشياء الإباحة" فمعناه أنه لو جاءت مادة جديدة لم تكن من قبل فإن الأصل فيها الإباحة، وهذا حدث كثيراً. عندما ظهر الشاي وظهرت القهوة وظهر الكوكا كولا وظهر الكاكاو وأمثال هذه النباتات التي لم تكن في بلاد العرب ولم يعرفها العالم القديم،
لما ظهرت وبانت وبان لها آثارها وشاعت، كان الأصل فيها الإباحة، ولكن عندما نرى أن شيئاً ما ضار بالجسد البشري أو معطل للعبادة كأن يكون مفتراً أو أن يكون مخدراً والنبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن كل مسكر ومفتر فيما أخرجه أبو داود عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها، حرمناه من أجل الصفة التي فيه وليس لأصله، فالأصل في الأشياء الإباحة، ولذلك حرم العلماء المخدرات بأنواعها وحرم العلماء الدخان لما
تبين من أنه فيه مضار. وحرَّم العلماءُ القات وحرَّم العلماءُ البات في الهند وهكذا عندما يثبت ذلك، بعض هذه الأشياء متفق على تحريمه كالمخدرات، وبعضها مختلف في تحريمه كالقات والبات والدخان. وهو القات والكفتة، هناك نبات الأوراق الصغيرة من القات تسمى الكفتة، ليست الكفتة التي لديكم هذه، لا، إنها كفتة. فهذه الأشياء اختلف فيها العلماء، لماذا لاختلافهم؟ في مناطها، هل هي ضارة أو أنها ليست بضارة، فالذي ذهب إلى ضررها حرَّم، والذي ذهب إلى عدم ضررها لم يحرِّم،
والأصل في الأبضاع التحريم، لأن الأصل في العلاقة بين الرجل والمرأة الأصل فيها التحريم، ولا تحل إلا بالشروط الشرعية المرعية، فإذا توفرت هذه الشروط كما ورد في الكتاب والسنة. حلت العلاقة كالعلاقة بين الرجل في مصافحته لأمه أو أخته أو زوجته أو كذا إلى آخره.